رياح وأوتاد: شلون تشربون ماي الشط من غير ما تفورونه؟ - غاية التعليمية

0 تعليق ارسل طباعة

رياح وأوتاد: شلون تشربون ماي الشط من غير ما تفورونه؟ - غاية التعليمية

غاية التعليمية يكتُب.. في مثل يوم أمس 22 فبراير عام 1991 كنت متوجهاً لصلاة الجمعة، فقبض عليّ جنود الاحتلال، وبعد قضاء ليلتين في سجن الفردوس تم ترحيل الأسرى إلى سجون مختلفة، وكان نصيبي سجن بوصخير القريب من البصرة، فانطلقت بنا الباصات أثناء القصف الجوي، وكانت القذائف تسقط قريبة من طريقنا، وكان معنا الإخوة عبدالله الرومي وسعود المحيسن ومحمود الغانم، وأيضاً فيصل المرزوق وخالد الصالح السعيد، رحمهما الله، وغيرهم، وكانت هذه المجموعة بمنزلة القيادة والمرجع لجميع الأسرى الذين يبلغ عددهم حوالي 1300 أسير كويتي.

اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.

وكانت أيام الأسر قاسية جداً من غير أكل أو شرب إلا نادراً، وكان الجو شديد البرد مساء، وكنا ننام على الأرض بلا فرش ولا أغطية، وكان بعض الإخوة يجمع ماء المطر بعبوات مقطوعة من البلاستيك ويمدونها من خلال قضبان الزنزانات ثم نتقاسمه رغم لونه الأسود، وقام حراس السجن بأخذ بعض الأسرى الذين أسروهم من محطات الإطفاء لجلب ماء الشط للشرب، ولكن كان الجميع يصاب بالإسهال المصحوب بالدم بعد شربه بساعات.

وكان بعض الأسرى مرضى، فطلبنا من آمر السجن علاجهم، فقال من منكم دكتور؟ فقلت لا يوجد طبيب، ولكن أنا دكتور صيدلي، فأخذني إلى عيادة السجن التي لم يكن فيها إلا بعض الأدوية البسيطة، وقال عالج ربعك.

وكانت حالة بعض الأسرى خطيرة نتيجة لأمراض مزمنة مختلفة، فطلبت من آمر السجن نقلهم إلى مستشفى البصرة، فأخذ يسب ويلعن ويشير إلى أصوات المدافع، ويقول ألا تسمع ما يجري في البصرة؟

وبعد أن هدأت المدافع ركبنا سيارة إسعاف مع عدد من المرضى واثنين من الحراس والسائق المسلح، ولكن لم ننجح في الوصول إلى المستشفى بسبب الطين المتراكم على الطرق وزحمة الدبابات وإطلاق الرصاص بين الحين والآخر، وأعدنا الكرة في اليوم التالي، ووصلنا بعد عناء وعذاب، ونقلنا المرضى إلى العناية المركزة، ورحت أطوف وحدي في أروقة المستشفى متخطياً الجثث الملقاة على الأرض، حتى دخلت على مدير المستشفى في حالة رثة ودشداشة لا يكاد لونها الأصلي يبين من الطين والتراب، وكان ضابطاً كبيراً محاطاً بمجموعة من الضباط، فقال مستغرباً: من أنت؟ فقلت أنا أسير كويتي ومعي مرضى كويتيون في سيارة الإسعاف ورسالة من آمر السجن، وبعد أن قرأها قال: «شلون تشربون ماي الشط من غير ما تفورونه؟»، قلت له لم نشرب الماء منذ أسبوعين غير هذا الماء الملوث الذي تسبب في إسهال ودم، وبسرعة اتصل بالصيدلية وأمر بإحضار كمية من الأدوية وحبوب الأكسجين لتطهير المياه، وقال «شلون يعاملوكم هيچي، أنا قبل سنوات أخذت أخي المصاب بالسرطان إلى الكويت وأعطونا أدوية بقيمة 17 ألف دينار»، ثم صب لي بعض الماء في كأس موجودة أمامه على الطاولة، إلا أنني لم أستطع شربه لأنه مالح، فضحك وقام بقطع أنبوب مغذي (drip) موجود على الطاولة، وقال لي اشرب فشربتها على الفور، وكانت أحلى ما شربت في حياتي، فقال تريد واحدة أخرى؟ فقلت نعم، وتظاهرت بشربها وطويت الأنبوب ووضعته في جيبي، ثم أخذت الأدوية والمغذي والمرضى وقفلنا عائدين مع الحراس في سيارة الإسعاف، في رحلة مخيفة إلى السجن، حيث تقاسمنا المغذي مع بعض الإخوة.

وبعد أيام تم الإفراج عنا وعدنا إلى الكويت بعد هذه المحنة التي ظننا في أثنائها أننا لن نرى وطننا وأبناءنا.

هذه مشاهد قليلة من أيام فقدنا فيها الحرية، ولولا فضل الله ورحمته لفقدناها إلى الأبد.

كُنا قد تحدثنا في خبر رياح وأوتاد: شلون تشربون ماي الشط من غير ما تفورونه؟ - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.

جميلة الهادي
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق