دانى رودريك يكتب: هل الانتقام التجارى الحل الأمثل لمواجهة سياسات «ترامب» الجمركية؟ - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. «سوف تتحمل الولايات المتحدة معظم التكاليف إذا لم يبالغ الآخرون فى ردة فعلهم»
من خلال التلويح بالتهديد بفرض رسوم جمركية شاملة ضد كندا والمكسيك والصين دون سبب مبرر، أظهر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أنه يشكل خطراً كبيراً على أمريكا وشركائها التجاريين.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
لكن الكيفية التى ستستجيب بها الدول الأخرى لسياسات «ترامب» المتهورة ستحدد فى نهاية المطاف مدى الضرر الذى سيتحمله الاقتصاد العالمي.
ويجب على شركاء أمريكا التجاريين أن يحافظوا على هدوئهم ويقاوموا إغراء تضخيم هذا الجنون.
يبدو أن معظم المحللين يعتقدون أن الرد بالمثل، هو التصرف الصحيح الواجب.
وكما كان متوقعاً، هددت كل من كندا والمكسيك بالرد الانتقامى وتوصلتا فى نهاية المطاف إلى اتفاقات مع ترامب، لتجنب الرسوم الجمركية مؤقتا.
ولكن ليس من الواضح لماذا يجب اعتبار الرد الانتقامى أمراً طبيعياً ومرغوباً فى حين يُنظر إلى الرسوم التى تشعل شرارة هذه الردود (على النحو الصحيح) على أنها جنونية.
يجب ألا يغيب عن بال صُناع السياسات فى أماكن أخرى الحقيقة التى اختار ترامب تجاهلها: وهى أن تكاليف الرسوم الجمركية يتحملها الداخل بشكل رئيسي.
غريزة الانتقام طبيعية. فلردع متنمر فى فناء المدرسة، يجب مواجهته بمعارضة حازمة.
ولكن بعيداً عن ردع ترامب، ستتسبب الرسوم الجمركية التى تفرضها دول أخرى فى تغذية مظالمه التى هى فى غير محلها.
الأمر الأكثر أهمية أن منطق الانتقام يفشل فى هذه الحالة. يعمل نموذج المعاملة بالمثل على ضمان التعاون فى ظروف معينة، مثل معضلة السجناء.
فى هذا السيناريو، يستفيد كل طرف من خطوته الأحادية الجانب، لكنه يصبح فى حال أسوأ عندما يرد الطرف الآخر بالمثل. ولكن لا يتناسب هذا التوصيف مع رسوم ترامب الجمركية.
على عكس ادعاء ترامب، يدفع المستهلكون الأمريكيون والشركات الأمريكية التى تستخدم المدخلات المستوردة معظم تكلفة الرسوم الجمركية الأمريكية.
وبالتالي، لا يبدو أن حجة «الرسوم الجمركية المثلى» التى يمكن أن يكسب من خلالها بلد ما بممارسة القوة الاحتكارية فى الأسواق العالمية، تنطبق فى هذا السياق.
فى بعض الأحيان، من الممكن أن تضطلع تدابير الحماية التجارية الانتقائية بدور إيجابى كجزء من أجندة أعرض للتنمية أو النمو الأكثر اخضراراً.
لكن الرسوم الجمركية الشاملة تضر بالاقتصاد الأمريكى، أكثر مما تضر باقتصادات أخرى.
إن أمريكا ترامب، سجينة من صنعها بالكامل.
على نحو مماثل، لن تؤدى الرسوم الجمركية الانتقامية التى قد تفرضها كندا والمكسيك إلا إلى الإضرار باقتصاداتهما فى الأساس.
باعتبارهما لاعبين أصغر حجما فى التجارة العالمية، فإن قدرتهما أقل حتى من أن تمكنهما من تمرير تكاليف الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة.
بسبب وجود سلاسل التوريد فى تجارة أمريكا الشمالية (كما هى الحال فى صناعة السيارات) تتضخم تكاليف أى ارتباك، لكن هذا لا يغير حقيقة مفادها أن تكاليف الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات هى فى الأساس محلية.
بلغة نظرية اللعبة، لا يُـعَـد الانتقام بفرض رسوم جمركية على الواردات «أفضل استجابة».
