أفاعي سلّوت في ولاية بهلا بسلطنة عُمان - غاية التعليمية

0 تعليق ارسل طباعة

أفاعي سلّوت في ولاية بهلا بسلطنة عُمان - غاية التعليمية

غاية التعليمية يكتُب.. بدأ استكشاف تاريخ سلطنة عُمان الأثري في النصف الثاني من القرن الماضي، وأدّى إلى العثور على سلسلة من المواقع الأثرية تعود إلى أزمنة سحيقة، منها موقع سلُّوت التابع لولاية بهلا في محافظة الداخلية. خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى، منها مجموعة كبيرة من القطع البرونزية النذرية صيغت على شكل أفاع ملتوية، ومجموعة من القطع الفخارية زيّنت كذلك بأفاعٍ مشابهة، وفقاً لتقليد خاص شاع في منطقة شرق شبه الجزيرة العربية خلال العصر الحديدي.

اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.

يمتدّ موقع سلوت على سطح هضبة صخرية تحتلّ الجزء الغربي من بطحاء شاسعة في شمال مدينة بسيا، بين وادي بهلا ووادي سيفم. أشارت بعثة استطلاعية تابعة لجامعة هارفرد إلى هذا الموقع للمرة الأولى في تقرير نُشر سنة 1973، وبعد مرور ثلاثة عقود، عقد مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية اتفاقاً مع بعثة تابعة لجامعة بيزا الإيطالية يقضي بتنفيذ برنامج متكامل للمسح والتنقيب والصيانة الأثرية للموقع. تواصلت هذه المهمة على مدى سنتين، وتجدّدت في السنوات التالية، ومعها ظهرت معالم المدينة الأثرية المطمورة تحت الرمال، وتبيّن أنها تحتضن حصناً دفاعياً ومعبداً خُصص لمهام احتفالية ودينية.

أظهرت الدراسات المتواصلة أن الاستيطان في الموقع والمنطقة المحيطة بدأ في العصر البرونزي المبكر، خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد. تواصل هذا الاستيطان خلال العصر الحديدي بعدما توقف لفترة طويلة، ونما في الحقبة الممتدة من 1400 إلى 600 عام قبل الميلاد، وفيها تم استخدام نظام الأفلاج للريّ. كشفت حملات التنقيب عن مجموعات من اللقى تعود إلى العصر البرونزي، منها مجموعة من الجرار والأواني الفخارية، ومجموعة من الأواني المصنوعة من الحجر الصابوني الأملس، ومجموعة من الأختام ضمّت ختماً مثيراً من بلاد السند. في المقابل، كشفت هذه الحملات عن مجموعات كبيرة مشابهة تعود إلى العصر الحديدي، برز حضور صورة الأفعى بشكل طاغٍ في مجموعة من القطع البرونزية وصلت بشكل كامل، كما في مجموعة مقابلة من القطع الفخارية، وصل مجملها بشكل كسور جزئية للأسف.

تحضر هذه الصورة الثعبانية في أشكال متعدّدة، تشهد لها 5 قطع يمثّل كلٌّ منها نموذجاً فنياً اتّبع في هذا الميدان. تظهر الأفعى في مجموعة كبيرة من القطع البرونزية، منها قطعة طولها 16.9 سنتيمتراً وعرضها 1.3 سنتيمتر، وتمثّل أفعى ملتوية مع قوسين في الوسط، تتميّز برأس مثلث وبشبكة من النقاط تلفّ مجمل القالب البرونزي الذي شكّل مادة لصياغتها. تختزل هذه القطعة نموذجاً شاع بشكل واسع في نواحٍ متعددة من شبه جزيرة عُمان خلال تلك الحقبة، كما تشهد قطع برونزية مماثلة خرجت من مواقع أثرية تعود في زمننا إلى الإمارات العربية المتّحدة وإلى سلطنة عُمان.

تتغيّر هذه الصورة الواحدة في قطعة أخرى من البرونز طولها 23 سنتيمتراً وعرضها 5.5 سنتيمترات، وفيها يبدو بدن هذه الأفعى أعرض وأسمك، وتكسوه شبكة من الدوائر الناتئة. يتكوّن الرأس هنا من 3 كتل، ويتميّز بعينين دائريتين وناتئتين بشكل طفيف. تمثّل هذه القطعة نموذجاً أقل شيوعاً، وتُماثلها قطع خرجت من موقع سيح القاع التابع لولاية الحمراء في محافظة الداخلية، منها قطعة احتلت صورتها ملصقاً خاصاً بمعرض خاص بآثار عُمان أقيم خلال خريف 2022 في متحف الفنون الجميلة في مدينة ليون الفرنسية.

تحضر هذه الأفعى العريضة إلى جانب الأفعى النحيلة المعهودة بشكل نقش ناتئ على قطعة فخارية صغيرة مربّعة احتلّت صورتها غلاف كتاب مرجعي علمي خاص بموقع سلّوت الأثري، صدر عام 2015 في روما وحمل عنوان «في قب عُمان - قصر سلّوت». يبلغ طول هذه القطعة المربّعة نحو 7 سنتيمترات، وتشكّل في الأصل جزءاً صغيراً من آنية يصعب تحديد هويّتها اليوم. تتكرّر صورة الأفعى الملتوية على قطعة جزئية أخرى من الفخار يبلغ طولها 18 سنتيمتراً وعرضها 9 سنتيمترات، ويمثّل هذا النقش الناتئ نموذجاً اعتُمد بشكل واسع في صناعة الفخار، تعدّدت أشكاله وأنواعه في إقليم عُمان القديم بأقطابه المتعدّدة. يظهر رأس الأفعى استثنائياً بشكل مستقل في قطعة منمنمة من سلّوت، ويتميّز هذا الرأس بعينيه الضخمتين وبفمه المفتوح المقوّس.

خرج القسم الأكبر من هذه القطع من معابد، ممّا يشير إلى هويّتها النذرية، غير أن خصائص هذه الهوية تبقى سراً يصعب فكّه في غياب أي نصوص كتابية خاصة به.

ترمز هذه الأفعى على الأرجح إلى الخلود والتجدّد والانبعاث، كما نرى في بلاد ما بين النهرين وبلاد عيلام التي شكّلت امتداداً لها في بلاد إيران القديمة. في العالم السومري، ارتبطت الأفعى بسيّد الإنبات والشجر والعالم السفلي، نينجيشزيدا، ومعنى اسمه رب الشجرة الصالحة. بنى الملك غوديا معبداً خاصاً بهذا المعبود في لكش، ومن هذا المعبد خرج كوب بديع من محفوظات متحف اللوفر يحمل نقشاً يظهر فيه نينجيشزيدا على شكل أفعى، كما تؤكد الكتابة المرافقة لهذا النقش. كذلك ارتبطت الأفعى بصورة إنشوشيناك، المعبود الحامي لمدينة شوشان في عيلام، كما يشير اسمه السومري الأصل، ومعناه «سيد شوشان»، وهو كذلك سيّد العدالة والعالم السفلي، وتُعتبر الأفاعي رموزاً حيوانية له.

يشهد ختام ملحمة جلجامش لهذه الرمزية الخاصة بالأفعى، حيث حلّ هاجس الموت على البطل، فهام على وجهه في الصحراء وهو يقول: «لقد حل الحزن والأسى بجسمي. خفت من الموت، وها أنا أهيم في البوادي». أكمل الملك المفجوع مسيرته، وعبر بحر الأموات، وغاص في الأعماق، وعاد منها بعشبة الخلود، وفي طريق عودته، رأى «بركة ماء بارد، فنزل فيها واستحم بمائها، فتشممت أفعى رائحة النبتة، فتسللت خارجة من الماء وخطفتها، وبينما هي عائدة، تجدد جلدها».

«وهنا جلس جلجامش وبكى»، وقال: «ولمن بذلت دماء قلبي؟ لم أجن لنفسي نعمة ما، بل لحيّة لها التراب جنيت النعمة».

كُنا قد تحدثنا في خبر أفاعي سلّوت في ولاية بهلا بسلطنة عُمان - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.

جميلة الهادي
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق