عاجل

الكنبوري يُساجل الناشط الأمازيغي أحمد عصيد .. ثنائية الثقافي والسياسي - غاية التعليمية

0 تعليق ارسل طباعة

الكنبوري يُساجل الناشط الأمازيغي أحمد عصيد .. ثنائية الثقافي والسياسي - غاية التعليمية

غاية التعليمية يكتُب.. نعيش في المغرب ثنائية ضدية على الصعيدين الثقافي والسياسي، بين تيار علماني حداثي وتيار محافظ، وهي واحدة من المظاهر التي تطبع اليوم المجتمعات العربية برمتها وليس المغرب فحسب، وإن كان المغرب يشكل استثناء عربيا لعدة اعتبارات لها وزن، منها أن النظام السياسي يستند إلى الشرعية الدينية وتقف على رأسه مؤسسة إمارة المؤمنين، الأمر الذي لا نظير له في أي بلد عربي آخر.

اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.

بيد أن هذه الثنائية الضدية بين الثقافي والسياسي لا تعني انفصالهما بقدر ما تعني نوعا من التكامل؛ وقد يكون هذا التكامل عنصر قوة إذا كانت السياسة ترتكز على المشروعات الثقافية كما هو الحال في البلدان المتقدمة، لكنه يصبح عنصر ضعف عندما يكون المجال الثقافي خاضعا لتوجيهات الفاعل السياسي، لأن هذا التكامل يدل على عدم استقلالية المجال الثقافي، وهو ما يؤدي إلى غياب النقاش الفكري الحيوي في المغرب وتأخير ظهور أنتلجنسيا مؤثرة في المجتمع تؤثر في الحقل السياسي ولا تتأثر به، وهذه إحدى المعضلات الكبرى التي يعيشها المغرب.

وإذا كان المثقف المغربي قد لعب دورا طلائعيا في عقدي السبعينات والثمانينات وحقق نسبة من التراكم المعرفي، فإن بروز مواقع التواصل الاجتماعي في العقد الأخير أدى إلى انحسار هذا الدور بشكل ملحوظ، بحيث حصلت حالة من الانكماش الثقافي لصالح فئة من الناشطين الذين صُنعوا داخل هذه المواقع وليس داخل الجامعات ومراكز البحث وعبر الإنتاج المعرفي الجاد. فقد فتحت مواقع التواصل الأبواب مشرعة أمام الجميع، بحيث أصبحنا من حيث الظاهر أمام “دمقرطة الكلمة”، ولكن من حيث الواقع أمام وضعية شاذة وصفها الروائي والباحث اللساني الإيطالي أمبرطو إيكو عندما قال “إن مواقع التواصل أتاحت لجحافل الأغبياء أن يتحدثوا وكأنهم علماء”.

هذا التحول الجديد في المغرب أنتج فئة الناشطين الذين عوضوا فئة المثقفين، وهم الذين وصفهم المفكر الفرنسي باسكال بونيفاس بالمثقفين المزيفين، في كتاب حمل العنوان نفسه وتحته عنوان فرعي يفسره “الانتصار الإعلامي لخبراء الكذب”. يقول بونيفاس إن هؤلاء المثقفين المزيفين يروجون الكذب كما لو أنهم يبعثون رسائل عبر البريد السريع، واصفا بذلك حالة هؤلاء الناشطين الذين يقدمون أنفسهم كمثقفين أمام العامة مستفيدين من مواقع التواصل أو وسائل الإعلام التي تعتمد على الرسائل الخاطفة وتراهن على سرعة استهلاك المعلومات من طرف المتلقين، فهي معلومات غير موثوقة موجهة إلى متلق لا يطالب بالتوثيق.

من هؤلاء الناشطين الذين برزوا مع مواقع التواصل وينطبق عليهم توصيف باسكال بونيفاس الناشط الأمازيغي المعروف أحمد عصيد، فهو ناشط متعدد الحضور الإعلامي في جميع المنابر، وحاضر في مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة عبر قنوات يقوم بتنشيطها، كما أنه متعدد البروفايلات، فتارة يقدم نفسه ناشطا أمازيغيا، وتارة ناشطا حقوقيا، وتارة باحثا في التراث الأمازيغي، وأخرى إعلاميا في القناة الأمازيغية، وخامسة باحثا دون تصنيف، وسادسة مفكرا، وسابعة ناشطا مع الجمعيات النسائية. ويعكس هذا التعدد في البروفايلات رغبة في عدم الغياب، وإصرارا على ملء جميع الفراغات، وهو ما يتماشى مع توصيفات بونيفاس لأصناف المثقفين المزيفين الذين ولدوا مع مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الحديثة.

