"الشعب الصحراوي" .. اختراع فرانكو يغري اليسار الراديكالي الإسباني - غاية التعليمية

0 تعليق ارسل طباعة

"الشعب الصحراوي" .. اختراع فرانكو يغري اليسار الراديكالي الإسباني - غاية التعليمية

غاية التعليمية يكتُب.. ما هو أصل مصطلح “الشعب الصحراوي”؟ هل يعكس واقعا سوسيولوجيا وتاريخيا حقيقيا وفعليا أم فقط هو عبارة عن إسقاطات فانتازية تستغل الخطاب التحرري للفترة ما بعد الكولونبالية من أجل تحقيق مآرب جيو-استراتيجية معينة؟ هل يمكن اعتبار القبائل البدوية التي كانت قبل فترة الاستعمار الإسباني وخلالها تمارس رعي الإبل والأنشطة الترحالية الموسمية أو المستمرة “شعبا” بالمعنى الجرماني لـ”فولك” الذي أسّس له الرومانسيون الألمان مثل هيردر وفيشته وتبنته الحركات القومية واليسارية والتحررية فيما بعد ذلك؟

اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.

أي استقصاء لخبايا الأرشيف الإسباني في أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي يكشف كيف أن حكومة فرانكو صنعت مفهوم “الشعب الصحراوي” من ألفه إلى يائه عبر استراتيجيات مختلفة، وهو موثق بدقة في كتاب رحال بوبريك “مسألة الصحراء: جذور صناعة استعمارية 1844- 1975” (2024).

اختراع استعماري: كيف صنع فرانكو مقولة “الشعب الصحراوي”

“الشعب الصحراوي” هو صناعة استعمارية محضة، تبنتها لاحقا جبهة البوليساريو والجزائر، ويُعاد تدويرها اليوم من قبل اليسار الأوروبي، خاصة اليسار الراديكالي في إسبانيا. أن يتبنى اليسار الراديكالي اليوم ما خطط له فرانكو وحاشيته يُعد من مفارقات التاريخ الساخرة فيما يخص إنهاء الاستعمار المتعلق بالصحراء الغربية.

في الستينات من القرن الماضي، نجح المغرب في طرح مسألة الصحراء الغربية على الساحة الدولية وعلى مستوى الأمم المتحدة، واستطاع أن يحصد دعما دبلوماسيا متزايدا من خلال مطالبته باسترجاع الإقليم إلى حظيرة الوطن الأم؛ قامت الحكومة الإسبانية، بتوجيه من الجنرال فرانكو، بتعبئة مجموعة من الأنثروبولوجيين والمؤرخين والمسؤولين العسكريين لبناء هوية صحراوية تُميِّز أهلَ الجنوب عن بقية الشعب المغربي. وكان الهدف الأساس من هذه الجهود هو بناء فكرة “شعب صحراوي” منفصل عن الأمة المغربية، كاستراتيجية استعمارية لتقويض المطالب المشروعة للمغرب والحفاظ على النفوذ الإسباني في المنطقة.

أظهر رحال بوبريك بالتفصيل كيف تم بناء مفهوم “الشعب الصحراوي” كمناورة لإبقاء الصحراء الغربية تحت الهيمنة الاستعمارية الإسبانية، أو على الأقل في حالة تبعية تامة. لن أخوض في تلك التفاصيل التي تناولها الأستاذ بوبريك بإتقان ومنهجية علمية دقيقة؛ بدلا من ذلك، أود التركيز على فعل البناء نفسه وعلى السذاجة الفكرية والسياسية لليسار الراديكالي الإسباني في تبني مفهوم استعماري من حقبة فرانكو في خطابه الحالي حول الصحراء الغربية.

دور “أفريكا: مجلة القوات الكولونيالية”

لغرض بناء مفهوم “الشعب الصحراوي”، لجأ فرانكو ومسؤولوه الاستعماريون إلى “أفريكا: مجلة القوات الكولونيالية”. وهي مجلة تم تأسيسها في عام 1924 من قِبلِ غونزالو كويبو دي لانو، وهو ضابط عسكري مساند للاستعمار الإسباني في إفريقيا (خصوصا في المغرب). كان هدف المجلة هو تبرير وجود إسبانيا في كل من شمال وجنوب المغرب، مؤكدة على ما يسمى بالمهمة التحضيرية لإسبانيا. حتى إن فرانسيسكو فرانكو نفسه ساهم بمقالات في المجلة قبل أن يصبح الحاكم المطلق لإسبانيا في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي. شخصية رئيسية أخرى مرتبطة بالسياسة الاستعمارية الإسبانية، توماس غارسيا فيغويراس-الذي كتب العديد من الكتب والنشرات الاستعمارية والاستشراقية حول المغرب-كان أيضا من بين المساهمين. عكست المجلة الأيديولوجيات القومية والعسكرية والاستعمارية لليمين القومي وكانت كلها تهدف إلى تعزيز العظمة الإمبراطورية لإسبانيا وتأثيرها المفترض فيه أن يكون مفيدا لمستعمراتها.

في عام 1967، تم توظيف المجلة للمساعدة في تصنيع هوية “الشعب الصحراوي” المميزة. فقامت بنشر مقالات تصف سكان الصحراء الغربية (والتي كإقليم وكمنطقة قائمة بذاتها تمت صناعتها كذلك من طرف القوى الاستعمارية كما بيَّن ذلك بوبريك في كتابه المذكور أعلاه) على أنهم شعب له ثقافته الخاصة به ومؤسساته وسماته السوسيولوجية الخاصة.

تناقضات الحكي الكولونيالي

ومع ذلك، كان التناقض واضحا في عملية البناء هذه: إذ إن هذه السردية تتعارض مع التبرير الاستعماري الذي تبنته إسبانيا لمدة طويلة، ألا وهو الحاجة المزعومة لتحضير السكان “غير المتعلمين” و”المتخلفين”. أراد مسؤولو فرانكو الاستعماريون الحصول على الزبدة وثمن الزبدة في
الوقت ذاته: فقد صوروا السكان الأصليين على أنهم متخلفون وبحاجة إلى الحضارة الإسبانية، وفي الوقت نفسه حاولوا الدفع بسردية تصنّفهم على أنهم شعب مميَّزٌ له تاريخه ومؤسساته الخاصة به.

تناقض آخر يظهر جليا عندما يتم تطبيق هذا التميز المصطنع من خلال الجمعية العامة للصحراء (الجماعة وهي هيئة استشارية للصحراويين). بدلا من استخدام إطار قومي ووطني يُقَرِّب الصحراويين من مفهوم الشعب، ظل المنطق الغالب هو المنطق القَبَلي. هكذا تمت هيكلة “الشعب” على النحو التالي: هناك الأسرة، ثم “العرش” (مجموعة من الأسر)، تليها “الفخذة” (مجموعة من العروش)، وأخيرا القبيلة، التي تتكون من عدة فخذات. المثير في هذا الأمر، هو أن الإثنوغرافيين الاستعماريين الإسبان المساهمين في “أفريكا: مجلة القوات الكولونيالية” لم يكلفوا أنفسهم عناء شرح متى أو كيف سيتحول هذا الهيكل القَبَلي إلى شعب قائم بذاته. المنطق قبَلي صرف والطموح هو إخراج شعب قائم بذاته إلى الوجود، ولو بطريقة قيصرية، وعلى الأقل على المستوى الخطابي.

الحقائق التاريخية: لماذا لا يوجد شعب صحراوي على أرض الواقع السوسيولوجي للصحراء الغربية؟

الواقع هو أن الهياكل القبَلية في الصحراء لم تؤدِ أبدا إلى خلق أساطير مشتركة أو فلكلور مؤسِّس أو مؤسسات أو ملاحم تاريخية كافية لتشكيل هوية وطنية مميزة. عندما حشدت عشيرة الشيخ ماء العينين القبائل الصحراوية في بداية القرن العشرين لمقاومة الاستعمار الفرنسي والإسباني للمغرب، فإنهم فعلوا ذلك ليس باسم شعب صحراوي منفصل، ولكن باسم الشعب المغربي، الذي كانوا يفتخرون
بالانتماء إليه منذ قرون خلت.

بالإضافة إلى التناقضات المشار إليها أعلاه، لم تُسْعِف لا الجغرافيا ولا البيئة ولا النسيج السوسيولوجي في ظهور شعب صحراوي له مقومات الشعب كما هي متعارف عليها عبر التاريخ. دعونا نتعمق في تاريخ الاستيطان البشري للإقليم ونشاطه الاقتصادي لفهم سبب عدم حدوث ذلك.

