وثائق كيندي... بين نظريات المؤامرة والدولة العميقة - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. أتاح قرار الرئيس دونالد ترمب برفع السرية عن الوثائق المرتبطة باغتيال الرئيس السابق جون إف كيندي، الكشف عن آلاف الصفحات التي لم تأت بجديد يُذكر في عملية الاغتيال، لكنها أعادت إلى الواجهة نظريات مؤامرة كثيرة، وسلّطت الضوء على مفهوم الدولة العميقة الذي يردده سيد البيت الأبيض كلّما سنحت الفرصة.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
فترمب، الذي وعد في حملته الانتخابية بالكشف عن الوثائق السرية المرتبطة بالاغتيال، فعل ذلك عبر قرار تنفيذي واسع النطاق، أدى إلى الإفراج عن الآلاف من الصفحات رغم الاعتراضات السابقة للاستخبارات المركزية. ورغم أن هذه الوثائق لم تكشف عن معلومات لافتة مرتبطة بعملية الاغتيال، فإنها كشفت عن كم هائل من الهويات الغامضة والمهمات السرية وعمليات التجسس لوكالة الاستخبارات المركزية في الستينات والتي سعت لعقود لإخفائها.
يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، تفاصيل ما ورد في وثائق كيندي السرية، وأسباب كشف ترمب عن سريتها وما إذا كانت قد رفعت الغطاء حقاً عن معلومات مضرّة بعمل الاستخبارات الأميركية.
«منجم ذهب»

بالنسبة للقلائل من الذين عملوا لسنوات للكشف عن ملابسات اغتيال كيندي، لم توفر هذه الوثائق أي معلومات جديدة مرتبطة بعملية الاغتيال. بين هؤلاء جايمس جونستون، مؤلف كتاب «الاغتيال - وكالة الاستخبارات المركزية في عهد كيندي» والمحامي السابق في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ خلال تحقيقها بعملية الاغتيال في عام 1976. يقول جونستون إنه لم يفاجأ بالمعلومات الواردة في الوثائق؛ لأنه أصلاً لم يتوقع أن يكون هناك المزيد من الوثائق المتوفرة غير تلك التي اطّلع عليها عندما كان في لجنة مجلس الشيوخ. وأوضح جونستون أن الوثائق التي تمّ الكشف عن سريتها هي تلك الموجودة في الأرشيف الوطني فقط، مشيراً إلى غياب وثائق كثيرة لم تتم مشاركتها مع الأرشيف الوطني، ولا حتى مع اللجنة المعنية بالتحقيق.
أما مات داليك، المؤرّخ الرئاسي وأستاذ الإدارة السياسية في جامعة «جورج واشنطن»، فقد أعرب عن مفاجأته بعد الاطّلاع على الوثائق الجديدة المنشورة، ووصفها بـ«منجم ذهب» لأي شخص يدرس تاريخ وكالة الاستخبارات. وأضاف: «إنها تكشف عن مصادر وأساليب وكالة الاستخبارات المركزية، وإلى أي مدى كان البيت الأبيض تحت إدارة كيندي قلقاً حيال تدخّل الوكالة في الدبلوماسية في مختلف السفارات، بالإضافة إلى معلومات عن أن نصف المسؤولين السياسيين في السفارة الأميركية في فرنسا كانوا يعملون لصالح الوكالة».

ويوافق جيمي يوجينيو، الذي ألّف خمسة كتب عن اغتيال كيندي، منها كتاب «اغتيال كيندي: الدلائل اليوم»، على وجود معلومات جديدة في الوثائق تبرز عمليات «سي آي إيه» CIA وتظهر طابع العلاقة المتوترة بين الوكالة وكيندي. ورأى أنها سلّطت الضوء على إحدى أبرز العمليات التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية، وهي عملية «Mockingbird»، حين تجسست الوكالة على صحافيين، كما تظهر الوثائق. ويقول ديجينيو إن الوثائق تطرّقت كذلك إلى ما تلى أحداث «خليج الخنازير»، من غضب كيندي و«اشمئزازه الشديد» من الطريقة التي «خدعته» بها وكالة الاستخبارات الأميركية لكي يقوم بإطلاق هذه العملية. ويقول ديجينيو إن النقطة الثالثة التي كشفت عنها الوثائق، متعلّقة بعمليات الوكالة في فرنسا. وفسَّر قائلاً: «إنها تكشف عن عدد من الأشخاص في وزارة الخارجية الذين كانوا فعلياً عملاء لوكالة الاستخبارات في السفارة الأميركية في باريس. وكان هناك الكثير من الأشخاص، على رأسهم شارل دو غول، الذين اعتقدوا أنهم كانوا متورطين في محاولة الإطاحة بحكومته. ويبدو أن الأمر كان صحيحاً».
وثائق مفقودة و«حرب عالمية ثالثة»

وتطرّق جونستون بالتفصيل إلى ما يصفه بالوثائق المفقودة التي لم يتم الكشف عنها في عملية الاغتيال، مذكّراً بأن كيندي كان يحاول الإطاحة بنظام فيديل كاسترو في كوبا. وذكر حادثة معينة قائلاً: «ما حصل بعد اغتياله هو أن ليندون جونسون أصبح رئيساً. وهناك وثيقة لم يتم تسليمها إلى الأرشيف الوطني، والتي لم يعلن عنها، وهي مذكرة كتبها رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية حول لقائه مع ليندون جونسون بعد 6 أيام من الاغتيال. التقيا وحدهما في منزل جونسون، وتحدثا لوقت طويل. نحن نعلم أن جزءاً من هذا اللقاء كان له علاقة بكوبا، لكن الأمر الغريب هو أنه لم يتم نشر هذه المذكرة علناً أبداً، ولم يتم تسليمها إلى الأرشيف الوطني». وتابع: «عندما كنت في لجنة الشيوخ، طلبت هذه الوثيقة، ورفضوا تسليمها إلى مجلس الشيوخ أيضاً».
وعدَّ جونستون أن سبب إخفاء بعض الحقائق والوثائق هو القلق من تورّط حكومة أجنبية في الاغتيال، ونشوب حرب عالمية ثالثة، مذكّراً: «لقد بدأت الحرب العالمية الأولى إثر عملية اغتيال بسيطة».
من جهته، يقول ديليك إن هذه هي أحد الأسباب التي أدت إلى معارضة وكالة الاستخبارات رفع السرية عن الوثائق، مضيفاً أن «وكالة الاستخبارات الأميركية وعلى مدى عدد من السنوات، ارتكبت مجموعة من الانتهاكات للسلطة التي لم نكن على علم بها في خمسينات القرن الماضي وستيناته. فقد تم التجسس على الأميركيين داخلياً، وعلى الصحافيين، والإطاحة بالحكومات. وبعد عقود، تملك الوكالة مصلحة في حماية مصادرها وطرق عملها. حتى لو أن الزمن مختلف جداً، واختلفت التكنولوجيا، فهي لا ترغب بالكشف عن هذه الأمور».
وعدَّ ديليك أنه، وعلى الرغم من أن الوكالة مختلفة اليوم عما كانت عليه في السابق، فإن هناك آلاف الوثائق التي لم يتم نشرها، منها ما هو موجود في عهدة بعض المحاكم، ومنها بعض المعلومات التي لا ينبغي نشرها. ويرى ديوجينيو أن من الوثائق التي لم يتم نشرها، «وثائق متعلقة بالمتهم بقتل كيندي لي هارفي أوزوالد، والمعروفة بملف أوزوالد قبل الاغتيال»، تحديداً فيما يتعلق بزيارته إلى مكسيكو سيتي. ويضيف: «كانت هذه زيارة غامضة جداً لأوزوالد قبل 6 أو 7 أسابيع من عملية الاغتيال».
ترمب وكيندي والدولة العميقة

