أمننة المخاطر - غاية التعليمية

0 تعليق ارسل طباعة

أمننة المخاطر - غاية التعليمية

غاية التعليمية يكتُب.. يُحدّد الخبراء الأمنيون، كما مدرسة كوبنهاغن، تعريف «الأمننة» Securitization على الشكل التالي: «إنها عمليّة إعادة تصنيف مسألة ما، من كونها سياسيّة بحتة، إلى عدّها خطراً أمنيّاً. وبذلك، تُشير عن الدولة استعمال كل الوسائل المتوفّرة لديها لدرء هذا الخطر، ضمناً القوّة العسكريّة». قد تحصل هذه العملية على صعيد الدولة، كما على صعيد سلوك الفرد في كيفيّة تعامله مع محيطه.

اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.

إذا عجزت الدولة عن إعادة تصنيف المخاطر لفترة طويلة، عن قصد، عجز، أو عن جهل؛ فإن هذه التراكمات سوف تشكّل لاحقاً مخاطر تتعلّق مباشرة بديمومة الكيان. وكي يُعاد التصنيف من السياسي إلى الأمني، فلا بد من توفّر المعلومة (Intelligence) عن هذه المخاطر. وهنا يظهر دور المؤسسات الأمنية، خصوصاً الاستخبارات، العسكرية منها كما المدنيّة. فمهمة الاستخبارات في جوهرها هي المساعدة في رسم السياسات، التخطيط وإدارة العمليات، وذلك بالإضافة إلى بناء القدرات العسكرية التي تتناسب مع الخطر المُنخيّل.

لكن عملية تغيير التصنيف هي عمليّة من الممكن أن تسير بالاتجاهين. فكما تمّ تغيير التصنيف من السياسيّ إلى الأمنيّ. فقد يمكن الانتقال من الأمنيّ إلى السياسيّ أيضاً. على سبيل المثال، عندما يتم توقيع معاهدة سلام بين بلدين عدويّين.

يؤكّد بعض الخبراء، على أنه تجب المحافظة على توازن معيّن بين الأمننة والسياسة. فكثرة السياسة على حساب الأمننة، قد تعني مفاجآت استراتيجيّة من العيار الثقيل وتهديدات للأمن القومي. كما أن طغيان الأمننة على حساب السياسة، قد يؤدّي إلى طغيان المؤسسات الأمنية على حساب المؤسسات السياسيّة، إلى درجة ذوبان هذه الأخيرة بالأبعاد الأمنية.

لا تقتصر عملية «الأمننة» على البُعدين السياسي والعسكري. لا، بل هي تنطبق على الأبعاد الاقتصادية، الاجتماعية وحتى البيئيّة، وضمناً الهجرة غير الشرعيّة.

بعض الأمثلة التاريخيّة

لم تعِ الولايات المتحدة الأميركية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي خطر المنظمات من خارج إطار الدولة، (Non State Actors) التي كانت في وقت من الأوقات أداة طيّعة بين يديها في الحرب الباردة ضد السوفيات. اعتبرتها خطراً هامشيّاً، تمكن معالجته على أنه تهديد أمني لم يرتق إلى مستوى الخطر الاستراتيجيّ. كانت كارثة 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ليرتقي خطر هذه المنظمات إلى البعد الجيوسياسيّ. وعليه، «أمننت» أميركا الخطر الإرهابي ليعلن بعدها الرئيس بوش الابن «حربه الكونيّة على الإرهاب». لا تزال آثار «أمننة» الولايات المتحدة للإرهاب الجديد ظاهرة للعيان في سلوك العم سام، إن كان عبر اللوائح التي تصنف بعض اللاعبين على أنهم إرهابيون، أو إن كان عبر العقوبات المفروضة على الكثير من الكيانات.

أخطأت إسرائيل مرتيّن في تغيير التصنيف السياسي لسلوك أعدائها إلى «الأمننة». كانت المرّة الأولى في المفاجأة الاستراتيجيّة لحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973. أما المرّة الثأخرى فكانت في مفاجأة 7 أكتوبر 2023 في قطاع غزّة. كانت مؤشرات الحرب على إسرائيل ظاهرة في الحالتين. لكن هذه المؤشرات كانت مُشتتة، وليست موضوعة في إطار مفهوم يُلزم صنّاع القرار إعادة تصنيف الخطر من السياسة إلى «الأمننة». في هذا الإطار، يرى الخبراء الأمنيون أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيليّة (أمان)، هي اللاعب الأهم في تغيير التصنيف لأي خطر ما.

عدّت «أمان» في حالة مفاجأة 7 أكتوبر أن حركة «حماس» تم ردعها. وجلّ ما يهمها هو استمرار حكمها للقطاع، وبالتالي تحسين معيشة الغزيين. وفي الإطار نفسه، رأت «أمان» أنه لا يمكن لمصر الهجوم على إسرائيل قبل تحقيق التفوّق الجويّ حتى بعد إغلاق مصر لمضايق تيران. وفي الحالتين، أخطأت «أمان».

إذن، بعد 7 أكتوبر تبيّنت المعطيات التالية: لم تكن حماس «مؤمننة» بصفتها خطراً أساسياً على إسرائيل. في المقابل، تبيّن بعد بدء العملية العسكرية المباشرة على «حزب الله»، أن إسرائيل كانت مستعدّة للحزب، وهو كان في سلّم الأوليّات الأمنيّة. والدليل على ذلك هو عملية أجهزة الاستدعاء (Pagers)، كما استهداف القيادات ومن كل المستويات. وبعد تدخّل الحوثيين في الحرب، بدّلت إسرائيل تصنيفهم من السياسي إلى الأمنيّ، كما نفّذت ضدّهم غارات جويّة.

بعد أن عرض الرئيس ترمب مشروع نقل الغزّيين إلى الأردن ومصر. حرّك هذا الأمر الخطر على الأمن القومي للبلدين. فغيّرت مصر من انتشارها العسكري في شبه جزيرة سيناء؛ الأمر الذي أثار الرعب لدى الحكومة الإسرائيلية. وبذلك، تكون مصر قد بدأت ترى تغييراً في روحية اتفاق كامب ديفيد من السياسي إلى الأمنيّ. وإذا لم تنجح الدبلوماسيّة في خفض التوتّر، فقد تعمد إسرائيل أيضاً إلى تغيير تصنيف المعاهدة مع مصر من السياسي إلى الأمني.

واخيراً وليس آخراً، يريد الرئيس ترمب وقف الحرب الأوكرانية. كما يريد إعادة تأهيل روسيا. وحدد لذلك، وحسب وزير خارجيته ماركو روبيو، مخططاً يرتكز على ثلاث نقاط مهمة، هي: إعادة العلاقات بين البلدين. وقف الحرب الأوكرانية. والعمل على تحسين العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، الاستراتيجيّة كما الاقتصادية. يُصنّف هذا المخطط وبامتياز على أنه يسعى إلى إعادة روسيا إلى السياسة بعدما كانت «مؤمننة».

في الختام، وإذا كان المفكّر البروسيّ كارل فون كلوزفيتز قد قال: «الحرب هي السياسة بوسائل أخرى»، فقد يمكن القول إن «الأمننة» هي أيضاً السياسة بوسائل أخرى. لكن السؤال الأهم يبقى في كيف يتصرّف الأضعف، ومن معه الحق والقانون، عندما يُحدد الأقوى «أمننة» بعض المسائل على حساب الأضعف؟ وإذا كان الحق دون قوّة هو عجز، فإن القوة دون حق هي طغيان؟

كُنا قد تحدثنا في خبر أمننة المخاطر - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.

جميلة الهادي
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق