هل يمكن للمساعدات إنقاذ الدول من الفقر؟ - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. فى عاصمة مالاوى، إحدى أفقر دول العالم، تعتمد الحياة بشكل أساسى على المساعدات.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
فمدينة ليلونجوى، التى بُنيت فى السبعينيات بتمويل من البنك الدولى، تعج بمقرات الجمعيات الخيرية، ووكالات التنمية، والمكاتب الحكومية.
وتنتشر فى شوارعها المستقيمة قرى غير رسمية تؤوى الطهاة وعمال النظافة الذين يخدمون المسئولين الأجانب؛ إذ تحدد كل قرية بعلم الدولة التى تمولها.
وعلى مدار العقود الخمسة الماضية، توصل صناع القرار إلى توزيع واضح للمهام، لتتولى بريطانيا تمويل المدارس، بينما تدعم اليابان مشاريع الطاقة، وتساند أوروبا الزراعة، فيما تعزز أيرلندا دور النشطاء فى مجال العدالة.
وحتى وزارة الصحة، التى تُدار بأموال صينية، يتم تصنيف مكاتبها وفقاً للجهة المانحة بدلاً من التقسيمات الإدارية، وكثير منها يحمل اسم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
لكن عندما قام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، قبل أكثر من شهر، بتجميد تمويل الوكالة التى توزع أمريكا من خلالها معظم مساعداتها، توقفت أنشطة حيوية بين عشية وضحاها.
ومع أن إعفاءً لاحقاً سمح باستئناف المشاريع «المنقذة للحياة»، لكنه اقتصر على تلك التى حصلت على موافقة دبلوماسيى التنمية المحليين، ومعظمهم كانوا فى إجازة إجبارية.
ونتيجة ذلك، لم يُستأنف العمل فى العديد من المشاريع. ففى مالاوى، توقفت المنظمات المعنية بصحة الأم واللاجئين عن العمل، ولا تتوقع استئناف أنشطتها قبل انقضاء مهلة الـ90 يوماً التى فرضها ترامب، بحسب مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية.
لكن فى الوقت نفسه، كانت هناك مشاريع أخرى توقفت أيضاً، لكنها لم تكن لإنقاذ الأرواح؛ بل لتحقيق هدف آخر، ألا وهو جعل مالاوى أكثر ثراءً.
وقرار ترامب ليس سوى مثال متطرف على اتجاه عام متنامٍ.
ففى 25 فبراير، خفض رئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر، ميزانية المساعدات البريطانية من 0.5% إلى 0.3% من الدخل القومى الإجمالى، مفضلاً إنفاق المزيد على الدفاع.
كما أن فرنسا، التى تُعد ثانى أكبر مانح غربى بعد أمريكا، ستخفض مساعداتها هذا العام بنسبة 35%، فيما تدرس ألمانيا اتخاذ خطوات مماثلة.
وتشير استطلاعات الرأى إلى دعم شعبى واسع لهذه التخفيضات.
ورغم أن معظم الاقتصاديين البارزين، بما فى ذلك العاملون فى صندوق النقد والبنك الدوليين، لا يزالون يؤكدون أهمية الإنفاق التنموى، فإنَّ هذا الإجماع بدأ يضعف؛ حيث يشكك البعض فى مدى جدوى هذه النفقات حقاً. فهل يمكن أن ينشأ شيء أفضل من هذا الفوضى؟
أين تذهب أموال المساعدات؟
أنفقت الدول الغنية العام الماضى 256 مليار دولار (أو 0.4% من ناتجها المحلى الإجمالى) على المساعدات الخارجية، وهو مبلغ يعادل تقريباً إجمالى إيرادات الضرائب التى تجمعها الحكومات فى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.
ومع ذلك، لم يُخصص سوى جزء ضئيل من هذا المبلغ لتمويل المشاريع الثقافية، مثل الجمعيات المؤيدة للديمقراطية، والصحف المستقلة التى يرفضها مؤيدو سياسة «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً».
حوالى ربع المساعدات كانت إنسانية، تشمل الإغاثة فى الكوارث ودعم اللاجئين، إضافة إلى تمويل الرعاية الصحية مثل علاج فيروس نقص المناعة البشرية واللقاحات.
وقد أثارت تخفيضات المساعدات الأمريكية والبريطانية قلقاً بشأن مصير مستحقى هذه الإعانات.
لكن تجميد نشاط الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لم يعطل فقط المساعدات الإنسانية؛ بل شل أيضاً نظاماً ضخماً مخصصاً لتعزيز النمو الاقتصادى؛ إذ تمثل المساعدات التنموية نحو ثلاثة أرباع إجمالى المساعدات الخارجية، وغالباً ما تُستخدم فى دعم الصناعات المفضلة، وتمويل مشاريع البنية التحتية، ودفع أجور المعلمين.
ومنذ استقلالها عن بريطانيا عام 1964، تلقت مالاوى تمويلاً من المنظمات الدولية أكثر مما أنفقته حكومتها على مواطنيها، ويعكس حال العاصمة ليلونجوى طموحات المساعدات التنموية، لكنه يكشف فى الوقت نفسه عن إخفاقاتها.
تأسست وكالات التنمية لدعم المستعمرات السابقة حديثة الاستقلال، مستوحاة من «خطة مارشال» التى أعادت بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بأموال أمريكية.
وفى عام 1961، أسس الرئيس جون كينيدى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بناءً على وعد بأن العالم الأكثر ثراءً سيكون أكثر ازدهاراً وأماناً للجميع، لكن بمرور العقود، أثبتت تجارب التنمية أن ضخ الأموال وحده لا يكفى لجعل الدول الفقيرة أكثر ثراءً.
وفى الأعوام التالية للحرب الباردة، ارتبطت المساعدات الثنائية غالباً بالإصلاحات الديمقراطية.
لكن مع مطلع الألفية، تحولت التنمية نحو نهج أكثر شمولية، وأصبح التركيز على بناء رأس المال البشرى عبر تحسين التعليم والرعاية الصحية.
وبين 2004 و2014، ارتفع الإنفاق على المساعدات بنسبة 75%، وسط تفاؤل بإمكانية تحقيق تقدم حقيقى، كما يشير ستيفان ديركون من جامعة أكسفورد.
لكن الأمور لم تسِر على ما يرام، فمن 2014 إلى 2024، نمت الاقتصادات الـ78 الأكثر فقراً فى العالم بوتيرة أبطأ مما كانت عليه فى العقد السابق لعام 1970، عندما بدأت المساعدات الدولية بالظهور.
وهذا ليس مفاجئاً بالنظر إلى الدراسات السابقة. ففى 2004، وجد وليام إيستريلى من جامعة نيويورك أن المساعدات، بين 1970 و1997، كان من المحتمل أن تؤدى إلى انكماش اقتصادات الدول الفقيرة بقدر احتمال أن تساعدها على النمو.
وبعد عام، أجرى البنك الدولى مراجعة تاريخية لعقود من المساعدات التنموية، وخلص إلى أن المنح والقروض لم تحقق أثراً يُذكر على النمو.
وتوصل صندوق النقد الدولى فى 2019 إلى نتيجة مماثلة، فيما يؤكد تشارلز كينى من مركز التنمية العالمية أنه «لا توجد دولة حققت نمواً حقيقياً بسبب المساعدات».
كل جيل من الإنفاق التنموى فشل بطريقته الخاصة، فالمشاريع المبكرة بنت الكثير من الجسور، لكنها كانت بلا وجهة.
وأظهرت الأبحاث أن ربط المساعدات بالإصلاحات السياسية لم ينتج عنه سياسات أفضل.
وفى عام 2015، وجدت دراسة أن تمويل المدارس والإسكان الاجتماعى لم يؤدِ إلى أى زيادة فى النشاط الاقتصادى المحلي.
هل يمكن أن تكون هناك بدائل؟
يرى العديد من الباحثين أن المشكلة الأساسية للمساعدات التنموية هى أنها لا تملك معرفة حقيقية بكيفية تحفيز النمو الاقتصادى، فمعظم السياسات الغربية تهدف إلى بناء قطاع خاص قوى وتوفير بنية تحتية جاذبة للاستثمار، لكنها فى الواقع تخلق اقتصادات مخططة مركزياً.
فالكثير من المشاريع تهدف إلى إنشاء صناعات كاملة، مثل صيد الأسماك أو الألبان، من العدم، مع وضع أهداف غير واقعية.
فعلى سبيل المثال، فى 2022، مُنح قطاع الصيد فى تنزانيا تمويلاً جزئياً من أمريكا بشرط زيادة الإنتاج خمسة أضعاف خلال 15 عاماً.
فى ظل هذا الواقع، تجد الدول الفقيرة نفسها محاصرة بين الاعتماد على المساعدات والتهرب من الإصلاحات الصعبة التى يطالب بها المانحون.
ففى كينيا وباكستان، يؤدى قبول الإصلاحات إلى احتجاجات شعبية ضد الحكومات، كما أن البيروقراطيات المحلية باتت مخصصة بالكامل لإدارة تدفق المساعدات، حتى أن عدد موظفى مالاوى الذين يعملون على المساعدات يفوق أولئك المسؤولين عن التجارة.
ومن المرجح أن تصبح المساعدات أكثر ارتباطاً بالمصالح الجيوسياسية، فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو، أن «المساعدات الخارجية ليست عملاً خيرياً؛ بل وسيلة لتحقيق مصالح أمريكا».
كما أن بريطانيا دمجت وكالتها التنموية مع وزارة الخارجية فى 2020، فى خطوة تعكس هذا الاتجاه.
ويبدو أن المساعدات الدولية على وشك أن تتحول إلى أداة سياسية بحتة، ما قد يؤدى إلى التخلى عن برامج صحية وتعليمية حيوية.
ومع ذلك، فإن حقيقة أن الحياة العامة فى دول فقيرة مثل مالاوى تتوقف لمجرد قرار من واشنطن، تعكس مدى فشل وليس نجاح النظام الحالى.
كُنا قد تحدثنا في خبر هل يمكن للمساعدات إنقاذ الدول من الفقر؟ - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
0 تعليق