منير مراد... موسيقار الأغنية العصرية (1 - 2) - غاية التعليمية

0 تعليق ارسل طباعة

منير مراد... موسيقار الأغنية العصرية (1 - 2) - غاية التعليمية

غاية التعليمية يكتُب.. حلّق الموسيقار منير مراد في سماء الأنغام، وتوهجت موهبته كفنان شامل، وأخذ يلحن ويغني ويمثّل ويرقص ويكتب، وقدم نحو 3000 لحن غنائي، وكان سابقاً لعصره، وتمرّد على القوالب التقليدية للألحان، وساهم في نجومية أجيال من المطربين والمطربات، منهم عبدالحليم حافظ، وشادية، وفايزة أحمد، وهاني شاكر، وعفاف راضي، وأصبح من رواد الأغنية العصرية، وامتدت مسيرته الفنية لنحو أربعة عقود، حتى رحيله في 17 أكتوبر 1981، عن عمر ناهز 57 عاماً، ولا يزال إبداعه حاضراً في ذاكرة ووجدان محبي فنه الراقي. بحث منير مراد، ابن العائلة الفنية، عن بصمته الخاصة، وبدأ التلحين بأسلوب «الجاز»، وسط موجات التطوُّر الموسيقي في أربعينيات القرن الماضي، وحضورها في أعمال كبار الملحنين، منهم محمد عبدالوهاب ومحمد القصبحي، ودخول آلات غربية في التخت الشرقي، مثل الجيتار والبيانو وآلات النفخ، مثل الترومبيت والساكسفون والأورج والكلارنيت والفلوت.

اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.

خضعت ألحان مراد للبحث الأكاديمي، الذي أظهر حرصه على استخدام الآلات الإيقاعية الغربية، كما أشرك آلات الأوركسترا الأخرى في أداء الجُمل الإيقاعية، وكان يضع لكل لحن إيقاعًا خاصًا يعبّر عن مناسبة النص، كما كان يميل إلى استخدام إيقاعات سهلة سريعة تعترضها جُملة اعتراضية رشيقة تكون أحيانًا ذروة اللحن، ومثلما فعل موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب في ألحانه للسينما، استخدم مراد الإيقاعات الغربية على ألحان شرقية.


الفنان الراحل منير مراد الفنان الراحل منير مراد

الموسيقار محمد عبدالوهاب ينبهر بأدائه للحن «انت عمري»

ورغم إمكانياته الهائلة كملحن موهوب خاصة في الاسكتشات والاستعراضات، لم تستثمر هذه الإمكانات في مجال المسرح الغنائي، واقتصر نشاط مراد على الأفلام والأغاني الفردية، وربما يرجع السبب إلى أن المسرح الغنائي نفسه قد تراجع كثيرًا أمام انتشار السينما.

وساهم مراد كثيرًا في إدخال المرح والبهجة إلى قلوب ونفوس الجماهير العربية بألحان ذات ذوق راقٍ وإحساس رقيق، لكنّه كغيره من الملحنين المبدعين الذين لم يظهروا كثيرًا بأصواتهم، وبقيت أسماؤهم خلف الكواليس، بينما يخطف المطربون بريق الشهرة وأضواءها، ويعتبر مراد فنانًا لا يقل إبداعًا عن مجايليه من الملحنين، أمثال محمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي ومحمود الشريف، إن لم يتفوق أحيانًا عليهم.

«واحد اتنين» تعلن تمرده الموسيقي بصوت المطربة شادية

الطريق الصعب

وحاول الفنان الشاب إقناع المنتجين بألحانه العصرية، وأوصدت في وجهه أبواب شركات الإسطوانات، لكنّه أصرّ على تمرده الموسيقي، والمضيّ في طريقه الصعب، وغنت له المطربة شادية «واحد اتنين»، وفتحت أمامه الطريق للتعامل مع المطربين والمطربات، وبعد نجاح الأغنية، أسند منتجو السينما إليه تلحين العديد من الأغاني والاستعراضات ضمن السياق الدرامي للأفلام.

ويُعد منير مراد من رواد الموسيقى الراقصة والاستعراضية في مصر، فقد وضع الموسيقى للكثير من الرقصات والاستعراضات الشهيرة، وكانت تؤديها تحية كاريوكا وسامية جمال ونعيمة عاكف، وارتبط صوت شادية بألحانه، وقام على مدى سنوات بتلحين عدة أغانٍ لها، أصبحت من كلاسيكيات الأغاني الرومانسية في مصر، إضافة إلى الأغاني التي لحّنها لها «دويتو» مع العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، وأشهرها أغنية «حاجة غريبة».