أظهرت الوثائق كذلك علاقة مضطربة بين كيندي ووكالة الاستخبارات المركزية، التي وُصفت حينها بـ«الدولة العميقة»، وهو تعبير يكرره ترمب. ويقول البعض إن هذه هي أحد الأسباب التي دفعت ترمب للإفراج عن الوثائق.
ويقارن جونستون بين عهدي ترمب وكيندي، مشيراً إلى أن «الدولة العميقة» في عهد كيندي كانت تعني أن البيروقراطية في الولايات المتحدة تملك وجهة نظرها الخاصة للعالم، في حين يواجه ترمب اليوم بيروقراطية لا تدعمه و لم تدعمه في عهده الأول أيضاً. لكن جونستون رأى أن كيندي سعى للسيطرة على وكالة الاستخبارات الأميركية بعد غزو خليج الخنازير، ساعياً لتعيين أخيه روبرت كيندي ليكون رئيس الوكالة، وقوبل بالمعارضة.
وهنا يشير ديوجينيو إلى أن كيندي لم يكن لديه أي سيطرة على وكالة الاستخبارات، وأن محاولته للسيطرة عليها فشلت.
ولدى المقارنة بين عهدي ترمب وكيندي، سارع ديجينيو للتحذير قائلاً إن «الدولة العميقة اليوم هي أكبر بكثير وأكثر تعقيداً بكثير مما كانت عليه في 1963. إنها تعوق الأفرع القانونية للحكومة. لدينا هذا الكيان شبه المرئي، والذي يملك سلطة كبيرة، لكن لا يتحمل مسؤولية لأنه يعمل في الظل. في عهد كيندي، لم تكن الوكالة بهذا الحجم، أما اليوم فهي هائلة. إن ميزانيات الدفاع التي نصرفها اليوم عملاقة! وهذا يخلق مجمعاً عسكرياً وصناعياً أكبر بكثير».
وذكّر ديليك بحب ترمب لنظريات المؤامرة، واتهامه في عام 2016 والد السيناتور الجمهوري تيد كروز بالتورط بعملية اغتيال كيندي. وعدّ ديليك أن ترمب لديه مصلحة سياسية في نشر هذه الوثائق؛ لأنه يمكنه حينها الإشارة إلى الانتهاكات الاستخباراتية التي حصلت منذ عقود من عمليات الاغتيال في الستينات، وحرب فيتنام، وفضيحة (ووترغايت)، والقول إن الدولة العميقة موجودة منذ زمن بعيد، والتلويح بأنها مسؤولة عن محاولة اغتياله كذلك. وأضاف: «هناك نوع من المحاذاة سياسياً وآيديولوجياً. وحتى في نظرية المؤامرة، لا ينبغي أن نستخفّ بكيف يقوم ترمب باستخدام ذلك لصالحه».
نظريات مؤامرة أم حقائق؟

ولّد اغتيال كيندي نظريات مؤامرة كثيرة؛ إذ يرفض كثيرون نظرية ضلوع أوزوالد بمفرده في العملية. لكن ديليك لا يؤمن بهذه النظريات، بل يعتبر أن أوزوالد تصرّف بمفرده، مشيراً إلى أنه كان «مضطرباً عقلياً و متأثراً بأفكار شيوعية».
وأشار ديليك إلى وجود إثباتات تدحض جميع نظريات المؤامرة، قائلاً: «ليس هناك إثبات حقيقي أن وكالة الاستخبارات المركزية أو ليندون جونسون أو المافيا أو كوبا كانوا جزءاً من مؤامرة أكبر لقتل كيندي».
في المقابل، يعارض جونستون وديوجينيو هذه المقاربة، كل على طريقته. وقال ديوجينيو: «لا أعتقد أن أوزوالد كان الفاعل على الإطلاق. لا أعتقد أنه كان موجوداً في الطابق السادس في ذلك اليوم. أعتقد أن ما جرى كان نوعاً من المؤامرة بين وكالة الاستخبارات المركزية والمنفيين الكوبيين. وعندما تم إطلاق النار على أوزوالد أمام مسرح تكساس، استعانت الوكالة بحلفائها القدماء من الجريمة المنظمة، واغتال جاك روبي أوزوالد قبل أن يستطيع أوزوالد أن يفصح عن أي شيء».
وفي حين يختلف جونستون مع ديوجينيو بأن أوزوالد هو الذي أطلق الرصاصة، لكنه يعتقد أنه لم يتصرف بمفرده. وأشار إلى أنه اطّلع على بعض الملفات التي لم يفرج عنها خلال سير تحقيقه في مجلس الشيوخ تُعزّز نظريته هذه. لكنه تحفّظ عن إعطاء المزيد من المعلومات نظراً لسريتها، مشيراً إلى أنه عرض الحقائق في كتابه، تاركاً باب الاستنتاجات مفتوحاً. فقال: «أحاول ألا أصل إلى نتيجة، باستثناء واحدة: وهي أنه لم يتم إعطاء الحقيقة كاملة إلى لجنة وارن». وهي اللجنة التي أسسها ليندون جونسون للتحقيق بالاغتيال، والتي استنتجت أن أوزوالد هو القاتل الوحيد.
كُنا قد تحدثنا في خبر وثائق كيندي... بين نظريات المؤامرة والدولة العميقة - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
0 تعليق