غاية التعليمية يكتُب.. @raedaahmed
لطالما كنت أتباهى بسرعة قدرتي على إنجاز الأمور من الواجبات والمسؤوليات وغيرها من المهام المتنوعة، بل كنت أعدّها وسامًا يُميزني عن الآخرين، وأشعر بالزهو كلما سبقت الجميع إلى وجهتنا أو أنهيت مهامي في وقتٍ قياسي مقارنة بهم.
كنت دائما أؤمن بأن السرعة في الإنجاز تعتبر مهارة العظماء، وأن العالم لا ينتظر المتباطئين. لكنني مؤخرًا وجدت بأنني في مواجهة غير متوقعة مع التأني.. وكأن الحياة قد أبطأت من خطاها عمدًا، وأشارت لي بلطف بأن : “تمهّلي يا رائدة " فجأة، بدأت أتساءل: لماذا كل هذا الركض؟
السرعة مطلوبة في انجاز المحام وبلوغ المستهدفات خاصة حين يتعلق الأمر بالتخطيط الاستراتيجي الذي يعتمد على مراحل ذات ابعاد زمنية محددة تلتقي مع عدة عومال للإنجاز وما يترتب عليه من مراحل مقبلة، ولكن رغم كل ذلك فإن السرعة أحيانًا تخذلني رغم بريقها.. فهي قد حرمتني لذة الانتظار، ومتعة الترقب، وسحر الخطوات المتأنية التي تتيح للعقل أن يتذوق اللحظة، وللقلب أن يمتلئ بها. حتى أن أحدهم سألني يومًا: “هل أخذ الله الصبر من قاموسك؟” ومنذ ذلك الحين، بدأت أدرّب صبري على قلة صبري .
سريعة هي أيامنا، نأكل بسرعة، ونمضي بسرعة وكأننا في سباق لا نعرف وجهته. تمر الشهور متلاحقة، ثم يأتي رمضان، يقول لنا: “تمهّلوا..”. فجأة، يصبح للطعام توقيت، وللنوم مواعيد، وللأعمال أولويات. الإيقاع يتغير، والإحساس يتعمق، والتريث يبدأ من لحظة الإمساك عن الطعام، وكأننا ندخل زمنًا وبعدًا آخر. يصبح للوقت إيقاع مختلف، بطيء لكنه مليء بالسكينة.
التأني والبطء يجعلنا نرى ما لم نكن نراه في السرعة، نشعر بما لم ننتبه له، ونعيش اللحظات بتفاصيلها.
في إيطاليا الساحرة بلدة تدعى “برا” وهي القريبة من مدينة تورينو؟ هناك، وُلدت حركة “الطعام البطيء”، وصدر قانون رسمي يحكم البطء، حيث أُعيدت صياغة الحياة الحضرية وفقًا لمبدأ: المتعة قبل الربح، والإنسان أولًا، والبطء قبل السرعة.
البهجة الحقيقية ليست في الركض، بل في تحقيق السكون وسط الفوضى، والتريث وسط العجلة، والاستمتاع وسط الزحام.
يقول كارل أونوريه:
“البطء ليس تراجعًا، بل استعادة للحياة”.
رمضان مبهج ومليء بالسكينة