اليوم العالمي للشعر.. شعلة ضد "العربدة البدائية" و"خدعة الصناعات الثقافية" - غاية التعليمية

0 تعليق ارسل طباعة

اليوم العالمي للشعر.. شعلة ضد "العربدة البدائية" و"خدعة الصناعات الثقافية" - غاية التعليمية

غاية التعليمية يكتُب.. في اليوم العالمي للشعر، أعطى “بيت الشعر في المغرب” الكلمة لشاعرين؛ الشاعر المغربي رشيد المومني، والشاعر الفرنسي جون بيير سيميون، للحديث بالمناسبة تخليدا للذكرى في “يوبيلها الفضّي” أو ذكراها الخامسة والعشرين التي أرستها منظمة اليونسكو عالميا، استجابة لمبادرة “البيت” المغربي للشعر متمّ القرن العشرين.

اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.

شعلة مقدّسة

قال الشاعر المغربي رشيد المومني إن الاحتفاء باليوم العالمي للشعر، “بمثابة دعوةٍ مُترعةٍ بنُبْلِها الثقافي والحضاري للاحتفاء بجوهر الكينونة، بما هي أفُقٌ ممكنٌ، لإبداع عالَمٍ إنسانيٍّ يسوده مبدأ الحق في الوجود، على قاعدة الاعتراف المتبادلِ بالآخر، ضمن الأُسسِ والقيم الحقوقية التي طالما ناضلت شعوب الأرض، وعلى مر العصور، من أجل تكريسها بوصفها ثوابت سامية، لتحقيق فضيلة التفاهم والحوار”.

وأضاف: “الاحتفاءُ باليوم العالمي للشعر هو احتفاءٌ بوهج تلك الشُّعلة المقدَّسةِ، التي حدَث أن أَعلنتْ في فجر الخليقة عن حظوة حضور الكائن في البؤرة المركزية من رحابة وشتاتِ هذا الوجود. حُظوةٌ، يتفرَّد فيها الولَهُ الشِّعريُّ وحده بمُلامسة سحريتها العالية، أكثر من أيَّ وَلَهِ أيِّ جنسٍ معرفيٍّ آخر مُعتَدٍّ بسلطته الفكرية أو الإبداعية”.

الشعر بهذا المعنى، وفق كلمة “البيت”، “بفعل قُدرتِه على استِكناه دواخل الغامضِ والملتبسِ، هو الخَدِينُ التاريخي لجوهر الأسرار البشرية والكونية، ظلاميةً كانت أو تنويريةً، لكونه، وتبعا لذلك، يمتلكُ شيفرة العبور إلى مكامِنها المضمرةِ والمعلنةِ، بموازاة امتلاكِه لشيفرة فضْح كل النوايا الآثمة، المتربصة بشرعية الوجود الإنساني الذي يحق للكائن أن يعتز بها في مداراته المتاهيةِ، ضدًّا على أعداء الحياة”، المهووسين “بإخماد قداسةِ الشعلة وإسكاتِ موسيقى نبضها”.

هذه القرابة هي التي “يستمدُّ منها الشعرُ مصداقية حضوره هنا والآن، بصرف النظر عن الملابسات الجغرافية والحضاريةِ المؤشرة على خصوصية ما اعتبرناه حضُورا”.

ويتابع المومني: “إنّ حركيةَ العالمِ، ومهما أمْعَنتْ في ازوِرارِها الفادِح، الفاضح، والمتوحش عن الأنوار المنبثقة من شعلة الخلق التي تستضيءُ بها كل التشريعات الدينية والأخلاقية والحقوقية بمختلف مرجعياتها المؤسساتية، فإنها ستظل وإلى الأبد، مطاردةً بحضورِ سلطة الشِّعريِّ الذي كان وسيظلُّ جديرا بالحلول في معجزة تجلِّى الكائنِ على صفاء شاشة الوجود. كما سيظلّ في نفس الآن معْنِيًّا بحماية وصيانة دلالات وأَبْعاد هذا التجلي، التي يتعذر على الطغاة والقتلة العبث بقداسته، على غرار عربدتهم البدائية حاليا في تلك الرقعة المستباحة المسمّاة بغزة”، هذه البقعة الفلسطينية يتألّق معها “تلقائيا اسمُ الشاعر الفلسطينى محمود درويش، الذي كان قد خصَّها بأجمل ما جادت به شعريته الخلاقةُ من قصائد”.

بالتالي، مجال حضور الشعر، هو “ذلك الفضاءُ الهادر بأقْصى مستوياتِ التوتر الناتج عن تصاعد وتيرة التَّضادِّ القائمةِ بين مواكبِ الضوء، وجحافل الظلام. وهي الحالة التي تنْكشفُ فيها وبالملوس ملامحُ ذلك الصراع الأبديِّ القائم بين تطلُّع الكائن إلى تكريس حقه الإنساني في ضمان مكانٍ آمِنٍ تحت الشمس، وبين سَدنَة المَحو والإبادة المهووسين بإضرام نيران محارقهم في أوصال كل ما له صلةُ قرابةٍ بحقِّ الكائن في الوجود”.

و”عنف هذا الصراع” هو “الإطارُ الحتميُّ الذي نذَر الشعر جماليته للاستجابة إلى ندائه، بالتَموضُعِ في عمق مُلابساته بكل ما تمتلكه بنياتُه المتفرعةُ والمتشعبةُ من إبدالاتٍ، تتعدّد وتتنوّع معها أنساقُ القول، بما هي اختياراتٌ واستراتيجيات تعبيرية، منذورةٌ لانفتاحها على تخُوم الاختلاف، تلك الواعدة تحديدا بما أمكن من أنوارها”.

