«في مرايا السرد»... قراءات في الرواية والقصة القصيرة - غاية التعليمية

0 تعليق ارسل طباعة

«في مرايا السرد»... قراءات في الرواية والقصة القصيرة - غاية التعليمية

غاية التعليمية يكتُب.. ثمة خصوصية للنقد الأدبي التطبيقي حين يصدر عن مبدع عموماً وشاعر بشكل خاص، إذ تتحول الممارسة النقدية في تلك الحالة إلى غوص رهيف في أعماق النص بعين خبيرة وتجربة إبداعية متنوعة بعيداً عن الاختباء خلف ترسانة من المصطلحات والنظريات الأكاديمية.

اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.

تنطبق تلك الفكرة على كتاب «في مرايا السرد» الصادر عن دار «بدائل» بالقاهرة للشاعر جمال القصاص، الذي يضم مختارات من قراءاته النقدية في الرواية والقصة القصيرة لـ38 كاتباً وكاتبة ينتمون لأجيال ومدارس فنية مختلفة، منهم: إدوار الخراط، جمال الغيطاني، جميل عطية إبراهيم، إبراهيم عبد المجيد، أحمد صبري أبو الفتوح، محمد بركة، حمدي أبو الجليل، مي التلمساني، ميرال الطحاوي، وحيد الطويلة، ربيعة ريحان، يحيى مختار، حمدي الجزار، فتحي إمبابي، وأشرف الصباغ.

يشير القصاص في تقديمه لتلك القراءات النقدية إلى أنه ليس حكاءً بطبعه، فطفولته خلت من الحكي أو على الأقل كان شحيحاً ونادراً ورهن المصادفات أحياناً برغم تراثه الممتد في حواديت الأمهات والجدات ومسامراتهن الليلية الشائقة التي تفتح نوافذ للخيال في عيون الأطفال وتجعلهم يحلقون في أجوائها حتى يغلبهم النوم أو الحلم.

برغم ذلك، ها هو في هذه القراءات يتحول إلى حكاء يتلصص ببصيرة نزقة على ما يطرحه هؤلاء الكتاب في نماذج مختارة من أعمالهم الروائية والقصصية، مشيراً إلى أنه في قراءته النقدية لتلك النصوص لم ينشغل كثيراً بالموضوع أو «التيمة» فهي دائمة التكرار، وغالباً ما يكرس النقد لها بطريقة تقنية عقيمة تتعامل مع النص كأنه شيء منته وقماشة فُصلّت، على خلاف النقد المبدع الذي يرى النص ابن صيرورة خاصة مفتوحة بحيوية على شتى ملامح المعرفة الإنسانية، ومن ثم على الناقد الحق أن يتذكر دائماً أنه مبدع، لذلك كل ما كان يهمه وانشغل به أكثر هو فضاء السرد، كيفية تشكيله وتضافر مغامرة الكاتب فيه وتوسيع أنساقه ومقوماته الذاتية وضخ دماء جديدة في شرايينه تكثف من فعل القص وتكشف بتلقائية دوافع الشخوص ومعاناتها في تحمل أعباء الحياة وتناقضات واقعهم المعيش، على شتى المستويات بخاصة المستوى العاطفي المشبوب بهاجس الجسد والروح.

يستهل القصاص كتابه بالتصدي لمشروع إدوار الخراط، مشيراً إلى أن كتاباته التي بدأت بمجموعته القصصية الأولى «حيطان عالية»، 1959، تشبهه بروحها المصرية القبطية العربية وتشبهنا بفضاء حكاياتها المنسوجة من سقف أحلامنا وكوابيسنا ورغبتنا في أوطان عادلة وحرة، كما أنها تحرضنا على أن نكون نحن كما نحب ونشتهي لا كما يريد لنا الآخرون.

ويرصد القصاص انفتاح بواكير وعي جمال الغيطاني الأولى، منذ مولده في 1945 بقرية جهينة بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، على أحضان مشاهد ووقائع لا تزال شاخصة على جدران المعابد وضفاف النيل. ومع انتقال أسرته للعيش بالقاهرة في حي الجمالية ذي الطابع الشعبي القديم، وهو الحي نفسه الذي عاش فيه نجيب محفوظ وكان مسرحاً للكثير من رواياته، اتسعت مساحة وعي الغيطاني وبدأ يتلمس طرائق للجدل والحوار بين مرآة النشأة على ضفاف النيل والمعابد وبين مرآة الحي القاهري العريق.

ويرى أن أعمال جميل عطية إبراهيم تتسم بأسلوب سلس وشائق له رائحة خاصة يجمع بين براءة الحكي وخبرة الكاتب المجرّب وذلك في تلقائية شديدة العفوية، حتى يبدو كثيراً في أعماله كأنه يوجه خطابه إلى الكبار والصغار معاً. ومن الأشياء اللافتة هنا أن له كتاباً مشتركاً موجهاً إلى الأطفال بعنوان «صك المؤامرة: وعد بلفور» بالاشتراك مع الكاتب الراحل صلاح عيسى.

ويضع إبراهيم عبد المجيد في روايته «السايكلوب» مجموعة من أبطاله في اختبار فارق بين حياة عاشوها روائياً حتى الموت، وبين موت ينهضون منه كأنه ظل لحياة أخرى يعيدون اكتشافها من جديد. ولا تخلو الرواية من روح الفكاهة والمرح، فسيكولوجية الكتابة لديه مرحة في جوهرها.

ويطرح الروائي حمدي أبو جليل في روايته «يدي الحجرية» عدة مداخل لقراءتها، من أبرزها التقصي السردي لتاريخ القبائل البدوية العربية وهجرتها من الجزيرة العربية إلى مصر وبعض بلدان المغرب العربي. أيضاً يمكن النظر إليها من نافذة علاقة الشرق والغرب بسؤالها الشائك المتجدد، أو زاوية تقنيات الحكي والسرد بروح المغني الشعبي ومسرح السامر.

وتبدو فكرة «التقمص» مفتاحاً مهماً في رواية «حانة الست» للكاتب محمد بركة، فالراوي يتقمص سيرة حياة أم كلثوم ويجعلها تروي «قصتها المحجوبة» في إطار علاقة شبه تفاعلية معها، محتفظاً بمسافة مرنة بينه وبين الشخصية توفر له متابعة الوقائع والأحداث وما تكشف عنه من أسرار ومفاجآت.

وحول أعمال مي التلمساني، يرى أنها تتميز بطرائق متنوعة لمنظور الصورة، ترفدها بمجموعة من الخبرات والوسائط الخاصة، المستقاة من فن السينما خصوصاً التقطيع الزمني لحركة المشهد، وتنويع زوايا اللقطة لتنمية إيقاع السرد درامياً.

وتراهن ميرال الطحاوي في روايتها «بروكلين هايتس» على طفولتها وتعيد مساءلتها بلغة مشربة بإيقاعات الشعر وأجواء التاريخ والجغرافيا، وتستنهضها من ركام الحكايات والذكريات لتضعها في سياق زمن روائي طازج يتوزع بين فضائي القرية والمدينة.

ويطل «محروس» بطل رواية «أحمر خفيف» لوحيد الطويلة من ثقوب السيرة الشعبية، وكأنه أحد أبطالها وفرسانها الذين تتخطف أخبارهم الألسنة والأفئدة على مدار الأزمنة والأجيال. لكنه في إغفاءته الأخيرة، على سريره الأعزل بالمستشفى ينفض عنه غبار الحكايات والأسرار، تاركاً لمحبيه وأعدائه مجاز الأثر وظل الحكاية.

كُنا قد تحدثنا في خبر «في مرايا السرد»... قراءات في الرواية والقصة القصيرة - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.

جميلة الهادي
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق