ما وراء النتائج الظرفية.. قراءة في الدبلوماسية المعقدة - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. لا يمكن تقييم الإنجازات في المجال الدبلوماسي وفق المنطق الثنائي 1 أو 0، حيث إن النتيجة ليست دائمًا مطلقة أو فورية. فالدبلوماسية مجال معقد للغاية يتطلب فهمًا عميقًا للديناميكيات وللسياقات السياسية، والتوازنات الجيوسياسية، والتفاعلات المتداخلة بين الفاعلين الدوليين والإقليميين.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
تُبنى النجاحات الدبلوماسية على مراحل تدريجية تتطلب صبرًا استراتيجيًا ومرونة ورؤية استشرافية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وقد لا تظهر نتائجها بشكل مباشر أو ملموس. فتأمين دعم لموقف معين، أو تحقيق توافق مبدئي في قضية حساسة، أو حتى منع تصعيد أزمة، كلها تعد إنجازات دبلوماسية رغم أنها قد لا تُترجم فورًا إلى قرارات نهائية أو تغييرات ملموسة على الأرض وقابلة للتواصل عنها في المجال العام.
تُعد انتخابات المفوضية الإفريقية إحدى الساحات التي تعكس التعقيدات الدبلوماسية في قارة ترزح تحت وقع الهشاشة الديمقراطية والمؤسساتية وضعف الحكامة وتواجه تحديات كبيرة في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في ظل مؤشرات اجتماعية واقتصادية متدنية.
انتخابات المفوضية هي محطة من ضمن محطات متعددة في الأجندة الإفريقية تتأثر نتائجها طبعا بالتحالفات الإقليمية، وبعوامل داخلية قارية صرفة وأخرى خارجية في عالم اللايقين والتغير السريع والتحديات الضاغطة. تتجاوز انتخابات المفوضية الإفريقية الأبعاد التقنية إلى أبعاد سياسية ومعايير أكثر تعقيدًا قد يتداخل فيها الظاهر وغير المعلن.
تعكس الانتخابات داخل الاتحاد الإفريقي تنافسًا واضحًا بين الدول والأقاليم الجغرافية للقارة، حيث تسعى كل منطقة إلى تعزيز حضورها في مراكز صنع القرار. وتبرز هنا التحالفات بين دول شمال إفريقيا، غرب إفريقيا، شرقها وجنوبها، والتي غالبًا ما تتغير وفقًا للرهانات السياسية والمصالح الاقتصادية والأمنية واعتبارات أخرى. في هذا السياق، تلعب التحركات الدبلوماسية دورًا حاسمًا في بناء التحالفات، والتفاوض حول الأولويات الاستراتيجية، وضمان تمثيل المصالح الوطنية والإقليمية داخل هياكل الاتحاد الإفريقي. لذلك، فإن قراءة نتائج هذه الانتخابات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار السياقات العامة، وليس فقط النتائج النهائية.
يأتي ترشيح المغرب لمنصب نائبة رئيس المفوضية الإفريقية في سياق ديناميكية دبلوماسية متصاعدة تعكس الرؤية الاستراتيجية للمملكة داخل الاتحاد الإفريقي. فمنذ عودته إلى المنظمة القارية سنة 2017، عزز المغرب حضوره في مختلف أجهزة الاتحاد، مستندًا إلى مقاربة تقوم على باراديغمات التعاون الاقتصادي، والتكامل الإقليمي، والمساهمة الفاعلة في القضايا الحيوية للقارة.
لم يتمكن المغرب من الظفر بمنصب نائبة رئيس المفوضية الإفريقية، لكن قراءة هذه النتيجة بمعايير الربح والخسارة المباشرة قد تكون اختزالًا مفرطًا للدبلوماسية الجادة والمتعددة الأبعاد التي يعتمدها المغرب داخل القارة. فالحصول على منصب داخل هياكل الاتحاد الإفريقي ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة من بين وسائل أخرى ضمن مسارات متعددة لتعزيز الحضور والمساهمة في الدينامية القارية.
نتيجة الانتخابات لا تعني غياب التأثير المغربي قاريا أو تراجعه دبلوماسيًا، أبدا فلقد حصل المغرب على عدد مهم من الأصوات وذلك بعين الاعتبار حداثة عودته إلى الاتحاد إذ حصل على 22 صوتا (من أصل 54) وكان من الممكن تحصيل ستة أصوات إضافية لولا منعها من حق التصويت بسبب عقوبات مرتبطة بأوضاعها وأنظمتها السياسية.
السؤال الذي من الواجب طرحه هو: ماذا لو لم يقدم المغرب ترشيحه للمنصب؟
طرح هذا السؤال يقودنا إلى إعادة تقييم الخيارات الاستراتيجية للمغرب داخل الاتحاد الإفريقي، بعيدًا عن منطق الفوز أو الخسارة. فقرار تقديم الترشيح لم يكن مجرد خطوة نحو شغل منصب إداري، بل كان رسالة دبلوماسية تعكس قدرة المملكة على التنافس وإرادة في تعزيز حضورها داخل المنظمة القارية.
لو لم يقدم المغرب ترشيحه، لما خضع توازن القوى داخل الاتحاد الإفريقي لنفس الاختبار. وجود ترشيح مغربي كشف مدى تفاعل الدول الإفريقية مع الترشيح، وأبرز مكامن القوة والتحديات التي تواجه المغرب في بناء تحالفات أوسع داخل الاتحاد. عدم الترشح من لدن فاعل مؤثر في القارة حول منصب مخصص لدول شمال إفريقيا كان من الممكن أن يُفسَّر على أنه عدم رغبة في الانخراط في المسار المؤسسي للاتحاد. في حين أن الترشح أكد التزام المغرب بمسار تعزيز حضوره في القارة.
المغرب لم يكن بحاجة إلى هذا المنصب لتأكيد وزنه داخل القارة، فمبادراته الكبرى، مثل المبادرة الملكية من أجل الأطلسي، تشكل أدوات أكثر تأثيرًا في صياغة السياسات الإفريقية مقارنة بمنصب إداري داخل المفوضية. ومع ذلك، فإن الترشح كان استراتيجيا على أبعاد تتعدى المنصب. المبادرة الملكية من أجل الأطلسي إطار جديد لتعزيز التعاون جنوب جنوب، وتعميق العلاقات بين دول الساحل والأطلسي. هذه المبادرة تشكل ركيزة أساسية للدبلوماسية المغربية في القارة، حيث تعكس رؤية شمولية للتعاون الإفريقي، تتجاوز الأطر التقليدية نحو شراكات أكثر ديناميكية تشمل المجالات الاقتصادية، والأمنية، والبيئية والتزامًا مغربيًا طويل الأمد بدعم التكامل الإفريقي، من خلال مشاريع ملموسة تعزز الاستقرار والتنمية المستدامة، والمساهمة في إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في القارة، عبر التركيز على الفضاء الأطلسي الإفريقي كقاطرة للنمو والتعاون الإقليمي.
إن الدرس الأهم من هذه الانتخابات ليس النتيجة، بل استشراف الخطوات القادمة لتعزيز حضور المغرب في مراكز التأثير الحقيقية داخل القارة، مع التأكيد على أهمية انخراط ودعم قدرات الفاعلين الآخرين في المجال الديبلوماسي لتمتين الحضور المغربي وعلاقات الصداقة والتعاون في الفضاءات الإفريقية المختلفة.
كُنا قد تحدثنا في خبر ما وراء النتائج الظرفية.. قراءة في الدبلوماسية المعقدة - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
0 تعليق