محمد الموجي... موسيقار «كامل الأوصاف» (2 - 2) - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. سرى النغم في وجدان الصبي الصغير، وتغيّرت وجهة خريج مدرسة الزراعة إلى طريق الفن، واستقر محمد الموجي في القاهرة، وطرق أبواب الإذاعة المصرية، واستطاع أن يلفت الأنظار إلى موهبته في التلحين، وتراجع حلمه في أن يصبح مطرباً، ووجد ضالته في صوت العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، وتوالت رحلته في الصعود إلى قمة النجاح والشهرة. وقد أدت المصادفات دوراً كبيراً في حياة الموسيقار الموجي، وبدأت بنشأته في أسرة تهوى الموسيقى والطرب الأصيل، وفي أثناء دراسته بمدرسة الزراعة كان أستاذه محمد إبراهيم الشال يدرّس له مادة الهندسة الزراعية، ويجيد العزف على الآلات الموسيقية، ويمتّ بصلة قرابة للموسيقار رياض السنباطي، واعتاد الأخير زيارته، وتعرّف عليه الموجي في منزل الشال، وظل يفتخر بمقابلة مثله الأعلى في التلحين، والسماح له بالعزف على عوده. وفي بداية مسيرته الفنية، تقدّم إلى الساحة الغنائية باسم «محمد أمين»، لكنه اضطر إلى تغييره إلى «محمد الموجي» لوجود مطرب مشهور في تلك الفترة يحمل الاسم نفسه، وبعدها تمتع بألقاب كثيرة، منها «جواهرجي النغم»، و«صاحب الأنامل الذهبية»، ونجح في أن يغيّر من شكل الموسيقى والألحان التي ساهمت في إثراء أغاني كبار النجوم من بينهم توأمه عبدالحليم حافظ، حتى اشتهر بلقب «توأم العندليب».
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
أحدثت ثورة يوليو 1952 تغيرًا كبيرًا في المجتمع المصري وساحة الفن والإبداع، وفي ذلك الوقت انشغل الموسيقار محمد عبدالوهاب بالتلحين، وأصبح مقلاً في الغناء، واستغرق رياض السنباطي في تلحين الأغنيات الرومانسية لأم كلثوم، وتوقف زكريا أحمد عن التلحين لكوكب الشرق، بعد خلافه معها، واعتزل محمد القصبجي التلحين، واكتفى بظهوره كعازف للعود في فرقة «السِّت».
وباتت الساحة مهيأة لظهور فرسان جُدد في الساحة الغنائية، وكان الموجي وكمال الطويل وعبدالحليم حافظ من المؤيدين للثورة، واندفع الفرسان الثلاثة في طريق التجديد، والتحرُّر من القوالب التقليدية في التلحين والغناء، وتوفرت لديهم موضوعات جديدة يغلب عليها الطابع الوطني.
طالب مدرسة الزراعة يعزف على عود رياض السنباطي
نشيد الجلاء
انتبهت أم كلثوم إلى نجاح هؤلاء الشباب، وأرادت أن تواكب التغيير، واستطاع محمد الموجي وكمال الطويل، اختراق دائرة الملحنين الحصريين لكوكب الشرق، التي بدأت بالشيخ أبوالعلا محمد، ثم محمد القصبجي، ورياض السنباطي، وزكريا أحمد، بينما تأخر لقاؤها بألحان محمد عبدالوهاب سنوات طويلة، لشدة التنافس واختلاف وجهات النظر بينهما.
وفي عام 1954 غنّت أم كلثوم من ألحان محمد الموجي أغنية وطنية هي «نشيد الجلاء»، كلمات الشاعر أحمد رامي، بمناسبة جلاء الاحتلال البريطاني عن مصر، يقول مطلعها: «يا مصر إن الحق جاء، فاستقبلى فجر الرجاء، اليوم قد تم الجلاء، ونلتِ غايات المُنى».
وكانت الأغنية نقلة كبيرة في مسيرة «صاحب الأنامل الذهبية»، ولمحمد الموجي صورة شهيرة يقف فيها مع أم كلثوم إلى جوار كل من الرئيس جمال عبدالناصر وأنور السادات، تدل على مدى قربه من قيادة الثورة، ولم يكن باستطاعة الملحن الشاب ذلك، لولا تقديم أم كلثوم له إلى القيادة المصرية.
لحن «هويتك» يجمعه بالمطرب مصطفى أحمد والشاعر مبارك الحريبي
وفي عام 1955، غنت أم كلثوم من ألحان الموجي، أغنيتين للشاعر طاهر أبوفاشا، هما «سألت عن الحب»، و«الرضا والنور»، وفي عام 1957 «محلاك يا مصري» كلمات صلاح جاهين، وتضمنت تحية للمرشدين المصريين أيام تأميم قناة السويس وأزمة انسحاب المرشدين الأجانب.
وتتابعت ألحان محمد الموجي لأم كلثوم، بأغنيتين وطنيتين «بالسلام إحنا بدينا» (1960)، كلمات الشاعر بيرم التونسي، و«يا صوت بلدنا» (1964)، كلمات الشاعر عبدالفتاح مصطفى، وفي العام ذاته شدت كوكب الشرق بأغنية «للصبر حدود» كلمات عبدالوهاب محمد، وحققت الأغنية نجاحًا كبيرًا في ذلك الوقت.
«للصبر حدود» تدفع أم كلثوم لرفع دعوى قضائية ضد الملحن الشاب
خلافات في المحاكم
كادت «للصبر حدود» أن تنهي التعاون الفني بين الموجي وأم كلثوم، وتفاصيل تلك الأزمة رواها نجله الموجي الصغير، الذي أشار إلى أن الخلاف بينهما وصل إلى المحاكم، فذات يوم قالت أم كلثوم للموجي، إنها ستقدم وصلة عاطفية، وكانت هذه الوصلة أغنية «للصبر حدود»، وكتبت له عقدًا لمدة شهر تقريبًا، لينتهي من تلحين هذه الأغنية، لكنه كملحن لا يقدر على صناعة لحن في هذه المدة، فتأخر 6 أشهر، وكانت قد أعطته كلمات «دليلي احتار وحيرت قلبي»، و«ليلي ونهاري»، وعندما تأخر في تقديم لحن «للصبر حدود» بدأت تسحب منه أغنية تلو الأخرى وأعطتها لرياض السنباطي، ولم يتبقَّ معه سوى «للصبر حدود»، ولأنه لم ينته من تلحينها رفعت ضده دعوى قضائية.
وفوجئ الموجي بالدعوى، ووقف أمام القاضي الذي قال له: «أم كلثوم أقامت دعوى ضدك بسبب عدم الانتهاء من لحن أغنية (للصبر حدود) وبينكما عقد»، فنظر الموجي للقاضي وقال: «أنا مذنب... احكم عليّ إذن بالتلحين بالإكراه، فقال القاضي: «اذهب إلى أم كلثوم وتفاهم معها»، وخرج الموجي من المحكمة إلى فيلا «السِّت»، وما أن دخل حتى وجدها تنزل على السلم، فنظرت إليه بابتسامة، فقال لها بغيظ: «أتضحكين؟» فقالت: «طبعًا، أنا كنت عارفة إنك ستحضر إلى هنا، تقدّم ألحانًا عظيمة لحليم وشادية ومش عاوز تعمل (للصبر حدود)».
وجلسا معاً، لكنه اكتشف أن أم كلثوم تريده أن يتبع أسلوب السنباطي والقصبجي في عمل لحن الأغنية، ووافق، وما ان وصل إلى آخر مقطع في الأغنية حتى توقف وخرج من الفيلا، ليعود بعدها ومعه لحن المقطع الأخير، لكن أم كلثوم أرادت أن تغيّر بعض الجُمل الموسيقية فرفض واختفى، لتعيش السِّت بعدها في قلق، خصوصا أن موعد الحفل اقترب، فأرسلت إليه عبده صالح والحفناوي وعاد الموجي ووافقت أم كلثوم على رأيه.
سر احتفاظ «جواهرجي النغم» بدبلة ذهبية بعد نجاح «اسأل روحك»
وجاء يوم الحفل وجلس الموجي في الكواليس، وكان الجمهور يطلب منها إعادة الكوبليه الأخير أكثر من مرة لإعجابهم به، لدرجة أنها غيّرت في كلمات الأغنية قائلة: «وكفاية وأنا بهواك... خلصت الصبر معاك»، وبعد الحفل نظر إليها فقالت له وهى سعيدة: «إيه غلطنا في البخاري؟... على العموم مبروك».
واستكمل الموجي ألبوم ألحانه لأم كلثوم، بأغنية «يا سلام على الأمة» في عام 1965، كلمات الشاعر عبدالفتاح مصطفى، ويقول مطلعها: «يا سلام على الأمة في وحدة الكلمة، الكل بالإجماع إرادة تسند إرادة، من الصفوف للقيادة بالشورى والإقناع».