وحلّق مراد خارج السرب، وقدّم ألحانًا أخرى لعدد من الأصوات الواعدة في مصر والبلدان العربية، وأعاد اكتشاف مواهب المطربات والمطربين المشاهير من خلال أسلوبه المتميز في التلحين، والتناغم بين المقامات الموسيقية والإيقاع العصري المتدفق، وانضم إلى قافلة كبار الملحنين المصريين في القرن الماضي.

شركة اسطوانات تبيع أول ألحانه لتحية كاريوكا وفريد الأطرش

عائلة فنية

وُلِد موريس زكي إبراهيم مراد مردخاي، المعروف بـ «منير مراد»، في 13 يناير 1924 بالقاهرة، لأسرة يهودية تعمل في مجال الفن، فوالده الملحن زكي مراد حقق شهرة كبيرة في أوائل القرن الماضي، ووالدته جميلة روشو، يهودية مصرية وابنة متعهد الحفلات إبراهيم روشو، وله 3 شقيقات، أشهرهن المطربة ليلى مراد، وسميحة وملك اللتان هاجرتا إلى الولايات المتحدة، إلى جانب شقيقيه مراد الذي هاجر إلى فرنسا، وإبراهيم، الذي أنشأ شركة الكواكب للإنتاج الفني.

وشبّ الفتى في فضاء الفن، وكانت شقيقته ليلى قد بدأت بالغناء بالإذاعة المصرية في أول ظهورها، وفي عام 1939 قطع منير دراسته في الكلية الفرنسية، وامتهن بعض الأعمال البسيطة، إلى أن دخل مجال السينما، كعامل كلاكيت، ثم بدأ في العمل مساعد مخرج مع كمال سليم وغيره من المخرجين في فترة الأربعينيات ولمدة 15 عامًا.

وعلى مدى 10 سنوات، توطدت علاقته بالوسط السينمائي، وتراكمت خبراته من خلال وجوده في استديوهات التصوير، لكن شغفه بالموسيقى ظل يخايله طوال الوقت، وجرفه بعيدًا عن خوض تجربة الإخراج، وبين حين وآخر يمارس هوايته في كتابة الشعر والتلحين، وينتظر الفرصة المناسبة للإعلان عن موهبته، وتحقيق أحلامه في عالم الغناء.

الفنان الشاب يلتقي محمود المليجي في «موعد مع إبليس»

كلمة السر

سرت الموسيقى في وجدان مراد، وتعلّمها على يد أساتذة أجانب، بجانب تعلّمه العزف بمفرده على بعض الآلات الموسيقية، مثل العود والقانون، وكانت تُقام بروفات حفلات شقيقته المطربة ليلى مراد في منزل الأسرة، وسمحت له بالحضور أثناء البروفة، وفي لقاء إذاعي مع الإعلامي الراحل طاهر أبوزيد، قال إنه بدأ حياته الفنية «كلاكيت» في السينما، لكنّ حبه للتمثيل والغناء والتقليد ساقه وراء حلمه، وتعلّم الكثير من المخرجين أثناء فترة عمله مساعد مخرج، فبدأ المحيطون به يكتشفون مواهبه الكثيرة، وتوفّرت له فرص كثيرة لتحقيق طموحاته الفنية.

وكانت الفنانة تحية كاريوكا كلمة السر في دخول مراد مجال التلحين، وفق ما أكده بنفسه في لقاء إذاعي قديم، حيث قال: «دخولي مجال التلحين تم من خلال فنانة كبيرة، وهي تحية كاريوكا التي أتاحت لي التلحين في فيلم لها، ولحنت لها أغنية (ما قال لي وقُلت له)، لكن المفارقة العجيبة أن شركة الإنتاج باعت الأغنية لكاريوكا وللفنان فريد الأطرش، بعد أن قمت بتلحينها، لكنّ الأغنية اشتهرت ونُسِب تلحينها إلى فريد الأطرش، لأن اسمي لم يكن معروفًا وقتها».

