وجهة نظر: قانون الدَّين العام في الكويت... ضرورة اقتصادية أم فخ مالي؟ - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. تمرُّ مالية الدولة بمرحلة اقتصادية دقيقة تتطلب قرارات جريئة ومدروسة. مع استمرار العجز المالي وارتفاع حجم الإنفاق الحكومي، بات إقرار قانون الدَّين العام مسألة وقت، ولم يعد النقاش مطروحاً حوله، بل حول كيفية توظيفه لخدمة الاقتصاد وتحقيق الاستدامة المالية، فالاقتراض ليس حلاً بحد ذاته، بل أداة يجب استخدامها بحكمة، فإن لم يكن مصحوباً بخطة إصلاحية واضحة، فقد يتحوَّل إلى عبء يُفاقم الأزمة، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض مستقبلاً، ويُضعف الاستقرار المالي للدولة.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
علينا أولاً أن نعترف بأننا نعيش في تجربة اقتصادية استثنائية، فالكويت هي الدولة الوحيدة في العالم التي توظف أكثر من 80 في المئة من مواطنيها، فيما تعتمد ميزانيتها على مصدر وحيد، وهو النفط، في حين يشكِّل المواطنين أقلية سكانية. ما يزيد الوضع تعقيداً أن 80 في المئة من الميزانية تُنفق على الرواتب والدعومات، مما يجعلها غير مرنة في مواجهة الأزمات والتقلبات الاقتصادية.
ومع تراجع أسعار النفط، تفاقم العجز المالي، ليصل إلى 6.3 مليارات دينار، وهو ما يُضعف قدرة الحكومة على الاستثمار في مشاريع تنموية. في ظل ذلك، فإن أي اقتراض جديد دون استراتيجية واضحة لن يكون سوى حلٍّ مؤقت قد يُفاقم المشكلة بدلاً من معالجتها، فالعجز المالي لم يعد مجرَّد تحدٍّ قصير الأجل، بل تحوَّل إلى أزمة تتطلب إصلاحات جذرية تضع الاقتصاد على مسار أكثر استدامة.
نعود للتساؤل: متى يكون الاقتراض حلاً؟ ومتى يصبح خطراً؟ حينما اقترضت سنغافورة وألمانيا لتمويل المشاريع الرأسمالية والابتكار، تمكنتا من تحقيق نمو اقتصادي مستدام وزيادة الإنتاجية. أما حينما استخدمت اليونان الديون لتمويل الرواتب والإنفاق الجاري، دخلت في أزمة ديون خانقة استمرت لعقد كامل، مما اضطرها إلى فرض إجراءات تقشفية صارمة أثرت سلباً على الاقتصاد ومستوى معيشة المواطنين.
يمكن أن يكون الاقتراض أداة اقتصادية فعَّالة إذا تم توجيهه إلى مشاريع رأسمالية تحقق عوائد مستقبلية، مثل: تطوير البنية التحتية، ودعم الصناعات المحلية، والاستثمار في التعليم. هذه الاستثمارات تُسهم في رفع الإنتاجية، وجذب الاستثمارات، وتوفير فرص عمل، مما يُقلل الحاجة إلى الاقتراض مستقبلاً.
لكن إذا استُخدمت الديون فقط لسد العجز المالي وتمويل المصروفات الجارية، فإنها لن تؤدي إلا إلى تراكم الديون دون تحقيق أي نمو اقتصادي. تشير التجارب إلى أن الدول التي لجأت إلى الاقتراض دون إصلاحات اقتصادية وقعت في أزمات مالية خانقة، كما حدث مع الأرجنتين وإيطاليا ودول أخرى.
يجب ألا يكون قانون الدَّين العام مجرَّد إجراء مؤقت لسد العجز المالي، بل يجب أن يكون جزءاً من رؤية إصلاحية متكاملة تهدف إلى تعزيز استدامة المالية العامة، من خلال إعادة هيكلة الميزانية، بحيث يتم تقليص المصروفات، فلا يمكن استمرار الإنفاق بنفس الوتيرة دون إصلاح جذري.
كما يجب أن يصاحب ذلك تنويع مصادر الدخل، وتحفيز القطاع الخاص، وتقليل الاعتماد على التوظيف الحكومي، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومراجعة شاملة لدور الدولة والمواطن والقطاع الخاص والمستثمر الأجنبي، وتعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد، لضمان الاستخدام الأمثل للموارد، مما يزيد من ثقة المستثمرين، ويمنع إساءة استخدام الأموال العامة، مما يساعد على خلق بيئة أعمال جاذبة للاستثمارات، تُقلل الضغط عن الميزانية العامة.
قانون الدَّين العام قد يكون خطوة ضرورية، لكنه ليس الحل الوحيد لمشاكل الدولة المالية، الاقتراض يمكن أن يكون فرصة لتعزيز النمو الاقتصادي إذا استُخدم بحكمة، أو فخاً مالياً إذا لم يُرافق بإصلاحات هيكلية حقيقية.
المطلوب اليوم ليس فقط إقرار القانون، بل وضع رؤية إصلاحية واضحة تضمن استخدام الديون بطريقة استراتيجية تدعم التنمية المستدامة.
وزارة المالية اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن تستغل هذه الفرصة لإعادة هيكلة اقتصادنا، أو تدخلنا في أزمة ديون طويلة الأمد يصعب الخروج منها دون إجراءات تقشفية ستكون مؤلمة على الجميع.
القرارات التي تُتخذ اليوم ستحدد مستقبل الاقتصاد لعقود قادمة، ولا مجال لتأجيل الإصلاحات أكثر من ذلك، لأن الثمن سيكون باهظاً على الأجيال القادمة.
* قسم التمويل في كلية العلوم الإدارية- جامعة الكويت
[email protected]
تويتر@salthajeb
كُنا قد تحدثنا في خبر وجهة نظر: قانون الدَّين العام في الكويت... ضرورة اقتصادية أم فخ مالي؟ - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
0 تعليق