ولكن لأحمد عصيد وجها آخر، هو وجه داعية الحداثة والتنوير، وهو في هذا الوجه يشكل بالنسبة للهيئات النسائية والتيار الأمازيغي المتطرف وبعض العلمانيين الواجهة الأمامية التي يتم عبرها تصريف هذه الخطابات بطريق المناولة، بالمعنى التجاري الصرف. فهو لا يتردد في النيل من مقدسات المغاربة الدينية والسياسية، والطعن في عقيدتهم، والدعوة الصريحة أو المبطنة إلى الإلحاد، وتبني مواقف التنصيريين، ويستغل جميع المناسبات التي يتاح له الظهور فيها لترديد مقولات معينة، مثل اتهام المسلمين بأنهم ضد العقل وخارج العصر، واتهام الفقه الإسلامي بالجمود والتخلف، وتسفيه التراث الإسلامي، والدعوة إلى الشذوذ والعلاقات الرضائية، ودغدغة المشاعر العرقية الانعزالية، والتهجم على اللغة العربية، وباختصار فإن الرجل بداخله أشخاص كثيرون متشاكسون.

لقد تحول أحمد عصيد إلى “ظاهرة إعلامية” حقيقية في المغرب، وأصبح بالنسبة لبعض الشباب من ذوي الثقافة المحدودة ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة “رمز” للحداثة والعلمانية، وهو يستغل التفاهة المنتشرة وسرعة الهضم لدى الفئات الشبابية الهشة للترويج لأفكاره. ونظرا لكونه يعدم أي إنتاج فكري ذي بال يمكن محاكمته إليه، فإن هذه الوضعية تعد وضعية مريحة بالنسبة له، لأن لا أحد يمكنه أن يحاكمه إلى مواقف وآراء محددة، وبالتالي فإن رصيده كله يقتصر على الظهور الإعلامي المتكرر الذي يستحيل على أي باحث منصف الإمساك بمواقف ثابتة فيها، لأن الرجل يخوض في كل شيء دفعة واحدة ويستنسخ أفكار الآخرين ثم ينقلب عليها في مناسبة أخرى، وهذه الوضعية المريحة تمنحه هامشا واسعا للمناورة.

وبالرغم من هذا الظهور الإعلامي المكثف، فإن الرجل لم تتح له فرصة حقيقية لعرض نفسه أمام خصومه المفترضين الذين يظل يبارزهم غيابيا عن بعد دون التحلي بالجرأة للمبارزة من المسافة صفر، فهو يدعي أمورا ثقيلة تنوء بالعصبة أولي القوة، كالحداثة والتنوير والعقلانية من دون إعطائها حقها من العمق والجدية، وهذه كلها مدارس فلسفية عميقة خضعت لتحولات جوهرية وتفرعت فروعا، ولكن الرجل يكتفي منها بالعبارات والاصطلاحات البرانية مراهنا على انحسار الوعي والقراءة والدرس، ويوظفها توظيفا إيديولوجيا فجا يخرجها عن نطاقها العلمي والفلسفي، ويقف فيها عند القشور.

وقبل نحو أسبوعين، تلقيت دعوة مكتوبة من إحدى القنوات المغربية الخاصة لخوض مناظرة علمية معه حول مجموع القضايا التي يتبناها، ورحبت بالدعوة، على أساس أن أحمد عصيد لا يفتأ يكرر ويعيد أن “المسلمين لا يناقشون” ولا يحترمون العلم والعقل، وكنت أعتقد أنه سيلبي الدعوة عاجلا غير آجل، لكنني فوجئت وبعد أسبوع كامل من الانتظار أن الرجل يرفض المناظرة ويتهرب منها.

وقد تذرع في رفضه للمناظرة بأنني أختلف معه وأهاجمه، علما بأن المناظرات تكون بين مختلفين لا بين متماثلين، وتكون بين من يتبادلون الهجوم على أساس الأفكار والآراء، وليس بين متجانسين، وهي كلها مبررات غير مقبولة. فقد هاجمه الأستاذ محمد الفزازي عشرات المرات، ووصفه بأقذع النعوت، بل اتهمه بأنه يعبد الإله ياكوش، ومع ذلك خاض معه مناظرة، بينما أنا لم أتهمه بأي اتهام وإنما استعملت بعض العبارات التي تدخل في نطاق الاختلاف؛ كما أن الدكتور هيثم طلعت، الباحث المصري المعروف، عرض عليه المناظرة فرفض، علما بأن هيثم طلعت لم يهاجمه ولا مرة، فإذا كان التهجم ذريعة لرفض المناظرة فقد تهجم عليه الفزازي، وإذا كانت ذريعة للرفض فإن هيثم طلعت لم يتهجم عليه، ولو اتبعنا مبرراته لكان الأولى له أن يرفض مناظرة الفزازي ويقبل مناظرة هيثم طلعت.

والحقيقة أن مفاجأتي كانت صادمة بالمعنى الحقيقي للعبارة، فإن شخصا يقدم نفسه ناشطا متحمسا ويدعي العقلانية والعلم والحداثة والتنوير كان الأجدر به أن يبادر إلى الدفاع عن أفكاره في محفل فكري يكون لديه فيه حق الكلام بشكل ديمقراطي وعقلاني أمام الجمهور، خصوصا وأن الرجل معتاد على مخاطبة الجمهور طيلة سنوات، ولديه جرأة عالية في التعبير عن أفكاره يغمطه عليها الكثيرون، ودائم الحضور في الندوات ذات الصوت الواحد، فكيف يتهيب مواجهة الجمهور في مناظرة علمية يتاح له فيها ما يتاح لغيره؟

إن الفكر لا يقارَع إلا بالفكر، وليس كالمناظرات مجالاً لهذه المقارعة، وكل الذين ركبوا تيار الحداثة والتنوير ناظروا المختلفين معهم، فقد ناظر محمد شحرور عبد الصبور شاهين، وناظر طيب تيزيني سعيد رمضان البوطي، وناظر محمد عابد الجابري محمد بشيري، وناظر نصر حامد أبو زيد محمد عمارة، وناظر فؤاد زكريا يوسف القرضاوي، وأنا بذلك لا أقيس نفسي إلى هؤلاء كما لا أقيس عصيدا إلى أولئك، فشتان شتان، مع تحفظي الشديد على شحرور، ولكن قصدي أن أقول بأن من يتبنى إيديولوجيا معينة يجب أن يكون قادرا على تحمل مسؤوليته في المنافحة عنها بكل شجاعة وتجرد.

لقد أضاع أحمد عصيد فرصة لكي يقارع بالرأي والحجة شخصا يخالفه في كل شيء، بالرغم من أنني لا أدعي أنني أفهم مرجعيته جيدا وإن كنت أفهم منهجه بشكل جيد، ولكن الأسوأ من ذلك أن رفضه للمناظرة عكس في حقيقة الأمر عدم احترامه للجمهور الذي يتابعه، فإن من حق الجمهور عليه أن يكون أهلا للدفاع عن الأفكار التي ينشرها فيه حتى يزيد في إقناعهم بأهليته لتلك الأفكار، فإن الجمهور الذي يرى بأن رائده ينكص في موقع النزال يصاب بالخيبة، لأن الهروب من المناظرة كمثل الهروب من الصف عند المواجهة وترك ثلمة فيه، ومعروف أن الذي ينأى عن المناظرة ليس لديه ما يناظر من أجله.

إن هذا المقال لم يكن له أي لزوم عندي، فالقضية كلها قضية مناظرة تم تريبتها وتخلف عنها الطرف الثاني وانتهى الأمر، ولكن ما دفعني إلى كتابته أن هذا الطرف الثاني هو الشخص الذي لا يكف عن المناداة بالحوار والعقل ويتهم خصومه بالتخلف والرجعية والمحافظة، ومعروف بذلك على أوسع نطاق، وحين أتيحت له فرصة الجلوس إلى واحد من الرجعيين المحافظين ومقارعته بالعقل انسل كأنْ لم يكن.

من المؤسف أننا نسمع كثيرا عبارة النقاش العمومي، وأن يكون أحمد عصيد نفسه من أكثر المستهلكين لهذه العبارة، بينما نجد في المقابل حوار الطرشان واكتفاء كل ذي رأي برأيه، وفي الوقت الذي ننتقد المشهد السياسي في بلادنا ويشارك المثقفون والناشطون في هذا الانتقاد لا نجد لدى هؤلاء الاستعداد لخلق حالة من التوازن على المستوى الثقافي، ونحن لا نريد أن تكون بلادنا ساحة لمجموعة من الأبواق التي تصيح في الأسواق، وإنما نريد حوارات عاقلة في مجتمع نطمح جميعنا إلى أن يكون أفضل ونشترك فيه جميعا.

كُنا قد تحدثنا في خبر الكنبوري يُساجل الناشط الأمازيغي أحمد عصيد .. ثنائية الثقافي والسياسي - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.

جميلة الهادي
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق