غاية التعليمية يكتُب.. هذه المراجعة خالية من الحرق للحلقتين 1-2 من مسلسل Daredevil: Born Again.

اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.

لقد عاد مات موردوك وأخيراً! بعد انتظار دام لأكثر من 6 سنوات، عاد بكل ما يحمله من عظمة وجاذبية افتقدناهما منذ أن شاهدنا الحلقة الأخيرة من الموسم الثالث في أكتوبر 2018. لا، أنا لا أتحدث عن ديرديفل/مات موردوك الذي ظهر بمزاج مشرق وروح خفيفة خالية من الهموم في مسلسل She-Hulk (رغم أننا نرى هذا الجانب منه في الدقائق الأولى من الموسم الجديد)، ولا حتى مات موردوك الذي رأيناه بلمحة سريعة سواء في فيلم Spider-Man: No Way Home أو في مسلسل Echo، بل ذاك المحامي/المقتص السوداوي الذي رأيناه ووقعنا في حبه خلال 39 حلقة من مسلسل Daredevil و 10 حلقات من مسلسل The Defender على نتفليكس. هذه العودة تحمل معها كل ما جعلنا نعشق الشخصية من قبل: العمق النفسي، الصراعات الداخلية، والإصرار على تحقيق العدالة بطرقه الخاصة. إنها عودة تذكرنا بكل الأسباب التي جعلت Daredevil واحداً من أكثر المسلسلات تأثيراً في عالم الأبطال الخارقين.

بالطبع لا يكفي أن يحافظ المسلسل على الشخصيات والأجواء العامة لكي يضمن النجاح، بل يحتاج إلى قصة قوية تتمكن من الحفاظ على إرث ديرديفل. ويمكنني أن أقول بثقة كاملة الآن أنني سعيدة جداً أنهم قاموا بإعادة تجديد المسلسل من الناحية الإبداعية بالكامل، لأن النتيجة النهائية التي حصلنا عليها كانت أفضل حتى مما كنت آمل، على الأقل في أول حلقتين منه، واللتان تعطيانا فكرة عما سنحصل عليه في الحلقات السبع المتبقية من هذا الموسم.

يبدأ المسلسل مع شارة بداية رائعة تمتزج فيها الموسيقى مع التصميم البصري بشكل يروي قصة دون كلمات. ومع تصاعد الألحان، نشاهد سلسلة من المشاهد الرمزية التي تعكس الانهيار الكامل لعالم مات موردوك، يبدأ الأمر بتحطم قناع ديرديفل، رمز هويته المزدوجة، ثم يمتد الدمار ليشمل تمثال العدالة، وتمثال الحرية، في إشارة إلى فقدانه لإيمانه بالقانون والعدالة، قبل أن نرى مدينة نيويورك نفسها تتداعى، وكأنها تعكس انهيار حياته بالكامل. وتطال التشققات حتى ويلسون فيسك (كينغ بين) عدوه اللدود، مما يلمّح إلى التغيرات العميقة التي ستطال الجميع. لكن في خضم هذا الدمار، ومن وسط الأنقاض، ينهض ديرديفل من جديد، في تجسيد حيّ لعنوان المسلسل Born Again (الذي يعني: الولادة من جديد) والذي يستلهم من واحدة من أعظم قصص مارفل المصورة التي تحمل الاسم نفسه من تأليف الأسطورة فرانك ميلر. وفي حين أن المسلسل قد لا يقتبس القصة تماماً، إلا أنه في القصة الأصلية، ينهار مات موردوك بالكامل بعد أن يكشف كينغ بين هويته الحقيقية ويدمر حياته، مما يدفعه إلى حافة الجنون واليأس قبل أن ينهض أقوى من أي وقت مضى. كل هذه المشاهد تتكامل مع موسيقى تصويرية جديدة مذهلة، تمزج بين اللحن الشهير لمسلسل ديرديفل وبين نغمات ملحمية جديدة ترافقها أصوات أوبرالية كنسية، تضفي إحساساً بالرّهبة والعظمة، وكأنها تعلن عن ولادة جديدة للبطل، وعن معركة أعظم ستحدد مصيره ومستقبله في عالم مارفل.

