علامة النصر بين الحرب والسلام: حكاية تحولها عبر الزمن - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. عرف الإشارة اليدوية التي تُرفع فيها السبابة والوسطى مع توجيه راحة اليد إلى الخارج باسم علامة النصر، وترتبط عادةً برسالة السلام. لكن لم يكن الحال كذلك دائمًا، فقبل أن يتبنّى نشطاء الثقافة المضادة والمعارضون لحرب فيتنام علامة النصر في ستينيات القرن العشرين، كانت هذه الإشارة رمزًا للنصر لقوى الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية. فكيف راج استخدامها في البداية؟ وكيف تبدّل معناها عبر الزمن؟ إليكم لمحة عن تطور هذه الإشارة خلال منتصف القرن العشرين.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
علامة النصر: من رمز المقاومة إلى أيقونة عالمية
يُنسب ابتكار إشارة النصر إلى فيكتور دي لافيلي، المخضرم البلجيكي والرياضي الأولمبي والسياسي الذي تحوّل إلى مذيع إذاعي، وقد انتشرت هذه الإشارة على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الثانية. بعد فراره إلى لندن عام 1940، تولّى فيكتور إدارة القسم البلجيكي في هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، وسعى إلى ابتكار رسالة موحدة يستخدمها البلجيكيون لمناهضة الاحتلال النازي، على أن تحمل ذات المعنى بالفرنسية والفلمنكية والإنجليزية.
قال فيكتور لصحيفة نيويورك تايمز: «اخترت حرف V لأنه الحرف الأول في كلمة Victoire بالفرنسية، وكلمة Vrijheid بالفلمنكية، وكلمة Victory بالإنجليزية، وجميعها تعني النصر». وذكرها أول مرة في 14 يناير 1941 خلال بث إذاعي موجه إلى سكان بلجيكا وفرنسا وهولندا وشمال إفريقيا المحتلة، داعيًا الناس إلى رسم حرف V في الأماكن العامة، أو النقر عليه بلغة مورس بثلاث نبضات قصيرة وأخرى طويلة، وهو النمط نفسه الذي يميّز النغمات الأربع الأولى من السيمفونية الخامسة لبيتهوفن.
بعد نحو ستة أشهر، أعلن مذيع في BBC عُرف باسم الكولونيل بريتون عن حملة النصر بحرف V أو (V للنصر)، وروِّجت في بقية أوروبا بعدة لغات، منها الإنجليزية والفرنسية والهولندية والتشيكية والنرويجية والبولندية والصربية. وقد ردّد بريتون دعوات دي لافيلي لاستخدام الإشارة الصوتية والبصرية، واقترحت صحيفة تايمز في تقرير نشرته في يوليو 1941 أن يلوّح المستمعون لبعضهم بأصابعهم الأولى والثانية على هيئة علامة V.
في 20 يوليو 1941، قرأ بريتون على الهواء رسالة من ونستون تشرشل أعرب فيها عن دعمه لحملة (V للنصر)، ما عزّز مكانتها بوصفها رمزًا بارزًا لمناهضة النازية. وفي الفترة نفسها، بدأ تشرشل بالتلويح بعلامة النصر خلال معظم ظهوره العلني، ليُعيد تعريف هذه الإشارة ويرسّخها في الأذهان بوصفها رمزًا للتحدي والصمود.
يقول أندرو هاموند بوصفه ومؤرخًا وأمين متحف التجسس الدولي: «لقد أعاد ونستون تشرشل تعريف علامة النصر، وأصبحت بفضله مرادفة لتحدي الصعاب»، ويوضح هاموند أن رئيس الوزراء البريطاني تبنّى هذه الإشارة في وقت لم يكن فيه انتصار الحلفاء مؤكدًا، مشيرًا إلى أن عقلية تشرشل كانت تقوم على مبدأ (افعل أو مت)، وهو ما جعل علامة النصر مرادفة للإصرار على النجاح رغم التحديات.
انتشار حملة (V للنصر) في الولايات المتحدة الأميركية
بعد دخول الولايات المتحدة الحرب في ديسمبر 1941 إثر الهجوم على ميناء بيرل، سرعان ما انتشرت حملة (V للنصر) والإشارة اليدوية المصاحبة لها في أرجاء البلاد. وقد تبنّى الأميركيون علامة النصر جزئيًا بوصفها رمزًا للمقاومة ضد النازية، ولكنها كانت في المقام الأول دعوة للمشاركة في المجهود الحربي، سيما على الجبهة الداخلية بتقنين الطعام وشراء سندات الحرب وزيادة الإنتاج العسكري. انعكست هذه الرسالة بوضوح في ملصقات الدعاية الحربية، إذ كان انتصار الحلفاء في أذهان الكثيرين مرادفًا لتحقيق السلام.
