كيف يساهم تأريخ الكربون المشع في كشف أسرار التاريخ القديم؟ - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. اكتشف عالم كيمياء في جامعة شيكاغو إمكانية استخدام ذرات الكربون المشع لتحديد تاريخ البقايا القديمة، وكان لابتكاره وسيلة مبسطة لحساب ذلك أثرًا كبيرًا في علم الآثار، ولذلك نال جائزة نوبل عام 1960.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
بدأ ويليارد ليبي في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين باستكشاف إمكانية حساب عمر أي جسم باستخدام حسابات مبسطة تستند إلى قدر ما يحتويه هذا الجسم من مادة الكربون-14 (أو محتوى المادة المحيطة به). وبناء على ذلك، استعار بعض القطع العشوائية من المتاحف ذات الأعمار المؤكدة لاختبار نظريته، فأحضر مثلًا صندلًا قد عُثر عليه في أحد الكهوف بولاية أوريغون، وبعض أقمشة كتان من مخطوطات البحر الميت، إلى جانب قطعة خبز متفحمة من بومباي. أسفرت النتائج عن تطابق التواريخ، فانطلقت بعدها ثورة التأريخ باستخدام الكربون المشع.
قبل مرحلة التأريخ بالكربون المشع، كانت قدرة البشر على تحديد تاريخ القطع المنتمية لفترة ما قبل التاريخ محدودة جدًا. إذ صرَّح مدير مختبر حلقات الأشجار في كورنيل ستورت مانينج قائلًا: «بوسعنا القول إن أي محاولة قبل بلوغ القرن السادس قبل الميلاد كانت في الأساس محض تخمينات مدروسة. متى ظهرت حقبة العصر الحجري الحديث في بريطانيا؟ ومتى وصل الناس إلى منطقة أمريكا الشمالية؟ لم يكن هناك أي أساس معرفي سوى أن ذلك كان منذ زمن بعيد جدًا».
آلية عمل الكربون المشع
خضعت عملية التأريخ بالكربون المشع لكثير من موجات التطوير حتى وصلت في الفترة الحالية إلى مرحلة كبيرة من الدقة والمرونة، لكن المبدأ الأساسي ما زال قائمًا، فمادة الكربون-14 هي الشكل المشع غير المستقر من مادة الكربون (تحتوي نيترونين إضافيين)، وتمتص جميع الكائنات الحية (نباتات أو حيوانات) مادة الكربون-14، وعندما تموت تتوقف عن امتصاصه، ثم يتحلل الكربون-14 المتبقي بمعدل معروف (عمر النصف 5730 عامًا)، وبقياس كمية الكربون-14 المتبقية، يستطيع العلماء تقدير الفترة الزمنية منذ موت الكائن الحي.
لا يُعد التأريخ بالكربون-14 مقصورًا على البشر والحيوانات الأخرى، بل ينطبق أيضًا على بعض الأشياء، مثل الصندل والخبز المتفحم اللذين اختبرهما ليبي في الأصل. فتلك القطع مصنوعة من مواد نباتية، لذلك تنجح هذه الطريقة في تقدير عمر مثل هذه الأشياء. وإذا لم توجد لدينا قطعة ما (مثل إناء فخاري) مصنوعة من مادة عضوية، يتمكن العلماء من تطبيق التأريخ بالكربون المشع على المواد العضوية الموجودة حوله.
كيف حسَّن الكربون المشع عملية التأريخ؟
اكتشف العلماء بعض الجوانب المعقدة في هذه العملية بحلول الستينيات، إذ أدركوا أن كمية الكربون المشع في الهواء قد تتغير بمرور الوقت بسبب النشاط الشمسي، وذلك طبقًا لشرح مانينج. وللتحكم في أثر هذه العوامل، احتاجوا إلى طريقة لمقارنة طريقة الكربون المشع بها، واستقروا في النهاية على حلقات الأشجار.
أتاحت تلك الطريقة الجديدة للعلماء تأريخ الأشياء بصورة مستقلة ودقيقة، وخلقت نهجًا جديدًا لفهم عصور ما قبل التاريخ. فاكتشفوا مثلًا أن الفترة النيوليتية هي أقدم بآلاف السنين مما كان يُعتقد سابقًا.
في أحد الاستخدامات الكبرى والأولية لعملية التأريخ بالكربون المشع في أمريكا الشمالية، اكتشف العلماء في موقع للتنقيب في منطقة نيفادا أن عظام الأشخاص الذين عاشوا هناك تعود إلى فترة زمنية مختلفة تمامًا عن الحيوانات الموجودة هناك، إذ اعتقد علماء الآثار قبلًا بفرضية أن الحيوانات والناس قد تعايشوا هناك معًا، لكن هذه المعلومات الجديدة قدمت جدولًا زمنيًا دقيقًا لما يُعرف الآن باسم نصب تولا سبرينغز المتحجر الوطني.