قبل أن نغوص في تفاصيل المسلسل، يمكنني أن أطمئنكم أن طاقم العمل حرص على تقديم Born Again كقصة مستقلة بذاتها، بحيث يمكن لأي مشاهد جديد متابعته دون الحاجة إلى العودة للمواسم السابقة. ورغم أنه يُعد استمرارية لمسلسل نتفليكس إلى درجة أن فينسنت دونوفريو وصفه بـ"الموسم الرابع"، إلا أن الأحداث مصممة لتكون مفهومة للجميع. لكن إن كنتم تريدون نصيحتي، فإن مشاهدة المواسم السابقة ستجعل التجربة أكثر تأثيراً. فهناك لحظات محورية في أول حلقتين تؤثر بشكل كبير على مات موردوك ومسار القصة، وسيشعر عشاق المسلسل المخضرمون بوقعها العاطفي أكثر من غيرهم ذلك لأنهم أحبوا الشخصيات الرئيسية في المسلسل الأصلي وتعلقوا بها لدرجة أن أي أحداث سيئة تصيبهم تترك أثراً أعمق عليهم. لذا، في حين يمكنكم الاستمتاع بالمسلسل الجديد بمفرده، فإن العودة إلى المواسم السابقة ستجعل التجربة أكثر ثراءً وعاطفية.

تبدأ أحداث المسلسل بعد 5 سنوات من المسلسل الأصلي، حيث تستعرض اللقطات الأولى شوارع المدينة والأصدقاء الثلاثة فوغي وكارين ومات لا زالوا سوية كما تركناهم آخر مرة، سعداء... منسجمين... محبين... تركوا الهموم وراءهم. حيث يضم المسلسل العديد من الشخصيات العائدة أبرزها فوغي (إيلدن هينسون)، وكارين (ديبرا آن وول)، ومات (تشارلي كوكس)، وفيسك (فينسينت دونوفريو)، وفرانك كاسل (جون بيبرنثال)، وبوينديكستر/بولز آي (ويلسون بيثيل). إلى جانب شخصيات نتعرف عليها للمرة الأولى، أبرزها المقتص الجديد وايت تايغر (الراحل كامار دي لوس ريس الذي توفي قبل حوالي شهرين فقط)، والشرير الجديد ميوز، والصحفية بي بي يوريك (ابنة شقيق بين يوريك) (جينيا والتون)، وهيذر غلين (مارغريتا ليفيفا)، وكريستن ماكدافي (نيكي ميتشل جيمس). كل هذه الشخصيات تلعب دوراً محورياً في أول حلقتين، باستثناء بعض الشخصيات التي لم تظهر بعد لكن لن نحرقها عليكم الآن.

تسير أول حلقتين بوتيرة جيدة، فلا نشعر بأي تباطؤ بالأحداث، وفي نفس الوقت يأخذ المسلسل وقته لترسيخ كل شخصية لنعرف تماماً أين مكانها الآن بعد كل هذا الوقت، أو لتعرفنا على الشخصيات الجديدة. وفي حين نتمتع للدقائق الأولى بأجواء إيجابية ونرى صديقنا أخيراً يعيش بسعادة متجاوزاً الهموم التي كان يحملها على عاتقه طوال المواسم السابقة، إلا أن المسلسل لا يأخذ وقتاً طويلاً حتى يأخذ منعطفاً سوداوياً للغاية يدفع مات موردوك إلى حافة الانهيار من جديد. وكما هي العادة، يجد مات نفسه في صراع شديد الصعوبة حيث يقاوم جانبه الآخر بكل ما يستطيع.

بالطبع لا يسعنا الحديث عن مسلسل Daredevil من دون الحديث عن المشاهد القتالية. ولا يجعلنا Born Again ننتظر كثيراً حتى يقدم لنا أول مشهد قتالي تم تصويره بلقطة سينمائية واحدة، حيث نرى ديرديفل يقاتل شريراً رئيسياً في مشهد يمتد على أكثر من 4 دقائق من لقطة واحدة مستمرة، مع الكثير من الدموية والوحشية، والتصاميم القتالية الرائعة، والموسيقى التصويرية المثيرة، مع حدث محدد على المحك يجعلنا نشاهد بترقب وخوف ما الذي ستؤول إليه الأمور. إنه تماماً ما يريده المعجبون، و Born Again يقدم لنا ما نريد. والأمر الأروع من ذلك هو أن مات حصل على ترقية في عتاده الآن، حيث نراه يتنقل فوق الأسطح بأسلوب سبايدرمان تماماً، مستخدماً عصاته التي تتحول إلى حبل للتأرجح بين الأبنية بطريقة أقرب بكثير للقصص المصورة مما رأيناه من قبل، سواء من حيث تصميم الأزياء والعتاد أو من حيث الأجواء السوداوية المؤلمة، لا أطيق الانتظار لرؤيته يتعاون مع سبايدرمان في عمل قادم!

إنه مسلسل أبطال خارقين لكنه يحافظ على الواقعية لدرجة أننا نسى أننا أمام أبطال يملكون قوى بشرية خارقة، حيث أنه مسلسل على مستوى الشارع، لا معارك خارقة فضائية ولا أبطال يطيرون ولا مؤثرات بصرية ضخمة، إنه مسلسل يسلط الضوء على معاناة الإنسان العادي من عواقب كل ما يفعله الأشرار. كيف يتأثر البشر العاديون من أحداث رئيسية رأيناها في عالم الخارقين والتي يتم وضعها بالخلفية لصالح تسليط الضوء على المعاناة البشرية. وطريقة الإخراج رائعة للغاية، يتم فيها استخدام لقطات مقربة خاصة عندما يحاول مات أن يستمع جيداً لمحيطه مما يجعلنا نشعر تماماً بما يسمعه وكأننا هناك معه.

أما من ناحية فيسك، فقد كانت آخر مرة رأيناه فيها بمسلسل Echo، عندما حاربته مايا لوبيز بالحب بدلاً من الحرب، عندما قامت "بعلاج" قلبه الأسود وجعلته يرى الحياة من جانب آخر تماماً. أدى ذلك إلى تحطمه لعدة شهور حسب كلامه، حيث اعتزل ليلملم شتات نفسه. ومنذ اللحظة الأولى التي يظهر فيها في Born Again، يبدو أن المسلسل يريد إقناعنا بأنه تغير حقاً. الطريقة التي تم تصويره بها في أول لقطة (حيث يظهر بالمقلوب) ليست مجرد اختيار بصري عشوائي، بل أسلوب إخراجي ذكي يوحي بأن عالمه انقلب رأساً على عقب. ينعكس وجهه على الطاولة، وفوقه ضوء دائري يبدو في انعكاس الزجاج وكأنه هالة ملائكية، مما يضفي على المشهد بُعداً رمزياً عميقاً دون الحاجة إلى أي حوار. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تغير فيسك حقاً؟ في هذا المشهد، لم يصبح العمدة بعد، لكنه يصرّح لـفانيسا بأنه يريد أن تكون جميع أعماله قانونية. فهل يعني ذلك حقاً؟ أم أن كينغ بين الذي نعرفه لن يستطيع مقاومة العودة إلى طريقه القديم، مهما حاول؟

تبدأ الأحداث لاحقاً بالكشف لنا عن الطريق الذي يسير عليه فيسك، لكن مات موردوك لا يستطيع ببساطة الوثوق بوعوده حول جعل نيويورك مدينة أفضل. وكما رأينا في العروض الترويجية، يقرر مات مواجهة فيسك شخصياً ليذكّره بأنه ما زال هنا، وأنه لن يسمح له بالعبث بالمدينة دون رقابة. كان اللقاء بينهما من أروع المشاهد في هاتين الحلقتين، حيث جاء الحوار متزناً ومشحوناً بالتوتر بين الطرفين، بدا فيسك هادئاً، متمسكاً بوعده بالحفاظ على سرية هوية ديرديفل، بينما يعطيه مات فرصة لإثبات أن نواياه حقيقية. لكن التهديد كان متبادلاً، ففي حين توحي لهجة مات بأنه مستعد لإيقافه عند حده إن كان يكذب، ترتكز حملة فيسك الانتخابية بالكامل على محاربة المقتصّين للعدالة أمثال ديرديفل، مما يجعل المواجهة بينهما أكثر تعقيداً وخطورة. ولا داعي لذكر مدى الإبداع الذي قدمه كل من تشارلي كوكس وفينسينت دونوفريو في هذا المشهد، الأول متجسداً في سوداوية مات وسعيه الدؤوب لتحقيق العدالة، والثاني بشخصيته المهيبة وصوته الرخيم الذي يبعث القشعريرة في كل من يواجهه. إنها مواجهة تجمع بين القوة والصراع النفسي العميق، مما يجعلها واحدة من أكثر اللحظات قوة حتى الآن.

رغم أننا لا نزال في بداية الطريق، فإن أول حلقتين من المسلسل تجاوزتا كل التوقعات، مقدمَتين تجربة مشوقة ومليئة بالتفاصيل التي تعكس مدى العناية والحب الشديدين اللذين وُضعا في هذا العمل. لا توجد أي انتقادات تُذكر، سوى أنني أردت المزيد... فلم أشبع بعد من هذا العالم الذي طال انتظاري للعودة إليه. وإن كانت هاتان الحلقتان مؤشراً لما ينتظرنا في بقية الموسم، فلا شك أننا على موعد مع أحد أفضل المسلسلات لهذا العام. بعد أكثر من ست سنوات من الترقب، لا أطيق الانتظار لمتابعة رحلة مات موردوك/ديرديفل حتى النهاية، ومعرفة كيف ستتطور هذه القصة سواء بالمسلسل نفسه أو في عالم مارفل السينمائي الأوسع.