سار الرئيس فرانكلين روزفلت والقائد الأعلى لقوات الحلفاء دوايت أيزنهاور على نهج تشرشل، وبدآ باستخدام علامة النصر V للتعبير عن الانتصار في الحرب. واصل أيزنهاور استخدام الإشارة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ أصبحت جزءًا من حملته الانتخابية عام 1952، ثم استمر باستخدامها خلال ثماني سنوات من رئاسته. وأحيانًا كان يلوّح بكلتا يديه بعلامة النصر، وهي إيماءة أصبحت لاحقًا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بنائبه ريتشارد نيكسون.
تحوّل علامة V إلى رمز للسلام
يقول أندرو هاموند: «لا يمكن لأي شخص الادعاء بأنه يمتلك هذا الرمز، فالإشارات الرمزية تتطوّر داخل الثقافة ببطء، ومن الصعب تتبّع أصولها بدقة».
وبحسب بيير أسلين بوصفه أستاذ التاريخ بجامعة سان دييغو المتخصص في الحرب الفيتنامية، مع إن علامة V انتشرت خلال الحرب العالمية الثانية بدعوة لتحقيق انتصار غير مشروط على الفاشية، فقد تحوّلت إلى إيماءة احتفالية فور انتهاء المعارك في أوروبا وآسيا، خلال مايو وأغسطس 1945. في هذا السياق، أصبح النصر مرادفًا لتحقيق السلام.
ويضيف هاموند: «يربط الناس شخصيات مثل أيزنهاور وتشرشل بشنّ الحروب، لكن من منظور آخر، كانوا يخوضونها للوصول إلى السلام».
وبحسب أسلين، لا يمكن تحديد اللحظة الدقيقة التي أصبحت فيها علامة V رمزًا للسلام، ولكن بحلول أواخر الستينيات، أعادت الحركة المناهضة للحرب (خاصة معارضي الحرب الفيتنامية) استخدامها للمطالبة بإنهاء الحرب، بدلاً من الاحتفاء بالنصر فيها.
وتوضح نانسي أرمسترونج وميليسا فاغنر في (الدليل الميداني للإيماءات) الذي ألفتاه: «حول الهيبيون الأميركيون علامة النصر V إلى رمزٍ أعمّ للسلام، يعكس الأمل في إنهاء الحرب الفيتنامية بدلاً من السعي للانتصار فيها».
وودستوك: علامة السلام في مشهدٍ رمزي
تقول جوليا فيل بوصفها أمينة المعارض في متحف بيثيل وودز -الذي يركز على مهرجان وودستوك 1969- إن تحوّل إشارة النصر إلى إشارة السلام كان جزءًا من اتجاه ثقافي أوسع لقلب الرمزية العسكرية والوطنية رأسًا على عقب احتجاجًا على الحرب، وفي الوقت ذاته رفضًا للقيم الأميركية التقليدية.
وتضيف فيل: «ارتداء ملابس الجيش الفائضة، مثل القمصان والسراويل العسكرية المهترئة، أصبح مرتبطًا بثقافة الرفض، وغالبًا ما كان يُقرَن بعناصر غير عسكرية، مثل الشعر الطويل للرجال».
وقد اكتسبت إشارة السلام شهرة واسعة خلال مهرجان وودستوك. وتذكر جوليا فيل أن ماكس ياسجور -مزارع الألبان الذي أجر أرضه لإقامة المهرجان- ظهر على المسرح ملوّحًا بإشارة السلام بعد إلقائه خطابًا صادقًا أمام الحشود، مشيدًا بالشباب لقدرتهم على الحفاظ على السلام.
محاولة نيكسون استعادة علامة V
قبل عامٍ واحدٍ فقط وفي أثناء حملته الرئاسية عام 1968، استخدم ريتشارد نيكسون إشارة V المزدوجة بمعناها الأصلي الذي يرمز إلى النصر. وقد استوحى هذه الإيماءة من دوايت أيزنهاور الذي كان نائبه بين عامي 1953 و1961.
يقول بيير أسلين: «في اعتقادي، فعل ذلك عمدًا لاستعادة المعنى الحقيقي للعلامة من أيدي المتشردين الذين سرقوا الإشارة وأفرغوها من مضمونها وأساءوا استخدامها، ومن وجهة نظره أطلق هذه الصفة على الشباب المناهضين للحرب ونشطاء الثقافة المضادة، خاصة أولئك المنتشرين في حرم الجامعات».
ومع إن علامة V قد تحوّلت إلى رمزٍ للسلام، استمر نيكسون باستخدامها بمعناها الأصلي للنصر طوال فترة رئاسته، وحتى لحظة مغادرته البيت الأبيض عام 1974 بعد استقالته من منصبه.
اقرأ أيضًا:
الدائرة الضيقة المعقدة لكليوباترا: الأشقاء والخلفاء والعشاق
متى اختُرعت أحزمة الأمان؟
ترجمة: أميمة الحلو
تدقيق: مؤمن محمد حلمي
مراجعة: محمد حسان عجك
المصدر
كُنا قد تحدثنا في خبر علامة النصر بين الحرب والسلام: حكاية تحولها عبر الزمن - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
0 تعليق