رحيل الإعلامية هدى شديد... الأحلام العنيدة تتكسَّر - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. «لقد سلّمته نفسي ولتكُن مشيئته»، هذه العبارة آخر ما ردّدته الإعلامية اللبنانية هدى شديد. رحيلها عن نحو 59 عاماً، في يوم عيد الأم، لم يأتِ مصادفة. يقول أصدقاؤها إنها كانت الأم بحنانها وتعاملها مع الجميع؛ ومنزلها في منطقة التحويطة ببيروت كان بمثابة دار راحة، يقصده الزملاء ليتزوّدوا بالسلام، مُفرغين عند صاحبته الهموم والتعب والمشكلات.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
بقيت هدى تصارع المرض حتى الرمق الأخير. كانت تقول عن نفسها: «أنا مقاتلة روحانية له». مهووسة بإخفاء حزنها ودموعها تحت إطلالة مُشرقة دائماً. الغد بالنسبة إليها ظلَّ غير موجود على روزنامة حياتها.
أمضت لحظاتها الأخيرة مُدركةً أنها تودِّع الحياة. يقول طبيبها ناجي الصغير: «بقيت حتى نَفَسها الأخير في وعيها الكامل. كانت متمسّكة بالأمل رغم كل شيء. عانت كثيراً، وكانت أوجاعها المؤلمة تتأتى من انتشار مرض السرطان في الكبد. كنا نخفّفها بحقن المورفين حتى الرمق الأخير. وبين الحقنة والأخرى، كانت تمازحنا وتضحك. وهو أمر نادر جداً لم أصادفه من قبل لدى مرضى هذا الخبيث».

أغمضت عينيها وحولها يرفرف الحبّ الذي زرعته أينما حلّت. كانت تنثره بجرعات كبيرة على كل مَن يعرفها، وهي تردّد دائماً: «بالحبّ وحده يُشفى الإنسان»، فقدمّته على طبق من فضّة إلى الجميع من دون استثناء.
كثّفت هدى شديد إطلالاتها الإعلامية قبل رحيلها، كأنها كانت ترغب في أن تروي عطشها للشاشة حتى الرمق الأخير. ومع إعلاميين أمثال ريكاردو كرم ونايلة تويني، قالت كل شيء ومشت.
عملت الراحلة في الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع. دخلت إذاعة «صوت لبنان» عام 1997، ومارست عملها الإذاعي لـ11 سنة متتالية. وعام 2000، انتمت إلى الصرح الإعلامي الذي حلمت بدخوله منذ الصغر وهو جريدة «النهار». أما عملها في تلفزيون «المؤسسة اللبنانية للإرسال» (إل بي سي آي)، فاستمرّت فيه حتى النهاية؛ منذ عام 2007 حتى اليوم.
حقَّقت أكثر من سبق صحافي في مشوارها، وكان اسمها يرتبط مباشرة بالأخبار الإيجابية عن البلد. فكانت تتمسّك بأن تكون أول مَن يُعلنها، وآخرها كان انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزيف عون، فتزامن الخبر مع تقديمها برنامجها الحواري «نهاركم سعيد».

بقيت هدى شديد تتصدَّر المشهد في نشرات الأخبار مراسلةً للقصر الجمهوري على مدى 30 عاماً. فكرّمها رئيس الجمهورية في حفل أقامه لها فيه، وتوجّه إليها قائلاً: «أنحني أمام قوّتك يا هدى، وما تعيشينه وتمرِّين به بكلّ إيمان ورجاء. لا يمكن لأيّ كلام، أو شهادة، أو تكريم، أن يسمو إلى اختبار أوجاعك بصبر المؤمنين. تقديري لكِ بلا حدود».
يومها، ألقت كلمة مما جاء فيها: «فرحتي اليوم عارمة، وكنت أمضيتُ أكثر من أسبوع أجاهد من أجل أن تكون روحي في هذا التكريم أقوى من مرضي الجسدي. كما رغبتُ بشدّة في أن أحضُر وأنا واقفة على رجلَيّ بدلاً من أن أكون على الكرسي المتحرّك الذي رافقني مؤخراً. وأرغب في استئذانك، فخامة الرئيس، لأقدّم هذه الدرع التكريمية إلى الشيخ بيار الضاهر وأسرة (المؤسّسة اللبنانية للإرسال) التي بقيتُ أحتفل فيها بالحياة».
أما رئيس مجلس إدارة «إل بي سي آي»، بيار الضاهر، فتوَّجها في تلك اللحظة بلقب «هدى الاستثنائية»، ليُشكّل العنوان الذي تصدَّر شاشة المحطة فور رحيلها.