تقنية جديدة تسمح بتأريخ عينات صغيرة جدًا
بحلول الثمانينيات، عثر العلماء على أداة أخرى فجَّرت ثورة في التأريخ بالكربون المشع وهي المسرع لقياس الطيف الكتلي (AMS)، ومع إن تكلفته مرتفعة تمكن العلماء بفضله من تأريخ الأشياء بدقة أكبر باستخدام جزء بسيط من حجم العينة السابقة.
طبقًا لمانينج: «أصبح بوسعنا تأريخ أي نوع من المواد التي لم تكن متاحة لنا في الماضي، وقد تسبب ذلك بتغيير جذري في القدرة على طرح الأسئلة في علم الآثار والحصول على الإجابة التي تريدها، كأن نسأل: في أي زمن عاش الناس في هذا الكهف بالذات؟». لكنهم لم يتمكنوا من تحديد فترات أطول من مدة عشرات الآلاف من السنين.
تحوّل بعض المجالات باستخدام التأريخ بالكربون المشع:
علم الآثار
ظهر التأثير في مجال علم الآثار فورًا وما زال عميقًا حتى اليوم. فمثلًا كان يعمل مانينغ في أحد المواقع الرئيسية للسكان الأصليين بالقرب من منطقة تورنتو، وكان تأريخ ذاك الموقع مؤكدًا قبلًا بفترة 1500-1530 تقريبًا، لكن عندما استخدم فريقه عينات من المنطقة باستخدام التأريخ بالكربون المشع، اكتشفوا أن الفترة الزمنية كانت في وقت لاحق بحقبة كبيرة، أي عام 1600 تقريبًا.
يعني هذا أن التفاعلات بين الشعوب الأصلية وإدخال السلع الأوروبية حدثت في وقت أحدث بكثير مما كان يُعتقد سابقًا، ولقد دفع هذا إلى عملية إعادة تقييم تلك الفترة في جميع أنحاء شمال شرق أمريكا الشمالية.
علم المحيطات
استخدم العلماء مادة الكربون-14 لدراسة الحياة البحرية، ويتضمن ذلك عوالق الكائنات الحية. وقد تعلموا حتى كيفية تتدفق التيارات المحيطية حول الكوكب بتأريخ آثار الحياة البحرية التي مرَّت عبرها.
علوم المناخ
كان التأريخ بالكربون المشع حاسمًا في فهم دور انبعاثات الكربون في عملية تغير المناخ. إذ يتكون الوقود الأحفوري من نباتات وحيوانات متحللة عمرها يُقدر بملايين السنين، لذلك قد تلاشت مستويات الكربون-14 بالكامل فيها تقريبًا. وعند احتراق الوقود الأحفوري وانطلاقه إلى الغلاف الجوي، يقلل ذلك من مستويات الكربون-14، وهذا بدوره يوفر دليلًا واضحًا على التأثير البشري في البيئة.
التاريخ
إضافةً إلى ما حدث من تغيير في تحول فهمنا لحقبة ما قبل التاريخ، استُخدم التأريخ بالكربون المشع في التحقق من الأحداث التاريخية الأحدث أو تعديلها. استخدم الباحثون هذه التقنية مثلًا لتحديد تسلسل زمني أدق لفراعنة مصر يرجع تاريخه إلى عهد الملك زوسر، الذي بدأ بين عامي 2691 و 2625 قبل الميلاد.
الصحة
يستخدم الباحثون تقنية التأريخ بالكربون لتتبع الأمراض المختلفة، فيستطيعون اليوم مثلًا معرفة متى يبدأ تكوين لويحات الزهايمر في الدماغ، وكيف يعمل العلاج الكيميائي في عملية تقليص السرطان وتطور الأورام.
الطب الشرعي
قدم لنا التأريخ بالكربون المشع أحد الاستخدامات المهمة لإنفاذ القانون أيضًا، إذ ساعد في حل القضايا بدءًا من جرائم القتل وصولًا إلى عملية قطع الأشجار غير القانونية، إضافةً إلى مساعدته على تأكيد وقت الوفاة، والسنة التي قُطعت فيها الشجرة.
اقرأ أيضًا:
ما أسباب انهيار العصر البرونزي؟
أقدم آثار أقدام للبشر في أمريكا الشمالية تعود لآلاف السنين
ترجمة: ماريان رأفت الملاح
تدقيق: محمد حسان عجك
المصدر
كُنا قد تحدثنا في خبر كيف يساهم تأريخ الكربون المشع في كشف أسرار التاريخ القديم؟ - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
0 تعليق