وأسدلت «اسأل روحك» (1970) الستار على اللقاء الاستثنائي بين ألحان الموجي وشدو أم كلثوم، وصاغ كلماتها الشاعر عبدالوهاب محمد، وبعد نجاح الأغنية سافرت أم كلثوم إلى السعودية، وأحضرت معها دبلة ذهب وقالت له: «اكتب عليها اسم أم أولادك... زوجتك... ولا تخلعها من يدك»، وبالفعل كتب اسم زوجته على الدبلة، وظلت في إصبعه حتى رحيلها، ثم أخذها نجله الموجي الصغير، ولاتزال معه حتى الآن.
صانع النجوم
تبوأ محمد الموجي مكانة متميزة بين ملحني جيله، وقال عنه الموسيقار محمد عبدالوهاب، إنه صانع النجوم، وإن موسيقاه تثري المكتبة الموسيقية العربية، لأن ما يميز ألحانه أنها من السهل الممتنع، فالأعمال التي قدّمها بها إحساس يصل بسهولة إلى قلوب الناس.
وقدم الموجي الكثير من الروائع الفنية لعدد من الأصوات النسائية، منها «اسأل روحك»، و»حانت الأقدار» لأم كلثوم، كما برع في الألحان الخفيفة التي قدمتها الفنانة سعاد حسني، منها «أنا لسة صغيرة»، و«منتاش قد الحب يا قلبي»، وللفنانة صباح مثل «الراجل دا هايجنني».
ووصفته كوكب الشرق أم كلثوم بأنه نهر لا يجف، فقد كان غزير الإنتاج، وشديد الثراء والتنوع في موسيقاه، وقدّم لعبدالحليم حافظ 88 لحنًا، منها «جبّار»، و«الليالي»، و«كامل الأوصاف»، و«رسالة من تحت الماء»، و«قارئة الفنجان»، وتغنى بألحانه أجيال من المطربين والمطربات في مصر والعالم العربي، منهم المطرب الكويتي مصطفى أحمد، الذي غنى من ألحان الموجي أغنية «هويتك» كلمات الشاعر مبارك الحريبي، في عام 1984. واكتشف الموجي عددًا من نجوم الغناء، أبرزهم الفنان هاني شاكر، وتعد أعماله من كلاسيكيات الموسيقى العربية.
عبدالناصر والسادات يمنحانه الميدالية البرونزية ووسام الاستحقاق
وتناول الموسيقار الراحل عمار الشريعي في برنامجه «غواص في بحر النغم» الكثير من ألحان الموجي بالشرح والتحليل، وقال: «إن الموسيقار محمد الموجي ذو موهبة قوية وهبها له الله تعالى وصقلها بالدراسة، موهبة تحمل في داخلها كل ما يحمله الشعب المصري من آمال وآلام وفرح وحزن، فهو ملحن مصري أصيل في ألحانه وتفكيره وتراثه الشرقي».
وحصل محمد الموجي على العديد من الجوائز والتكريمات، خلال مسيرته الإبداعية المتفردة، ومنحه الرئيس جمال عبدالناصر الميدالية البرونزية في عام 1965، ونال وسام الاستحقاق من الرئيس أنور السادات عام 1976، وحصل على شهادة تقدير من الرئيس حسني مبارك عام 1985، بالإضافة إلى أوسـمة ونياشين من ملوك ورؤساء عرب في مناسبات مختلفة.
ورحل الموسيقار محمد الموجي في أول يوليو عام 1995 بعد رحلة فنية غزيرة الإبداع أثرى خلالها مكتبة الموسيقى العربية بأعمال مزجت بين الأصالة والتجديد، ولاتزال تتردد حتى اليوم، وتعيدنا إلى زمن الفن الجميل.
«ناظر الزراعة» ينفذ وصية والده ويتزوج 8 مرات!
تمنى والد محمد الموجي أن يصبح ابنه ناظراً للزراعة، فالتحق بمدرسة الزراعة المتوسطة، ومن خلال الأنشطة الفنية ظهرت موهبته في الموسيقى والغناء، واستطاع الموجي أن يحقق أمنية والده بعد تخرجه، وعُين ناظراً للزراعة في بلده، ورغم ذلك ظل العود رفيقاً له، وقرر أن يسافر إلى القاهرة.
وتزوج الموجى 8 مرات في حياته، نذكر منها الآتي: الأولى من ابنة عمه فهيمة الأمين، ومن المطربة سميرة فتحي، ثم تزوج من المطربة أحلام، بعدما لحن لها 10 أغانٍ، فوقع في حبها وتزوجها، لكن هذا الزواج لم يدم طويلا، وقد تزوج من المطربة سعاد مكاوي، وتزوج أيضاً من المطربة أميرة سالم، وكان زواجه الأخير من الفنانة وداد حمدي.