بالعودة إلى تشبيه التنمر فى فناء المدرسة، تخيل أنك تواجه معتدياً يهاجمك دون سبب وجيه. إنه يبدو غاضبا، ومع كل تلويحه جامحة من ذراعه يلكم نَـفسه. ماذا يجب أن تفعل؟ يمكنك أن ترد بالمثل وتقلد ما يفعله، لكن هذا التصرف سيكون جنونيا بذات القدر، لأنك ستؤذى نفسك بدرجة أكبر فى هذه العملية.
أفضل استراتيجية إذن هى تقليص الضرر بالبقاء بعيداً قدر الإمكان عن المتنمر، وانتظاره حتى يلكم نفسه، إلى أن يغيب عن الوعى وينهار عند زاوية ما.
من المؤكد أن كندا والمكسيك والصين وغيرها من الدول التى ستتحمل وطأة تدابير ترامب التجارية لا تملك ترف عزل نفسها عن الولايات المتحدة.
سوف تستشعر بعض الألم بكل تأكيد. ولكن لا ينبغى لها أن تزيد الأمور سوءاً على أنفسها من خلال الإضرار باقتصاداتها «على طريقة ترامب».
قد يكون بعض الانتقام الجراحى ضد الصناعات التى تدعم ترامب سياسياً أمراً لا مفر منه لأسباب سياسية محلية. ولكن يجب أن تكون الـغَـلَبة للحس السليم والاعتدال من أجل مصلحة بلدانها والاقتصاد العالمى الذى تعتمد عليه.
يخشى بعض المراقبين أن يجد ترامب مبرراً لأفعاله إذا لم يعتمد آخرون استجابة قوية. لكن أضمن طريقة لوضعه فى مكانه تتمثل فى التقليل من أهمية تهديداته ومعاملته على أنه ضعيف.
إن الرسالة الأكثر فعالية التى يستطيع شركاء أمريكا التجاريون توجيهها إلى ترامب هى «أنتم أحرار فى تدمير اقتصادكم؛ نحن لا نخطط للقيام بالمثل. سوف نتجه بدلا من ذلك إلى شركاء تجاريين آخرين أكثر جدارة بالثقة، شكراً جزيلاً».
علاوة على ذلك، من الواضح أن شركاء أمريكا التجاريين ــ حتى الصغار منهم ــ ليسوا عاجزين تماما فى مواجهة الولايات المتحدة. فهم يمتلكون أدوات أخرى غير السياسة التجارية تحت تصرفهم. فبمقدورهم، على سبيل المثال، فرض ضرائب على أرباح الشركات المحلية التابعة لشركات أمريكية متعددة الجنسيات بعينها.
اقترح جابرييل زوكمان من كلية باريس للاقتصاد أن تفرض كندا والمكسيك ضريبة ثروة على إيلون ماسك وجعل وصول شركة «تسلا» إلى السوق الكندية مشروطاً بدفع هذه الضريبة.
يتمتع هذا النهج بميزة احتمال توليد فوائد مالية مباشرة فى الداخل.
فى أعقاب تدابير ترامب، يجب أن يساورنا القلق إزاء احتمالات حدوث سباق كارثى نحو القاع.
أثناء ثلاثينيات القرن العشرين، أدت دورة الانتقام إلى تدهور التجارة الدولية وتفاقم الكساد العالمي.
ومن الأهمية بمكان تجنب مثل هذه النتيجة اليوم.
الخبر السار هنا هو أن أسوأ الأضرار يمكن احتواؤه، وسوف تتحمل الولايات المتحدة معظم التكاليف إذا لم يبالغ الآخرون فى ردة فعلهم. ينبغى لشركاء أمريكا التجاريين الحفاظ على الهدوء والاستمرار.
بقلم: دانى رودريك، أستاذ الاقتصاد السياسى الدولى فى كلية هارفارد كينيدي
المصدر: موقع «بروجكت سنديكيت»
كُنا قد تحدثنا في خبر دانى رودريك يكتب: هل الانتقام التجارى الحل الأمثل لمواجهة سياسات «ترامب» الجمركية؟ - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
0 تعليق