قارئ هذا العنوان قد يعتقد بأن كاتب المقال مقيم في كوكب آخر، وليس ملمّاً بإنجازات المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي مع ريال مدريد.
كيف يُعقل أن يتحدث المرء عن رحيل مدرب بات الأكثر إحرازاً للألقاب مع النادي الأبيض (15)، بعد لقبين آخرين هذا الموسم، ضمن 5 ألقاب عام 2024؟
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
أنشيلوتي الذي ينافس أيضاً على 5 بطولات عام 2025، لم يكتفِ بالألقاب الجماعية، بل نال أيضاً جائزتَي "الكرة الذهبية" و"ذا بيست" لأفضل مدرب في العالم.
"حنين" إلى جوزيه مورينيو
بعد فوز ريال مدريد بكأس إنتركونتيننتال، كتب ألفريدو ماتيّا في موقع "ريليفو" أن أنشيلوتي "يتمتع بروح الدعابة... ويساهم بشكل حاسم في أن ندرك جميعاً أن هذه الرياضة ليست أكثر ولا أقلّ من لعبة".
واتهم رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز باستهداف المدرب الإيطالي، مضيفاً: "مع أول هزيمة أو تعادلين متتاليين، تبدأ الانتقادات والتسريبات المتعمّدة وذاك الغليان الذي يشكّك دوماً بأفراد محدّدين... الشخص الذي يُجدّد له حتى 2026 هو الذي لا يتردّد في التأكيد لدى مريديه بأن الإيطالي يُدرّب (اللاعبين) بالحدّ الأدنى".
ماتيّا اعتبر أن أنشيلوتي يشكّل "درعاً مثالياً للتغطية على أخطاء التخطيط التي تنعكس على الدفاع. أو لصرف الانتباه عندما يكون هناك كثير من الضجيج بشأن الملعب وجيرانه".
واستدرك أن ثمة "مسؤولين بارزين في النادي يدافعون عنه دوماً إلى أقصى حدّ"، بينهم المدير التنفيذي خوسيه أنخل سانشيز، الذي أدى دوراً "محورياً" في عودة المدرب الإيطالي عام 2021.
وتحدث عن "كشافة يحنّون إلى (المدرب البرتغالي جوزيه) مورينيو وآخرين مخلصين لتشابي ألونسو (مدرب باير ليفركوزن)، لا يتوقفون عن التشكيك بأنشيلوتي في كل منعطف".
ماتيّا نبّه إلى أن "عدوّ أنشيلوتي ليس (مانشستر) سيتي ولا برشلونة ولا الصحافة أو الحكام"، بل يكمن في النادي.
نجل فلورنتينو بيريز
في السياق ذاته، كتب فيرمين دي لا كايّي في صحيفة "سبورت" الكاتالونية أن أنشيلوتي تحوّل "من مثير للشكوك إلى خالدٍ في ريال مدريد خلال شهر واحد"، بعد إحرازه لقبَي كأس السوبر الأوروبي وإنتركونتيننتال، كما يمكن للفريق تصدّر الدوري الإسباني مطلع عام 2025، إذا هزم فالنسيا في مباراة مؤجلة.
واتهم تشيفو، نجل فلورنتينو بيريز، بتسريب معلومات لوسائل الإعلام عن إعداد الأرجنتيني سانتياغو سولاري، مدير كرة القدم في ريال مدريد، لخلافة أنشيلوتي إذا تواصلت النتائج السيئة للفريق في دوري أبطال أوروبا، قبل الفوز على أتالانتا.
ونقل عن المدرب الإيطالي شكواه من مسؤولين في النادي "سئموا من رؤيتي على مقاعد البدلاء بريال مدريد".
"موثوقية السيارات الألمانية"
خاسينتو فرنانديز اعتبر أن أنشيلوتي يقود ريال مدريد "بموثوقية تليق بأفضل السيارات الألمانية"، مُذكّراً بأنه درّب النادي في 6 مواسم على حقبتين، وفي كلّ منها قاد الفريق لإحراز "لقبين على الأقلّ"، كما لا يزال ينافس هذا الموسم على 5 ألقاب أخرى.
وكتب في موقع "لا غاليرنا" المدريدي أن أنشيلوتي "فعل ما لم يفعله أيّ من المدربين الـ49 في تاريخ النادي"، مشدداً على أنه "لم ينتهِ، بل يشكّل الحاضر أكثر من أيّ وقت".
وطالب بـ"احترام مدرب ريال مدريد"، إزاء "الشتائم والسخرية والتهكّم" التي يواجهها من مشجعي النادي على مواقع التواصل الاجتماعي. ورأى أنه "اكتسب حقاً في البقاء طالما أراد ذلك".
تعديل خطة الإعداد البدني
خلال مباراته ضد إشبيلية في الدوري الإسباني، الأخيرة عام 2024، قد يكون ريال مدريد قدّم أفضل عروضه هذا الموسم، إذ بدا حيوياً وسريعاً ومنسجماً، رغم أخطاء دفاعية.
بعد الفوز على أتالانتا في دوري أبطال أوروبا، شدّد أنشيلوتي على وجوب أن يبلغ الفريق نهاية ديسمبر وهو ينافس على كلّ الألقاب، معتبراً أن "كلّ شيء سيتبدّل" منذ تلك المرحلة. وكرّر ذلك إثر التغلّب على إشبيلية، متحدثاً عن "أشهر معقدة".
لماذا فعل ذلك؟ يعتقد بعضهم بأن المدرب الإيطالي يشير إلى تعديل في خطة الإعداد البدني للاعبين، التي كان مواطنه أنطونيو بينتوس يعتمدها في النادي، وتمكّنه من الوصول في قمة مستواه، إلى الربيع حين تُحسم الألقاب، بعد بداية بطيئة للموسم.
لكن كأس العالم للأندية المرتقبة في الولايات المتحدة بين يونيو ويوليو 2025 بدّلت كلّ شيء، وأعدّ بينتوس خطته ليكون الفريق في قمة مستواه خلال الصيف، لا الربيع.
وبدل أن يوطّد أنشيلوتي نظام اللعب ويطوّر أسلوبه، لا سيّما في غياب توني كروس، اضطره هذا التغيير، والإصابات المتلاحقة، إلى الرهان بشكل حصري على نجومه ولاعبيه المخضرمين، مثل لوكاس فاسكيز وأنطونيو روديغر وفيديريكو فالفيردي، وتهميش شبان، مثل أردا غولر وإندريك.
يطمح ريال مدريد إلى إحراز كأس العالم للأندية، التي يخوضها للمرة الأولى 32 نادياً، كما يرى في رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" جياني إنفانتينو "حليفاً" ضد "عدوّه" ألكسندر تشيفيرين رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا".
وبدا لافتاً أن أنشيلوتي تطرّق مرات خلال مؤتمراته الصحافية، إلى الوضع البدني للفريق، في ظلّ تسريبات عن صدام مع بينتوس.
أنشيلوتي وأسينسيو
يبدو من الإجحاف تحميل "كارليتو" المسؤولية كاملة في هذا الصدد، لا سيّما في ظلّ سياسة تعاقدات راديكالية تنتهجها الإدارة، ترفض أنصاف الحلول.
ولنا في الصفقة الفاشلة لضمّ المدافع الفرنسي ليني يورو دليلاً على ذلك، إذ امتنع النادي عن التعاقد مع لاعب آخر، متجاهلاً رحيل ناتشو فرنانديز والغياب الطويل لدافيد ألابا، قبل إصابة إيدر ميليتاو مجدداً بقطع في الرباط الصليبي.
كما يصطدم أنشيلوتي بنهج يتطلّع إلى المديَين المتوسّط والبعيد، لا القريب. ويعني ذلك "التضحية" أحياناً بموسم محدّد، تمهيداً للهيمنة في المواسم اللاحقة.
لكن ذلك لا يعفيه من المسؤولية والمساءلة، خصوصاً في مسائل تقع في صلب مهمّته.