البيئة القاسية للصحراء الغربية والاقتصاد البدوي

تُعَدُّ الظروف البيئية القاسية في الصحراء الغربية-الجفاف الشديد، وشُحُّ الأمطار والتقلبات الحادة في درجات الحرارة والعواصف الرملية المتكررة-عوامل حالت دون تطور حواضر وساكنة مستقرة أو دولة قومية موحدة. ندرة الموارد المائية، مع وجود عدد قليل من الآبار ونهر موسمي واحد، ألا وهو وادي الساقية الحمراء، الذي يظل جافا معظم العام، لم تساعد على نمو مستوطنات قارة. كما أن الغطاء النباتي محدود، مما يجعل الاستقرار الدائم غير مستدام. بدلا من ذلك، كانت البداوة الرعوية هي النمط السائد للحياة، حيث تنتقل القبائل موسميا أو بشكل مستمر بحثا عن الماء والمراعي، خصوصا على مستوى واد نون وسوس ودرعة. هذا الاعتماد الهيكلي على التنقل جعل من المستحيل على المنطقة تطوير اقتصاد متميز مكتفٍ ذاتيا أو كيان سياسي مركزي.

الاندماج العميق للصحراء الغربية مع المغرب

تاريخيا، لم تكن الصحراء الغربية وحدة جيو-سياسية معزولة، بل كانت منطقة مندمجة بعمق مع المغرب. اعتمدت قبائلها على التجارة والتبادل مع سوس ودرعة والأطلس الصغير، مما عزز روابطها الاقتصادية والسياسية مع المغرب. أدى إدخال الجمل في القرن الثالث الميلادي إلى ثورة في تجارة الصحراء الكبرى، وربط المنطقة بمراكز تجارية رئيسية مثل تومبكتو وغاو وجينيه. على مدى قرون، سكنتها وحكمتها اتحادات قبلية بدوية مختلفة، بدءا من صنهاجة الأمازيغ، تلاها وصول قبائل المعقل العربية في القرن الثالث عشر، مما أدى إلى التعريب اللغوي والثقافي للمنطقة. ومع ذلك، ظلت هذه الشعوب منظمة على أسس قبَلية، تفتقر إلى عناصر الدولة القومية الموحدة.

كانت المجموعات القبلية الرئيسية، مثل تكنة، الركيبات، وأولاد دليم، تعمل ككيانات مستقلة وغالبا متنافسة بدلا من كونها شعبا متماسكا. لم تكن ولاءاتهم لأمة صحراوية متخيلة، بل لعشائرهم وروابطهم المغربية الأوسع. سيطرت كونفدرالية تكنة على طرق التجارة عبر الصحراء المؤدية إلى واد نون ووادي درعة، مما عزز اندماجهم مع المغرب. في المقابل، اتسعت رقعة تحركات كونفدرالية الركيبات، التي كانت في الأصل ذات توجه ديني، قبل أن تصبح لاحقا مجموعة محاربة، منخرطة في صراعات على حقوق الرعي مع قبائل صحراوية أخرى. تؤكد هذه الأنماط أن الهياكل الاجتماعية والسياسية للصحراء الغربية كانت دائما مجزأة قبليا ومرتبطة بعمق بالمغرب. وبالتالي، فإن فكرة “الشعب الصحراوي” كهوية وطنية مميزة هي بناء استعماري حديث، وليست حقيقة تاريخية.

عمى اليسار الراديكالي الإسباني تجاه نضالات التحرر المغربية

لماذا يتبنى اليسار الراديكالي الإسباني بسذاجة بِناءً من حقبة فرانكو-الذي صُمِّم في الأصل لعرقلة إنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية؟ السبب الرئيس هو أنهم مصابون بعمى إيديولوجي فيما يخص حقوق الشعب المغربي وتطلعاته إلى وحدة أراضيه. لا تنبع مواقفهم من التزام حقيقي بالحقائق التاريخية أو القانون الدولي، بل من جهل عميق، وإن كان متعمدا في حقيقته، بالسردية المغربية للتحرر من الاستعمار. في حين إنهم يدعمون الثورة الجزائرية وأوهام البوليساريو بشأن الصحراء، لم يهتموا أبدا بنضالات المغاربة من أجل التحرر.

التحرر المغربي والدعم الانتقائي لليسار الإسباني المتطرف

بالنسبة لليسار الراديكالي، لا يمكن أن تكون نضالات المغاربة مشروعة إلا حين تكون مناهضة للنظام أو تستهدف الملكية نفسها. عندما يتعلم المغاربة كيف يبتعدون عن المخزن، آنذاك يصبحون جديرين بأن يدعمهم اليسار الراديكالي في إسبانيا. إنهم تلامذة نجباء للخطاب الجزائري المعادي للمخزن المغربي؛ لهذا فهم يفضلون أن يكونوا عميانا عن الحقوق التاريخية للشعب المغربي ووحدة أراضيه وفاء لهذه الأيديولوجية المتجذرة لديهم التي تم طبخها في دواليب الحركات البلانكية التي احتضنتها الجزائر منذ الستينات من القرن الماضي على أن يلتزموا بمبادئ تحرر الشعوب وحقها في صيانة وحدتها الترابية.

التبني غير النقدي للسردية الجزائرية

أحد المفاهيم الخاطئة الرئيسية التي تميز مواقفهم هو قبولهم غير المشروط بالسردية الجزائرية، التي ترفض مطالب المغرب الإقليمية باعتبارها مجرد “نزعة توسعية مخزنية” بدلا من كونها تطلعا مشروعا ومتجذرا تاريخيا لدى الشعب المغربي. هذا المنظور يمحو كليا أي دور للشعب المغربي، ويغيب صوته ويؤطر القضية فقط من خلال عدسة سلطة الدولة. وفقا لهذا الرأي، فإن ما يفعله أو يقوله المخزن (جهاز الدولة المركزي في المغرب) فقط هو المهم، بينما يتم تجاهل الأبعاد التاريخية والشعبية لمطالبة المغرب بالصحراء الغربية. يكشف هذا العمى الانتقائي ليس فقط تحيزا سياسيا صارخا ولكن عدم اهتمام أساسي بما يريده المغاربة أو يناضلون من أجله.

تناقض في تفسير اليسار الراديكالي للقانون الدولي

غالبا ما يدعي اليسار الراديكالي الإسباني أنه يدافع عن القانون الدولي، ومع ذلك، فإن موقفهم من الصحراء الغربية يتناقض مع المبادئ التي يدعون الدفاع عنها. نص قرار الأمم المتحدة 1514 (د- 15) بشأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة بوضوح على أن تقرير المصير يجب ألا يكون على حساب وحدة أراضي الدول. وهذا يعني أنه في حين يتم الاعتراف بتقرير المصير وإنهاء الاستعمار كعمليات مشروعة، يجب ألا يتم التلاعب بها لتفتيت الدول ذات السيادة. ومع ذلك، حين يتعلق بالوحدة الترابية للمغرب يصبح إيمانهم بالقانون الدولي انتقائيا.

نفاق تَبَنِّي مفهوم استعماري من حقبة فرانكو

إذا كان اليسار الراديكالي الإسباني ملتزما حقا بإنهاء الاستعمار، فمن الأجدر به الاعتراف بأن الصحراء الغربية كانت مرتبطة تاريخيا بالمغرب قبل الحكم الاستعماري الإسباني، وأن قبائل المنطقة كانت لها روابط سياسية واجتماعية واقتصادية طويلة الأمد مع السلطة المغربية. بدلا من ذلك، يستمر في الدعوة لبناء استعماري تم تطويره، بشكل مثير للسخرية، من قبل دولة فرانكو نفسها، وهو النظام الذي كانوا يدَّعون رفضه ومحاربته. إنها لمفارقة تاريخية أنهم الآن يدافعون عن خرافة جيو-سياسية من حقبة فرانكو بينما يدَّعون معارضة التوسع الاستعماري كمبدأ من مبادئ الحركة اليسارية الإسبانية.

حسابات جيو-سياسية بدلا من مواقف مبدئية

في النهاية، لا يستند موقف اليسار الراديكالي الإسباني بشأن الصحراء الغربية إلى دفاع مبدئي عن القانون الدولي أو إنهاء الاستعمار، بل إلى حسابات جيو-سياسية تهدف إلى مواجهة النفوذ المغربي. يكشف انتقاؤهم للتاريخ والقانون، وتبنيهم غير النقدي للدعاية الجزائرية، واستمرارهم في الاعتماد على خرافة استعمارية من حقبة فرانكو عن التناقضات في جوهر مواقفهم. إذا كانوا ثابتين على مبادئهم كانوا اعترفوا بأن البقايا الاستعمارية الحقيقية في الصحراء الغربية ليست في مطالبة المغرب بالمنطقة، بل في التلاعب التاريخي لإسبانيا في حقبة فرانكو بهوية الصحراويين لتبرير استمرار الحكم الاستعماري لهذه المنطقة المنتمية للمغرب تاريخيا وثقافيا واقتصاديا.

كُنا قد تحدثنا في خبر "الشعب الصحراوي" .. اختراع فرانكو يغري اليسار الراديكالي الإسباني - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.

جميلة الهادي
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق