غاية التعليمية

زكريا أحمد... شيخ الملحنين المصريين (2 - 3) - غاية التعليمية

زكريا أحمد... شيخ الملحنين المصريين (2 - 3) - غاية التعليمية

غاية التعليمية يكتُب.. تعلم شيخ الملحنين المصريين زكريا أحمد في الجامع الأزهر، وبرع في الإنشاد الديني، كما فعل يوسف المنيلاوي وأبوالعلا محمد وسيد درويش ومحمد القصبجي وغيرهم، وقطع شوطاً طويلاً في عالم التلحين، وأثبت أنه يتمتع بموهبة فنية متفردة بين ملحني عصره، وحقق شهرة كبيرة في عالم الأغنية المصرية، وتوالت الرحلة. عاش زكريا أحمد في منزل الأسرة فترة قصيرة، وتلقى صدمة موجعة بعد رحيل والدته، وتزوج أبوه بأخرى، كانت تتفنن في تدبير المكائد له، وتحرّض والده عليه باستمرار، واستحالت حياة الشاب اليافع إلى جحيم، وتملّكه الشعور باليأس، وقرّر مغادرة المنزل دون رجعة، وارتاد المسارح والحفلات الغنائية، وأصبح الفن ملاذه الوحيد. تراجعت أحلام الفنان الشاب في أن يصبح مطرباً مشهوراً، مثل عبده الحامولي وسلامة حجازي، وينافس نجوم الطرب الشباب في عصره، مثل محمد عبدالوهاب، وصالح عبدالحي، ومحمد أمين وغيرهم. وعثر زكريا «الملحن» على موهبته الحقيقية، وظلت آلة العود صديقه الأول، وملاذه للتعبير عمّا يجيش في وجدانه من مشاعر، ورغم عذوبة ألحانه الرومانسية، فإن الظروف السياسية التي مرت بها مصر في النصف الأول من القرن الماضي، جعلت ألحانه الوطنية تتسم بالحماس الشديد، وتنمّ عن انتماء وطني جارف، وكانت فرحته عارمة بجلاء الاستعمار البريطاني بعد ثورة يوليو 1952.

اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.

لحّن زكريا أحمد العديد من الأغاني الوطنية، منها أغنية «يا ويل عدو الدار» كلمات الشاعر عباس أحمد، وغناء المطرب محمد قنديل، وتقول كلماتها:

“يا ويل عدو الدار من ثورة الأحرار

دول بالحديد والنار وعزيمة الجبار

هيحاربوا الاستعمار

يا ويله يا ويله يا ويله

احنا عرب شجعان

ما حد فينا جبان

بسلاحنا والإيمان

نحمي الحما والدار

يا ويل عدو الدار”.

المطربة الريفية

في حوار نادر مع مجلة الكواكب عام 1949، روى الشيخ زكريا أحمد كواليس أول لقاء مع أم كلثوم، قبل أن تصبح نجمة غنائية شهيرة على مستوى العالم العربي والشرق الأوسط وتلقب بـ«كوكب الشرق»، و«سيدة الغناء العربي”.

«اللي حبك يا هناه» تفتتح مشواره مع سيدة الغناء العربي

والتقى زكريا مع «ثومة» عام 1920، حين تلقى دعوة لإحياء ليالي شهر رمضان عند على أبوالعينين أحد تجار مدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية (شمال القاهرة)، وتعرّف عليه أحد الموسيقيين، واتفق معه على أن يغني بعد الانتهاء من تلاوة القرآن الكريم، وبالفعل أمسك بالعود، وغنى بمصاحبة عازف القانون الشيخ محمد عمر «القانونجي»، وبعد أسبوع من رمضان، وفي إحدى الليالي أخبروه أنهم أعدوا له مفاجأة مذهلة، واستفسر منهم عن الأمر دون أن يجد ردًا شافيًا.

وأصر زكريا على معرفة تلك المفاجأة، فأخبروه أنهم اكتشفوا أجمل صوت سمعوه في بلدة مجاورة، وفي اليوم التالي حضرت فتاة صغيرة ترتدي العقال العربي، وتمشي متعثرة، ويكسو وجهها الخجل، ومعها شقيقها خالد الذي يرتدي الجِبة والقفطان والعِمامة، ويتقدمها في المشي ويكاد يقود حركتها.

وقال زكريا: «لا أدري ما السر الذي جذبني نحو هذه الفتاة، وجعلني أومن بأنها صاحبة هذا الصوت العجيب»، وبدأ يحادثها فأثارت انتباهه لذكائها الخارق بالنسبة إلى فتاة لا تتجاوز الـ15 من عمرها، وأعجب بخفة ظلها وروحها المرحة، وكانت أم كلثوم وقتها تمتاز بالفطرة الريفية، فطلب منها أن تغني، فغنت وأبدعت بصوتها العذب الجميل.

وأصيب زكريا بالدهشة، وأحبها حب الفنان للحنٍ خالد تمنى العثور عليه دهرًا طويلاً ـ حسب قوله ـ وطلب منها أن تزوره طوال شهر رمضان، فاستجابت لرغبته. يقول «لم تكن تلك الاستجابة حبًا في عيون العبد لله، بل كان لشغفها للاستماع للقصائد والأغاني التي أغنيها، وأحاول تحفيظها لها”.

المطربة الصغيرة أم كلثوم تبعث له بخطابات مكتوبة بالحبر الأخضر

وحدث ذلك اللقاء حين كان عمره 24 عامًا، وقد كان شابًا أنيقًا شديد العناية بوجاهته، حتى أن خالد شقيق أم كلثوم لمح حقيبة سفره فوجد فيها 6 أحذية فصاح وسط أهل البلدة قائلًا: «هو فيه حد بيسافر ويشيل معاه ست جِزم»، وتوثّقت علاقة زكريا أحمد بأم كلثوم وشقيقها، فدعته لزيارة منزلها بقرية «طوماي الزهايرة» وعرّفته بوالدها الشيخ إبراهيم المشهود له بالتقوى والورع.

وعاد زكريا أحمد إلى القاهرة، وظلت أم كلثوم تراسله بخطابات مكتوبة بحبر أخضر اللون يذكره بالخضرة وجمال الريف والصوت الحسن الذي سمعه في ليالي شهر رمضان، فوجد نفسه متحمسًا للدعاية لها في القاهرة من حيث لا يدري ولا هي تدري، وفي نهاية عام 1920 طلب منه أحد أصدقائه التجّار أن يحيي له «فرحًا» (حفل زفاف)، فكتب لها زكريا أول خطاب، وردت بعبارة مؤدبة، وكان أجرها في الحفلة 8 جنيهات ورفعه لها إلى 10 جنيهات.

اللقاء المرتقب

مضت نحو عشر سنوات على اللقاء الأول بين زكريا أحمد وأم كلثوم، تخللها العديد من اللقاءات في المناسبات الفنية، ووقتها كان الشيخ أبوالعلا محمد يلحن معظم أغانيها، حتى رحيله في 1927، وهو بمنزلة الأب الروحي لها، وبدأت تعتمد على ألحان محمد القصبجي، ورياض السنباطي، وأشعار أحمد رامي، وكان من الصعب على أي ملحن اختراق تلك الدائرة، ولذلك تأخر تعاونها الفني مع شيخ الملحنين، وأيضا مع الموسيقار محمد عبدالوهاب.

وخلال تلك الفترة، حقق كل منهما نجاحات متتالية، وأصبح زكريا أحمد نجمًا في عالم التلحين للمسرح الغنائي، وشدت بألحانه سلطانة الطرب منيرة المهدية، ونادرة، وفتحية أحمد، وصالح عبدالحي، بينما حلقت أم كلثوم إلى عالم الأضواء والشهرة، وصعدت إلى القمة، واتسعت دائرة جمهورها بعد انتقالها مع أسرتها إلى القاهرة، وأصبح كلاهما مشغولًا بفنه، حتى حانت لحظة اللقاء المرتقب. وفي عام 1931، شدت أم كلثوم بأغنية «اللي حبك يا هناه» كلمات أحمد رامي، ولحن زكريا أحمد، وتقول كلمات الأغنية:

الشيخ خالد يكشف سر «الأحذية الستة» في حقيبة الملحن

اللي حبك يا هناه

اللي حَبّك يا هناه في نعيمه أو شقاه

نور عيونك في فؤاده يضْوي في ليلة سهاده

إنْ راعيتي له وداده في بعاده يا هناه

وإن سمع كلمة تراضيه ولا شافك بتراعيه

ينسى همّه واللي فيه من شقاه يا هناه”

وتتابع التعاون الفني بين قطبي الغناء والتلحين، وطوال مسيرته لحّن زكريا أحمد 55 أغنية لكوكب الشرق أم كلثوم، كما قدم لها مونولوجا من مقام كرد بعنوان «ياما أمر الفراق» (1931)، ورغم الخلاف بينهما لمدة 13 عامًا بدءاً من عام 1947 حتى 1960، فإنه لم ينكر علاقته بها، وكذلك لم يقطع علاقته بشقيقها الشيخ خالد وأفراد أسرتها.

المؤلف المحتال و«فقراء نيويورك»

بدأ الشيخ زكريا أحمد مشواره مع المسرح الغنائي في عام 1916، عندما قرر طلاب بعض المدارس الثانوية إنشاء جمعية للمسرح، منهم الفنان حسين رياض، ونجم الكوميديا حسن فايق، وإقامة حفل يمثلون فيه رواية «فقراء نيويورك» وخصصوا 6 جنيهات لمؤلف الأغاني والملحن بالتساوي، ولكن المؤلف احتال عليه، ورفض إعطاءه الجنيهات الثلاثة.

وابتعد زكريا عن التلحين للفرق المسرحية لمدة ثماني سنوات، وبعد وفاة سيد درويش، طلب علي الكسار من الشيخ زكريا تلحين مسرحية «دولة الحظ» في عام 1924، وبعد نجاحها لحن مسرحية «الغول» للمؤلف بديع خيري، وتعاقد كملحن مع فرقة الكسار، وصار الملحن الأول للفرقة خلفًا لفنان الشعب سيد درويش.

وخلال مسيرته الفنية، لحن الشيخ زكريا أحمد نحو 65 مسرحية غنائية، منها 30 مسرحية لفرقة علي الكسار، وسبع مسرحيات لفرقة عزيز عيد وفاطمة رشدي، وأربع مسرحيات لفرقة منيرة المهدية، وبلغ عدد أغنياته المسرحية نحو 500 لحن، وكان آخر ألحانه للمسرح عرض «عزيزة ويونس» من تأليف الشاعر بيرم التونسي عام 1945.

كُنا قد تحدثنا في خبر زكريا أحمد... شيخ الملحنين المصريين (2 - 3) - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.

أخبار متعلقة :