منقذ العالَم

الشاعر الفرنسي جون بيير سيميون، في الكلمة التي استكتبه لتوليف كلماتها “بيت الشعر في المغرب”، ونقلها إلى العربية الشاعر والمترجم المغربي منير السرحاني، قال إن الشعر “ليس الزخرفة الجميلة التي نراها عادة، بل التعبير الراديكالي والمستمر عن طريقة وجودنا في العالم والتفكير فيه وفهمه، والتي لها تأثيرات في جميع مجالات الحياة، الاجتماعية والأخلاقية والسياسية”.

وزاد: “الشعر حالة الوعي اليقظ الذي، من خلال التمتع بالمجهول وغير المتوقع، يرفض أي إغلاق للمعنى، أي تلك الأمراض العقلية، المفاهيم الحاسمة، والهويات الثابتة، والتصنيفات بجميع أنواعها التي تقمع الحياة”، فـ”الحركة المستمرة”، “تجعلنا نفوت الواقع كما هو حقيقي، وحسبما يدركه الشاعر والفنان ويعيدان تمثيله: من عمق فاضح ولا نهائي”.

ويقدّر الشاعر أن الوقت قد حان فعلا “لتغيير معنى الجدية، بالنظر إلى الكوارث التي قادتنا إليها بجديةٍ الأيديولوجياتُ بجميع أنواعها حتى الآن، بما في ذلك تلك التي كانت نيتها حسنة”، مما يقتضي “أن نتفق على ما نتحدث عنه عندما نتحدث عن الشعر، ونعيد النظر في الأفكار السطحية والمجردة التي نحملها عنه في وسط العامة، وفي الأوساط المثقفة”.

هذا الشعر “دينامية، شهية غير محدودة للواقع الذي تتساءل عنه في أدق تفاصيله”، وكل قصيدة هي صياغة لهذا التساؤل، وهو باختصار “أمل”؛ فـ”لا شيء ينتهي، تقول القصيدة. فما الذي يؤسس إنسانيتنا إذا لم يكن هذا الوعي الحر بعمق؟ وما الوعي الذي ليس حرًّا اللهم نقيضه، أي الخضوع، بسبب الجبن أو التعب أو التنازل، للتأثيرات المباشرة للواقع وقراءاتنا المفروضة عليه، حيث تكون اللغات المغلقة، لغة التقنيين أو لغة التسلية التافهة، هي الأداة؟”.

وتطرّق سيميون إلى الخضوع الواضح والعامّ اليوم، الذي هو “استسلام يرفض أي مجهول وأي مفاجأة للمعنى (…) لأي شيء آخر”، وهو ما يقدّر أنه “السبب الرئيس للتجرد من الإنسانية في مجتمعاتنا؛ لأن ما يجعل الإنسان منذ البداية إنسانا هو التمرد على أوامر الواقع الموضوعي، وهذا الفهم للآخر الذي ينقذ الفرد من نفسه. كما قال بريمو ليفي: ‘عندما يصبح الآخر عدُوًّا، يتبعه المعسكر'”.

لكن، “ما الذي يمكن أن يخلصنا من هذا؟”، يسترسل الشاعر مجيبا: “معركة ثابتة، حاسمة، يومية، خطوة بخطوة، ضد إغلاق الوعي. وأزعم، نعم، أن في هذه المعركة (هناك) الشعرُ، ليس فقط لما يقوله بل لما هو عليه، ميثاقٌ للحرية غيرِ القابلة للحل، هو إذن سلاح ضروري. وبالتالي فكل قراءة، كل استماع لقصيدة تثبت في كل لحظة أن هناك لغة أخرى، وبالتالي تمثيلات أخرى للعالم ممكنة دائما، وهي فرصة ممكنة أيضًا لإيقاظ الوعي، اعتراضٌ فعلي على التوافقات السامة”، وهو ما دفعه إلى الدعوة إلى “التمرد الشعري”، الذي يمر عبر كل فعل فني، بشرط أن “لا ينحرف عن راديكاليته الشعرية الأساسية، ليخضع إلى معايير الخداع الكبير للصناعات الثقافية، هذه الحيلة الجديدة للبورجوازية الصغيرة للحد من القوة الفرعية للفن”.

الشعر في كلمة الشاعر جون بيير سيميون، هو “بطبيعته العدو المعلن، لأنه لا يهدف إلا إلى إعادة تأسيس الإنسان بشكل دائم في الامتياز الوحيد الذي يميزه: تحرير الوعي البشري من خلال اللغة الإبداعية”، و”لا وجود لمنظور سياسي يمكن أن يخلصنا إذا لم يأخذ في الاعتبار (…) الطاقة التحررية للقصيدة”، التي تقي الانخداع بالأقوال التي “تختزل الواقع في مفاهيم باردة”؛ لأن “القصيدة، المليئة بالحياة الهشة والمَرغوب فيها، هي التذكير المستمر والضروري”. وشعريا، “التفكير في المستقبل ليس حلمًا رقيقًا ومُزينًا بالزهور، بل هو الرغبة المتوافقة مع التمرد المستمر للوعي، الذي وحده يحمي الإنسانية من أن تلتهم نفسها”.

كُنا قد تحدثنا في خبر اليوم العالمي للشعر.. شعلة ضد "العربدة البدائية" و"خدعة الصناعات الثقافية" - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.

جميلة الهادي
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق