المراقبة الأوروبية المكثفة لموازنة فرنسا
في فترة تحضير باريس الخاضعة لإجراء العجز المفرط لبعث خطتها إلى بروكسل للامتثال لمعاهدة «ماستريخت»، صنفت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني فرنسا في فئة التوقعات السلبية بعد أن كانت «مستقرة»، وجاء ذلك عقب يوم واحد من تقديم الحكومة موازنتها لعام 2025، مما يعكس توجيه نقد سريع لمحاولات رئيس الوزراء ميشال بارنييه لمعالجة التدهور الحاد في المالية العامة.
يسلط هذا التنبيه على الجدارة الائتمانية لفرنسا الضوء على حجم التحديات المالية التي تواجه البلاد.
قامت «فيتش» في أبريل من العام الماضي بتخفيض تصنيف فرنسا من (إيه إيه) إلى (إيه إيه -) وهو تصنيف ائتماني تشاركه مع المملكة المتحدة وبلجيكا.
أعلنت «فيتش» في بيان أن التدهور المالي المتوقع لهذا العام يضع فرنسا في وضع مالي أسوأ، حيث نتوقع الآن عجزاً مالياً أوسع، مما يؤدي إلى زيادة حادة في الدين الحكومي ليصل إلى حوالي 118.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028، مع الإبقاء على تصنيف فرنسا عند «إيه إيه -».
تدهورت المالية العامة في فرنسا بشكل ملحوظ هذا العام، حيث جاءت الإيرادات الضريبية أدنى من التوقعات وتجاوزت النفقات التوقعات، مما يجعل الدين الفرنسي معرضاً لخطر خفض التصنيف وفق ما ذكرته «رويترز».
أشارت «فيتش» إلى أن الانقسام السياسي الكبير والحكومة الأقلية يعقّدان قدرة فرنسا على تحقيق هدفها في تحسين أساس ماليتها العامة.
قدمت الحكومة يوم الخميس موازنة 2025 والتي تسعى لتقليص الفجوة في المالية العامة بمقدار 60 مليار يورو (65.5 مليار دولار) من خلال خفض النفقات ورفع الضرائب التي تركز على الأثرياء والشركات الكبرى.
صرح وزير الاقتصاد والمالية والصناعة الفرنسي أنطوان أرمان في بيان «أن موازنة 2025 التي قمنا بتقديمها تعكس عزم الحكومة على تحسين مسار المالية العامة والسيطرة على الدين».
في الفترة ما بين الآن ونهاية شهر أكتوبر سيكشف رئيس الوزراء ميشال بارنييه عن استراتيجية فرنسا المالية للسنوات القادمة، وسيقدم للمفوضية الأوروبية مبادئه التوجيهية لوضع المالية العامة الفرنسية على أساس أكثر متانة بين الآن وعام 2031.
مع عجز يبلغ 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، وفقاً لأحدث توقّعات وزارة الداخلية، وديون تزيد عن 110 في المائة من الثروة الوطنية، فإن ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا يثير قلق شركائه في منطقة اليورو والأسواق المالية.
قال وزير المالية الهولندي إيلكو هاينن يوم الاثنين في اجتماع مع نظرائه الأوروبيين في لوكسمبورغ «الالتزام المالي مهم للغاية». وأضاف زميله الألماني كريستيان ليندنر «مصداقية المالية العامة في الأسواق المالية ليست مسألة للتهكم».
أوضح ليندنر «أنا مهتم بمعرفة كيف ستتمكن فرنسا من استعادة مسار الأمور المالية العامة»، بحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية.
سوف يكتشف الوزير الليبرالي ذلك قريباً، حيث تستعد فرنسا التي تخضع لإجراءات العجز المفرط مع ست دول أعضاء أخرى (إيطاليا وبلجيكا والمجر وبولندا وسلوفاكيا ومالطا)، لإرسال خطتها إلى بروكسل للامتثال لمعاهدة «ماستريخت».
أوضح أرمان من جانبه أن الامتثال للقواعد الأوروبية، التي تشترط ألا يتجاوز العجز في الموازنة 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بينما يجب أن يبقى الدين العام أقل من 60 في المائة من الثروة الوطنية، «هو أمر يتعلق بالمصداقية والسيادة الدولية».
في الأشهر الأخيرة، وفي سياق من عدم الاستقرار السياسي والعديد من المراجعات بالزيادة لتوقعات عجز الموازنة لعام 2024، ارتفعت كلفة الديون الفرنسية، مما أدى إلى توسيع الفجوة مع ألمانيا. في بعض الحالات، تدفع فرنسا أكثر للاقتراض على السندات التي تمتد لخمس سنوات من إسبانيا والبرتغال واليونان.
أدى القرار المفاجئ للرئيس إيمانويل ماكرون بحل البرلمان إلى دفع المستثمرين لبيع السندات الفرنسية، مما زاد من الفارق الذي تدفعه فرنسا مقارنةً بألمانيا على ديون عشر سنوات ليقترب من 80 نقطة أساس، بعد أن كانت أقل من 50 نقطة في وقت سابق هذا العام، وفق «بلومبرغ».
في مايو الماضي، حث صندوق النقد الدولي فرنسا على اتخاذ المزيد من الإجراءات هذا العام لتقليص أعباء ديونها، محذراً من أن عجز الموازنة سيكون أعلى بكثير من المتوقع في عام 2027. وذكر صندوق النقد الدولي في بيان أن عجز فرنسا سيصل إلى 5.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهو ما يفوق بقليل توقعات الحكومة البالغة 5.1 في المائة.
تعليقات