وكان قد نفذ وصية والده، وتزوج من ابنة عمه، ونشأت بينهما قصة حب عميقة، وعبّر عن هذا الحب بتلحين أغنية «لايق عليك الخال» تأليف الشاعر عبدالمنعم السباعي، وغناها عبدالحليم حافظ، وضربت السيدة فهيمة مثالاً رائعاً في الوفاء والحب لزوجها، وظلت بجانبه حتى اللحظات الأخيرة من حياته.
وقد رُزق الموجي بـ 6 أبناء، 3 أولاد و3 بنات، وهم: أمين وموجي ويحيى، وألحان وأنغام وغنوة، والأخيرة أستاذة بالمعهد العالي للموسيقى العربية بأكاديمية الفنون.
الموجي الصغير يروي تفاصيل أيام والده الأخيرة
روى الملحن الموجي محمد الموجي أسرار والده في كواليس الفن والحياة حتى اللحظات الأخيرة، وقال الموجي الصغير: «لم يكن جدي مقتنعا بموهبة أبي في التلحين، ورغم أنه لحّن لعبدالحليم حافظ، فإنه قال له لن أقتنع بموهبتك حتى تلحن لأم كلثوم، إذا غنت من ألحانك وقتها فقط أقتنع بك كملحن، وبالفعل لحّن أول أغنية له مع أم كلثوم (نشيد الجلاء)، وهنا اقتنع جدي بموهبته، ويوم الحفل كان يحضره أعضاء مجلس قيادة الثورة، ومن بينهم جمال عبدالناصر، وكان جدي لم يقتنع بعد بخلع الطربوش (أحد مظاهر الحقبة الملكيّة)، رغم صدور قرار من عبدالناصر بمنعه بعد الثورة، فنظر لهم ناصر وقال: من هؤلاء الذين يرتدون الطرابيش؟، فرد أحد الحضور: إنهم عائلة الموجي أبوه وعمه، فسمح لهم عبدالناصر باستكمال الحفل.
وتابع الموجي الصغير: «كان والدي يقوم ببعض التعديلات على قصائد الشاعر نزار قباني، والأخير طلب منه تلحينها ليغنيها عبدالحليم، فمثلا قصيدة «قارئة الفنجان» كان يقوم بتعديل بعض المفردات التي لا يجوز قولها للجمهور، خصوصا في الغناء كعبارة «كلاب تحرسه وجنود»، وفي قصيدة «رسالة من تحت الماء»، كانت جميع النهايات ساكنة مثل «أشتاق، أعماق، يم، عوم» وهذا يرهق الملحن كثيرًا، ولا يسمح له باستكمال جملته الموسيقية، فأراد والدي أن يغيّر نزار نهايات الشطرات، لكنه رفض، وقال لعبدالحليم إن الموجي سيتلف القصيدة بتلك الطلبات، فطلب عبدالحليم من أبي أن يحاول تلحينها دون المساس بالكلمات أو تغيير السكون، فعبّر أبي عن الحرف الساكن بموسيقاه، للهروب من السكون واستغلها لحنيًا، فكان أفضل من يعبّر عن الموسيقى العربية وإحساسه بها عالٍ
وكشف الموجي الصغير تفاصيل الأيام الأخيرة في حياة «جواهرجي النغم»، وقال: «سبحان الله توفي والدي بنفس المرض الذي توفي به عبدالحليم، كانا توأمين في كل شيء حتى المرض، وتكرّر نفس السيناريو وظل ينزف حتى انتهت حياته، وكانت آخر أيام والدي بالمستشفى ولم نكن نتركه للحظة، وكان دائما يوصينا بأن نظل يدا واحدة أنا وإخوتي، خاصة أخي الصغير يحيى، فكان الأقرب لقلبه».
وعن وصيته الأخيرة قال: «طلب مني والدي إنجاز سيمفونية باسم محمد الموجي، ولكن تأليف سيمفونية يتطلب مبلغاً ضخماً، إلا أن أخي يحيى قام بجمع موسيقاه من أجل هذا الغرض، أو متتالية للألحان التي تصلح لسيمفونية عالمية، كلحن «جبار» و»نار» و»شباكنا ستايره حرير» و»الليالي»، ومع توليف كل ذلك تصبح سيمفونية عالمية باسم محمد الموجي، ولكن إنجازها يستلزم التفرغ سنوات».
كُنا قد تحدثنا في خبر محمد الموجي... موسيقار «كامل الأوصاف» (2 - 2) - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
أخبار متعلقة :