بين الألم والأمل – من الظلام إلى التحرير (2-2) - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. استمرار المعاناة: اللجنة الصحية السرية في مواجهة الاحتلال
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
رغم التضييق المتزايد، لم تتوقف اللجنة الصحية السرية عن عملها، حيث استمرت الاجتماعات الأسبوعية حتى 13 يناير 1991، أي قبل بدء الضربة الجوية بيومين. كنا نخطط بعناية لمواجهة جميع السيناريوهات المُحتملة، من بينها الحفاظ على النظام الصحي وسط أي فوضى قد تنتج عن انسحاب القوات العراقية، أو التعامل مع أزمة طبية في حال تعرُّض الكويت لضربات انتقامية. كانت مهمتنا صعبة، لكن إيماننا بواجبنا تجاه وطننا وشعبنا كان يحثنا على الاستمرار، رغم المخاطر المحدقة بنا.
كنا نعمل على التنسيق مع المقاومة الكويتية في المناطق المختلفة، وضمان توفير تغطية طبية للجماعات المقاومة، خصوصاً مع تزايد العمليات التي تستهدف القوات العراقية داخل المدن. في الوقت نفسه، كان علينا التعامل بحذر داخل المستشفيات التي أصبحت تعج بالمخبرين العراقيين المتخفين في زي أطباء وممرضين، والذين كانوا ينقلون التقارير يومياً إلى قياداتهم حول أي تحرُّكات مشبوهة.
كانت الاستخبارات العراقية قد نشرت أفرادها داخل المرافق الصحية، ليس فقط لمراقبة العاملين، بل أيضاً للتحكم في الموارد الطبية، وضمان تقديم العلاج للجنود العراقيين قبل أي مريض كويتي. كنا نحاول جاهدين التحايل على هذه الأوامر من خلال توزيع الأدوية والمستلزمات في أماكن خفية داخل المستشفيات، وكذلك عبر العيادات السرية المنتشرة في المنازل، والتي لعبت دوراً كبيراً في علاج أفراد المقاومة والمرضى الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى المستشفيات.
المرحلة الثالثة: مرحلة الطوارئ والضربة الجوية (ديسمبر 1990 - فبراير 1991)
مع إعلان مجلس الأمن في أوائل ديسمبر استخدام القوة لإخراج العراق من الكويت، بدأت الإدارة الصحية العراقية تشهد نوعاً من الاستعدادات المحمومة لمواجهة المرحلة القادمة. انتقلت الأوضاع إلى حالة طوارئ إدارية مشوبة بالاضطراب، حيث بدأ توزيع التوصيات والقرارات بشكل مكثف على المستشفيات العراقية والمستشفيات المُحتلة داخل الكويت.
صدر قرار بإجراء تدوير ونقل ١٣ مديراً وطبيباً كويتياً إلى محافظات الناصرية، وبابل، وواسط، والبصرة، وغيرها. رفض الكويتيون النقل، فتم فصلهم، فصاروا يديرون المستشفيات من بيوتهم. وكُنت الوحيد من اللجنة الذي استمر في حضور اجتماع الدائرة ود. عباس رمضان، لنقل آخر التطورات. وعند الضربة الجوية، هرب المديرون العراقيون، فاضطروا لإعادة المفصولين.
كان هناك اضطراب شديد أشبه بالهستيريا الإدارية في صفوف العراقيين على كل المستويات، حيث بدأوا يدركون أن الاحتلال يواجه نهايته الحتمية.
مع تصاعد التصريحات في الأمم المتحدة وكثافة التغطية الإعلامية على شبكة CNN، بدأ العراقيون يشعرون بأن الأرض تهتز تحت أقدامهم. حاولوا تفعيل خطة الطوارئ الخاصة بهم، والتي خصصت 75 في المئة من المستشفيات للجنود العراقيين، و25 في المئة فقط للمدنيين والسكان، مع إعطاء الأولوية المطلقة لعلاج أفراد الجيش العراقي.
تم حفر خنادق حول المستشفيات، ووُضعت تحصينات، ورفعت الأعلام البيضاء فوق بعض المباني الصحية، في محاولة لتجنب استهدافها خلال العمليات العسكرية.
في المقابل، قُمنا - نحن الكويتيين - بأخذ شراشف بيضاء، ورسمنا عليها هلالاً أحمر، للإشارة إلى المناطق الطبية، ومنع قصفها.
خلال هذه المرحلة، كانت هناك مناوبة مستمرة للمديرين والمسؤولين في المستشفيات على مدار 24 ساعة، حيث تمَّت إعادة توزيع الخفارات على الطواقم الطبية والتمريضية، لضمان استمرار العمل رغم الصعوبات. كما تمَّت إعادة توزيع حصص الغذاء بما يكفي للمرضى والطاقم الطبي.
لكن هذه الفترة تميَّزت باعتداءات متكررة من الجنود العراقيين على الكويتيين داخل المستشفيات، حيث كانوا يقتحمون الأقسام، ويعتدون على المرضى والعاملين الصحيين من دون مبرر. إضافة إلى ذلك، تم إنشاء مستشفى ميداني في مدينة الحجاج، ومستشفى آخر بدور الرعاية الاجتماعية، إلى جانب استخدام السراديب داخل المستشفى العسكري الكويتي كملاجئ طبية مؤقتة، حيث امتلأت هذه السراديب بالأسرة والمصابين.
ومع بدء الهجوم البري قبل التحرير بخمسة أيام، بدأت القوات العراقية في تنفيذ حملات اعتقال عشوائية للكويتيين من الشوارع، وأخذهم إلى العراق بالقوة. كانت هذه الفترة من أصعب الفترات وأكثرها اضطراباً، لكنها انتهت بانسحاب مذل ومفاجئ للقوات العراقية، التي تركت وراءها الدمار والخزي.
لقد ذهبت للمستشفى العسكري صبيحة التحرير، وكان خالياً من أي إنسان. الممرات مليئة بالدماء، والأسِرَّة والأغطية ملوثة، وأجهزة غرفة العمليات تعج بأصواتها. لقد كانوا هنا قبل سُويعات، ورحلوا مذعورين.
الصمود في وجه الاحتلال: روح المقاومة داخل المستشفيات
لم تكن المستشفيات مجرَّد أماكن للعلاج، بل أصبحت ساحات صراع صامت بين المُحتل والكوادر الطبية الكويتية. كان الأطباء والممرضون يمارسون نوعاً من المقاومة الهادئة، عبر تقديم العلاج للكويتيين خلسة، وتأخير معالجة الجنود العراقيين قدر المستطاع، رغم علمهم بأن ذلك قد يعرضهم لخطر السجن أو الإعدام.
كان العراقيون يراقبون كل شيء، لكنهم فشلوا في كسر إرادة العاملين الصحيين الكويتيين. لم يكن الأمر مجرَّد تقديم علاج، بل كان تأكيداً على أن الاحتلال، مهما حاول فرض سُلطته، فإن الروح الوطنية أقوى.
الخاتمة: حتى لا ننسى
الحديث عن الغزو العراقي للكويت ليس مجرَّد استدعاء للألم، بل هو تذكير بملحمة صمود كتبها الأطباء والعاملون في القطاع الصحي بدمائهم وصبرهم. لقد كانت الرعاية الصحية أثناء الاحتلال جبهة مقاومة صامتة، واجهت النهب والتضييق والتهديد اليومي، لكنها لم تتوقف عن تقديم العلاج وإنقاذ الأرواح.
اليوم، وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على تلك المحنة، يظل الدرس واضحاً: الوطن أغلى ما نملك، والحُرية لا تأتي بلا تضحيات. لقد صمد الأطباء، والمتطوعون، والعاملون الصحيون في أحلك الظروف، ليكونوا جزءاً من تاريخ الكويت الذي لا يُنسى.
ما حدث خلال الغزو العراقي للكويت ليس مجرَّد أحداث عابرة، بل هو درس في الوطنية والتضحية والإصرار على الدفاع عن الحق. لم تكن المقاومة مقتصرة على حمل السلاح، بل كانت في كل زاوية من المجتمع، من الكوادر الطبية التي عملت في ظروف قاسية، إلى المتطوعين الذين لم يتوانوا عن تقديم يد العون، إلى كل مَنْ حافظ على صموده رغم الاحتلال والتضييق.
لقد عشنا أياماً كان فيها الوطن هو الأولوية، وكانت الوحدة الوطنية هي السلاح الأقوى. من واجبنا أن ننقل هذه الذكريات للأجيال القادمة، حتى يدركوا أن الحرية لم تأتِ بسهولة، بل كانت ثمرة كفاح طويل وتضحيات جسام.
الحمد لله على نعمة التحرير، والحمد لله على وطن أعطيناه أرواحنا، فأعادها إلينا عزيزة كريمة.
هذه الذكريات ليست مجرَّد صفحات من الماضي، بل هي دروس حيَّة بأن الوطن أغلى ما نملك، وأن الحق مهما طال الزمن، لا يُهزم.
* وزير الصحة الأسبق
كُنا قد تحدثنا في خبر بين الألم والأمل – من الظلام إلى التحرير (2-2) - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
0 تعليق