تتالت الإصابات على الفريق، لا سيّما في خط الدفاع، ورفض المدرب الاستعانة بلاعبين من مركز الإعداد، على الأقلّ لاختبار مدى أهليتهم.
بل أبقى لوكاس فاسكيز في مركز الظهير الأيمن، رغم تواضع مستواه، بعد انتهاء موسم داني كافارخال، رافضاً اختبار لاعب من مركز الإعداد.
وإذ حصلت معجزة واستدعى قلب الدفاع راؤول أسينسيو من الفريق الرديف "كاستيّا"، أقصاه سريعاً لمصلحة لاعب الوسط الفرنسي أوريليان تشواميني، رغم أنه قدّم مستوى أكثر من مقبول، بما في ذلك أمام ليفربول.
ثمة مَن يعزو ظُلم أنشيلوتي لأسينسيو وتفضيله تشواميني في قلب الدفاع، إلى حرصه على النادي، الذي تكبّد 80 مليون يورو في صفقة ضمّ اللاعب الفرنسي.
وكان لافتاً أن المدرب شكا من أنه لا يستطيع الاعتماد على أكثر من 14-15 لاعباً.
إرهاق ذهني وخططي
الفريق يعاني من عيوب، في الدفاع وخط الوسط، لكن أنشيلوتي لم يُجهد نفسه كثيراً في البحث عن حلول، بل حمّل لاعبين أكثر ممّا يحتملون، مثل روديغر وفالفيردي اللذين تجاوزا حاجز 2000 دقيقة لعب قبل نهاية ديسمبر.
في المقابل، كان تجاهل إندريك صارخاً (160 دقيقة لعب)، وغولر بدرجة أقلّ (676 دقيقة). المفارقة أن المهاجم البرازيلي لعب أقلّ من لاعب وسط برشلونة مارك برنال (244 دقيقة)، المصاب منذ 28 أغسطس الماضي.
كذلك يتأخر أنشيلوتي غالباً في إجراء التبديلات، وبعضها يكون ملتبساً، كما أنه نادراً ما استخدم التبديلات الخمسة خلال المباريات، مسبّباً إرهاقاً غير مبرّر للاعبين الأساسيين.
وبدا أن الفريق يبدأ المباريات غالباً وهو في قيلولة، في ظلّ إرهاق ذهني وخططي للمدرب الإيطالي، وافتقار إلى الأفكار والحلول للمشكلات، رغم أنه استنبط سابقاً أساليب لعب مبتكرة، ناسبت لاعبين في الفريق، مثل جود بيلينغهام الموسم الماضي، أو أنخل دي ماريا وأندريا بيرلو سابقاً.
أنشيلوتي تحدث في مطلع الموسم عن خطط لم يطبّقها لاحقاً، مثل إراحة اللاعبين الدوليين، والتكيّف مع اللعب من دون كروس. لكن ما حصل هذا الموسم يوحي بأنه لم يفعل أياً من ذلك.
"تداعٍ هيكليّ"
صحيفة "إلباييس" الإسبانية اعتبرت أن ريال مدريد هو "الأكثر هشاشة" في دوري أبطال أوروبا منذ 7 مواسم. وتحدثت عن "تداعٍ هيكليّ" عزته إلى تقلّص تعطّش اللاعبين للفوز ومعاناتهم من "إرهاق عاطفي".
وأشارت إلى أن لاعبي النادي يقطعون مسافة أقلّ بنسبة 3.5% هذا الموسم في الدوري الإسباني مقارنة بالموسم الماضي، إذ تراجعت من 104.9 كيلومتر إلى 101.2 كيلومتر.
كما أن ريال مدريد في المرتبة الثالثة ضمن الفرق التي تقطع أقلّ مسافة (108.7 كيلومتر) في كل مباراة بدوري أبطال أوروبا، متقدّماً فقط على سلوفان براتيسلافا والنجم الأحمر بلغراد.
في المقابل، قطع لاعبو ليفربول 115 كيلومتراً، وأرسنال 117 كيلومتراً وبايرن ميونيخ 120.7 كيلومتر.
"ممثل للنظام القديم"
وصف أنخل دل رييغو أنشيلوتي بأنه "ممثل للنظام القديم"، إذ "يعطي الأولوية للتسلسل الهرمي" لدى اللاعبين، متجنّباً "التطلّع إلى المستقبل"، كما كتب في موقع "إل كونفيدنسيال".
وسخر من إشراك تشواميني في "المركز الفخري لقلب الدفاع الزائف"، فيما أن غولر "لا يعلم بوضوح مركزه في الملعب".
ورأى أن أنشيلوتي "عاقب" إندريك الذي قورن ببيليه، رونالدو نازاريو أو مايك تايسون، مع "نزوع شديد إلى الحلويات".
كما وصف أنشيلوتي بأنه "مزارع يتطلّع دوماً إلى الأفق، ويجد أبسط الحلول لكلّ مشكلة".
تقويض مشروع فلورنتينو بيريز
المدرب الإيطالي الذي يعامل لاعبيه بعاطفة أبوية، يبدي أيضاً احتراماً مبالغاً فيه للنجوم واللاعبين المخضرمين، كما يعتمد نظرة آنية في إدارته الفريق، ويكرّر دوماً أن النادي تعاقد معه لإحراز ألقاب، لا لإشراك لاعبين من مركز الإعداد.
قد تكون تلك نظرة براغماتية مفيدة لريال مدريد، الذي يتنفّس ألقاباً، ولكن يُرجّح أن تقوّض مشروع فلورنتينو بيريز على المدى البعيد، إذ تتعارض مع سياسة يعتمدها منذ أكثر من عقد، وتتمثل في ضمّ مواهب شابة وصقلها، مثل فينيسيوس ورودريغو وفيديريكو فالفيردي وأردا غولر وإندريك.
أنشيلوتي "جنتلمان" دمث الأخلاق وأسطورة في النادي، كما لا يزعم لنفسه بطولات وهمية، مقراً بأنه "لم يبتكر إطلاقاً في كرة القدم"، بل "حاول أن يضع اللاعبين في أفضل الظروف الممكنة كي يشعروا بالراحة أثناء المباريات".
واعتبر أن مهاراته التكتيكية "جيدة حقاً"، ولو "لم يكن الأفضل"، مشيراً إلى أنه "لا يريد (تبنّي) أسلوب محدّد"، كما قال لمجلة "فرانس فوتبول".
يدرك أنشيلوتي أنه لم يكن الخيار الأول لخلافة زين الدين زيدان عام 2021، بل تقدّم عليه مواطناه ماسيميليانو أليغري وأنطونيو كونتي، إضافة إلى الأرجنتيني ماوريتسيو بوتشيتينو.
المدرب الإيطالي يُقرّ ضاحكاً بأنه أوقع ريال مدريد في "فخّ"، بعدما اتصل بخوسيه أنخل سانشيز سعياً إلى ضمّ لاعبين لناديه آنذاك إيفرتون، فانتهى به الأمر بديلاً لزيدان.
تشابي ألونسو
كلّ تلك المسائل تثير جدياً تساؤلاً بشأن ملاءَمة أنشيلوتي للحقبة المقبلة في النادي، ومشروعه للهيمنة على كرة القدم في العقد المقبل، وخططه الكروية التي قد تحتاج إلى مدرب من طينة أخرى، ذهنية مغايرة ورؤية مختلفة، رغم أن أنشيلوتي يحيط نفسه بمساعدين شبان، بقيادة نجله دافيدي.
وفي هذا الصدد يبدو تشابي ألونسو خياراً بديهياً لريال مدريد، لا سيّما بعد إنجازاته اللافتة مع باير ليفركوزن، ناهيك عن كونه لاعباً سابقاً في النادي، إضافة لعلاقته الجيدة مع مسؤوليه.
بعد إحراز كأس إنتركونتيننتال، اعتبر فلورنتينو بيريز أن "مفتاح النجاح" يكمن في "امتلاك أفضل اللاعبين... وأفضل مدرب". فهل سيحتفظ أنشيلوتي بهذه المكانة لدى رئيس ريال مدريد؟
0 تعليق