أصدرت هدى شديد كتابها «ليس بالدواء وحده» إثر رحلتها الأولى مع المرض وشفائها منه منذ عام 2013 حتى 2015. فروت فيه يومياتها معه ومصارعتها له. وفي أحد أحاديثها الإعلامية، علّقت: «اعتقدتُ بأنّ هذه المرحلة أصبحت ورائي. لكنه عاد إليَّ من جديد قبل سنتين. كنت أدركُ أنه يعيش معي تحت وسادتي. وقد يُفاجئني في أي لحظة ويقتحم جسدي».
وتروي في «بودكاست مع نايلة» أنها حملت الكآبة معها منذ صغرها. وهي في سنواتها الـ6، اضطرت عائلتها لإرسالها إلى ميتم: «الأمر شكّل (تروما) لم أتخلّص منها حتى إصابتي بالمرض للمرة الأولى. أستوعبُ تماماً سبب وضع أهلي لي هناك. كانوا يعيشون مرحلة التهجير بسبب الحرب، ورغبوا في أن أكون بعيدة عن حالتَي اللااستقرار والقلق. عتبتُ يومها على أمي لأنها تخلَّت عني. ولم أتصالح معها ومع الفكرة إلا عندما هاجم المرض جسدي. اليوم، وبعد رحيلها، صرتُ أشعر بقربها مني أكثر. فهي ملاكي الحارس في السماء».
تزوَّجت هدى شديد من زياد سعادة في سنّ الـ21، ولم يدُم زواجها منه سوى 5 أشهر لرحيله إثر معاناته السرطان: «كنتُ أعتقد أني أخذتُ حصتي من هذا المرض، وأنه لن يقترب مني لأني ذقتُ أوجاعه مع زوجي الراحل وعشت أحاسيسه».
وعن ماضيها، كانت تقول: «لا أحبّ تذكُّره لأنه ضجَّ بالكآبة. كنتُ فتاة القرية التي تطمح وتتمنّى، ولكن معظم أحلامها تكسَّرت. لم أستسلم يوماً، وعندما أقع، كنت أستجمع قوّتي لأقف من جديد».
كانت كتاباً مفتوحاً يستطيع أي شخص قراءة شفافيتها وصدقها. عاكستها الحياة كثيراً، لكنها لم تتخلَّ يوماً عن الأمل. تعلّقت به وبقيت حتى اللحظة الأخيرة تبحث وتقرأ عن علاجات للمرض العضال. تحمَّلت المتاعب والمصاعب بصلابة. وعندما فقدت شَعر رأسها لم تتوانَ عن الظهور على الشاشة مرتديةً «إيشارب» لتُخفي رأسها الأصلع. كما تصوَّرت حليقةً ونشرت الصورة عبر وسائل التواصل، مُرفقةً بعبارة: «أخيراً واجهت خوفي... إنها الحرية الحقيقية».
أما الحقيقة الوحيدة التي كانت تعترف بوجودها في الحياة، فهي الموت: «إنه الذي يتّفق عليه الجميع مهما اختلفت أديانهم وانتماءاتهم».
وبعدما انتشر خبر وفاتها مساء 21 مارس (آذار) الحالي، تصدَّر اسمها وسائل التواصل، وأصبحت «الترند» إذ انهمرت كلمات التعزية بها. وكتب رئيس الحكومة نواف سلام يرثيها: «هدى شديد. بعزم لا يلين، وصلابة إيمانها، بصوتها وقلمها ورسالتها تودّعنا اليوم»، مضيفاً: «صبرت على الوجع. غالبت المرض. صرعته مراراً قبل أن يصرعها».
أما زميلتها وصديقتها المقرَّبة جويس عقيقي، فودّعتها تقول عبر منصة «إكس»: «رح تضلّك شقفة من قلبي تتخلص الدني. بحبّك يا هدى القلب وإلى اللقاء يوماً ما».
بدورها، نعتها «إل بي سي آي» في بيان رسمي، واصفة هدى بـ«نبض المؤسّسة في روحها». ومما جاء فيه: «لقد واكبت المؤسّسة على مدى 20 عاماً في ظروف يُقال عنها، أقلّ ما يُقال، إنها صعبة ومحفوفة بالمخاطر. وكانت هدى دائماً في الخطّ الأمامي، لا تأبه بخطر أو تهديد، حتى ولو كاد أن يودي بحياتها. خسرت المؤسّسة هدى، لكن الخسارة الأكبر هي للوطن الذي أحبّته حتى الرمق الأخير، وللمهنة التي كانت الرئة التي تتنفّس منها. نودّع هدى، ونودع معها جزءاً منا».
تُقام الصلاة لراحة نفسها في الأولى بعد ظهر الأحد، 23 الحالي، في كنيسة مار جرجس بوسط بيروت. ثم ينقل جثمانها إلى مسقطها كفريا في زغرتا الشمالية.
كُنا قد تحدثنا في خبر رحيل الإعلامية هدى شديد... الأحلام العنيدة تتكسَّر - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
0 تعليق