ليلى مراد تسمح لشقيقها بحضور بروفاتها في المنزل

«نهارك سعيد»

وبدت طموحات مراد بلا ضفاف، وكان يتميز بحضور لافت وخفّة ظل، وموهبة تقليد الممثلين والمطربين، وكان من الصعب أن يحصل على فرصة سينمائية في وجود عدد كبير من نجوم الغناء على الشاشة الفضية، مثل محمد عبدالوهاب، وكارم محمود، ومحمد فوزي، وعبدالغني السيد، وعبدالعزيز محمود.

وغامر المخرج كامل التلمساني بإسناد دور البطولة للفنان الشاب أمام المطربة شادية في فيلم «أنا وحبيبي» (1953)، ومجموعة من نجوم التمثيل، منهم عبدالسلام النابلسي، وسناء جميل، وتوفيق الدقن، وزينات صدقي، وقدّم مراد في هذا الشريط السينمائي بعض الألحان والاسكتشات الغنائية، وحقّق الفيلم نجاحًا كبيرًا في دور العرض السينمائية.

وتدور قصة «أنا وحبيبي» في إطار درامي غنائي حول شاب يُدعى منير (منير مراد)، تصادفه صعوبات كثيرة في بداية حياته الفنية، ويتعرّف على مطربة مشهورة (شادية) تبادله مشاعر الحب، وتلحقه بالعمل معها في الملهى الذي تغني فيه، ويتدخل مدير الملهى لإفساد هذه العلاقة، لأنه يطمع في الزواج منها، وأيضًا تعارض خالتها علاقتهما، وتتوالى الأحداث.

وبعد 3 سنوات، قام مراد ببطولة فيلمه الثاني «نهارك سعيد»، إخراج فطين عبدالوهاب، وشاركه البطولة المطربة سعاد مكاوي، وميمي شكيب، وسراج منير، وشفيق نورالدين، ورياض القصبجي، وعُرِض الفيلم في دور السينما يوم 2 يناير 1956، وحقق إيرادات عالية.

ودارت قصة «نهارك سعيد» في نفس أجواء فيلم «أنا وحبيبي» حول شاب ثري يرى فى نفسه موهبة الموسيقى، ويريد أن يسير في طريق الفن، إلا أن والده صاحب المصانع، يرفض أن يكون ابنه موسيقيًا، ويطرده من منزله، ويعلن الأب الثري عن مسابقة لاسم مُنتَج يقوم بتصنيعه، ويتقدم ابنه باسم يوافق عليه والده، ويفوز بالجائزة المالية، ويحقق حلمه بتأسيس مسرحه الخاص، ويصل إلى الشهرة من خلال استعراضاته الغنائية.

المخرج كمال التلمساني يمنحه دور البطولة في «أنا وحبيبي»

وفي العام ذاته، لعب دورًا صغيرًا في «موعد مع إبليس» للمخرج كامل التلمساني، بطولة زكي رستم، ومحمود المليجي، وعبدالمنعم إبراهيم، ووداد حمدي، وتدور أحداث الفيلم في أجواء من الفنتازيا، حول طبيب يعيش في مدينة القاهرة، ويعاني قلة اﻹيراد لعيادته الخاصة، وذات يوم يقابل رجلًا يُدعى نبيل، ويكتشف أنه الشيطان، ويعقد معه صفقة ليساعده من خلالها في معرفة الأمراض التي يعانيها مرضاه، وعلى إثر ذلك، ينال الطبيب شهرة واسعة ويحقق ثراء سريعًا، ويصبح من وجهاء المجتمع، لكن حياته تنقلب رأسًا على عقب.

وتوقفت مسيرة منير مراد السينمائية على مدى 9 سنوات، حتى طلب منه صديقه المخرج حسن الصيفي، أن يقدم استعراضًا في فيلمه «بنت الحتة» عام 1964، بطولة شكري سرحان، وزهرة العلا، وأحمد رمزي، وشهد الفيلم آخر ظهور لمراد على الشاشة البيضاء، ولاحقًا أسهم مراد بألحانه في أفلام أخرى.

ورغم موهبته الطاغية في التمثيل والأداء الاستعراضي، فقد تفرّغ مراد للتلحين، وكان مقلًا في ظهوره الإعلامي، باستثناء بعض الحوارات الإذاعية، ومشاركة في عدد محدود من الحفلات الغنائية، بجانب تقديم اسكتشات غنائية، ليضفي قدرًا من البهجة بتقليده الفنانين، ومنها اسكتش «لا مش أنا اللي أبكي»، حيث قدّم الأغنية الشهيرة للموسيقار محمد عبدالوهاب بأسلوب ملحنين آخرين، منهم رياض السنباطي وفريد الأطرش وكمال الطويل.

وفي أحد لقاءاته الإذاعية، روى مراد حكاية طريفة مع الموسيقار محمد عبدالوهاب، وذلك بعد نجاح أغنية كوكب الشرق أم كلثوم «أنت عمري»، وأدى مراد الأغنية على العود في جلسة خاصة جمعته بموسيقار الأجيال، وانبهر الأخير بأسلوب أدائه المغاير للحن الكوبليه الأول، لا سيما أنهما من مدرسة واحدة في التلحين العصري، وكانت لديهما طموحات كبيرة في تطوير الغناء الشرقي.

«بنت الحتة» يشهد ظهوره السينمائي الأخير مع شكري سرحان

تاريخ ميلاده يثير أزمة

أثار تاريخ ميلاد الموسيقار منير مراد أزمة في كواليس مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي، وأُجّلَ تكريم اسمه بمناسبة ذكراه المئوية، لحين التأكد من التاريخ الحقيقي لمولده، بعد تضارب البيانات حول يوم وشهر ميلاده الصحيحين، إضافة إلى خلاف آخر بشأن سنة مولده المدونة خطأ على عدد من المواقع الإلكترونية.

وقبل سنوات، حسم الموسيقار الراحل عام ميلاده، وذلك في لقاء إذاعي سابق، حين قال مازحًا: «أنا مواليد عام 1942»، مطالبًا بعكس الرقم ليصبح تاريخ مولده 1924، دون الإشارة إلى يوم وشهر مولده.


زكي مراد زكي مراد

ابن الموسيقار الكبير يسرق لحن والده

اعترف منير مراد بسرقته أحد ألحان والده الموسيقار الكبير زكي مراد، والأغرب من ذلك أنه أعلن عدم شعوره بالندم إطلاقاً تجاه إقدامه على هذا الأمر. وفي حوار صحافي أجري معه عام 1961، سُئل: هل اقتبس من ألحان والده يومًا ما؟ وجاءت إجابته بأنه قام بذلك بالفعل، وفي سؤال عمّا إذا كان قد شعر بتأنيب الضمير تجاه ذلك، وكان رده مضحكًا بقوله إنه لم يشعر بذلك، لأن اللحن سقط ولم ينجح!

وذكر مراد أنه بعد سقوط اللحن الذي قفز عليه، ذهب إلى قبر أبيه بصحبة باقة من الزهور ووضعها على قبره، وطلب منه أن يسامحه على ما فعله: «أخبرته أنني لن أسرق ألحانه مرة أخرى».

صانع البهجة يرى نفسه «مجنوناً»

تفرّد منير مراد بمواهبه الفنية المتعددة، وجمع بين الغناء والتمثيل والتلحين والتقليد والإخراج والإنتاج، وأدى شغفه بالفن وحبه للموسيقى إلى شهرته، فوضع بصمته وخفة ظله على كل عمل قدّمه، وظلت هناك جوانب خافية في شخصية صانع البهجة، والقادر على خطف قلوب الجمهور بابتسامة يرسمها على الشفاه وعذوبة صوته وخفة استعراضاته واحترافيته في تقليد الأشخاص والأصوات.

وعن الجوانب الخافية في حياته، روى مراد في لقاء إذاعي سابق، أنه وُلد أمام باب مسجد بمنطقة العباسية بالقاهرة: «أمي ولدتني على باب مسجد في منطقة العباسية بالقاهرة، ولذلك أنا أتنبأ بأشياء كثيرة، لدرجة أنني أرى نفسي مجنوناً، ثم سافرت للإسكندرية، وتربيت على يد جدتي، وكانت تحبني جدا، ثم بدأت أحب الفن من خلال والدي وأسرتي، فعائلة مراد فنية وتعمل بالغناء منذ 150 عامًا، والدتي صوتها جميل، والأسرة كلها امتلكت صوتًا بديعًا، منهم شقيقي في فرنسا وشقيقتي ملك، وهي مطربة كبيرة، وعاشت في أميركا بعد زواجها من رجل مغربي، فصوتها أفضل منّي 10 مرات، وشقيقتي ليلى مراد، وعمّتي وكل أفراد أسرتي».

كُنا قد تحدثنا في خبر منير مراد... موسيقار الأغنية العصرية (1 - 2) - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.

جميلة الهادي
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق