الدماء الحمراء في أورميا: سر تغير لون البحيرة - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. تقع بحيرة أورميا في المسافة الفاصلة بين مقاطعتي أذربيجان الشرقية والغربية اللتين حملتا اسميهما نتيجة نزاع نشب في إيران. وقد شهدت في أبريل 2016 أمرًا بمنتهى الغرابة، إذ تحولت مياه البحيرة إلى اللون الأحمر القاني. ورغم أن هذا التغيير في اللون كان مؤقتًا، إلا أنه قد يتكرر بشكل أكبر في المستقبل. فماذا كان يحدث؟
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
لطالما كانت بحيرة أورميا رمزًا جغرافيًا للشرق الأوسط منذ أن أصبح الاهتمام بالجغرافيا علمًا حقيقيًا، إذ تتجسد في الأعمال الفنية البرونزية منذ القرن التاسع قبل الميلاد التي تعود للحضارات الآشورية الحديثة، وذكرها بطليموس أيضًا في القرن الثاني الميلادي. واليوم إلى جانب كونها منتزهًا وطنيًا، تكتسب أهمية دولية فهي موقع رامسار ومحميّة المحيط الحيوي التابعة لليونسكو.
ومع إن تحول لون المياه كان مفاجئًا ومثيرًا، فإن سبب ذلك أمر بسيط جدًا، ألا وهو الطحالب التي تُعد جوهر الحياة على سطح الأرض. إذ قال محمد توريان حينها لناسا بوصفه عالمًا من جامعة شتوتغارت:
«تشير الأبحاث السابقة إلى أن طحالب دوناليلا سالينا هي المسؤولة عن احمرار بحيرة أورميا … تعيش طحالب دوناليلا سالينا خضراء في البيئات ذات الملوحة العالية والضوء الشديد».
لا يمكن أن تزدهر هذه الكائنات الدقيقة إلا في بحيرة مثل أورميا، وقد وصفها عالم الأحياء الدقيقة الشهير أهارون أورين في ورقة بحثية عام 2020:
«إنها أحد المكونات المميزة للكائنات الحية في معظم البيئات ذات الملوحة العالية … حتى أن بعض أنواع دوناليلا قد توجد في أعلى درجات الملوحة، وهي العامل الرئيسي أو حتى الوحيد في المحاليل الملحية المتبلورة والبحر الميت وغيرها من البيئات التي تتجاوز فيها تركيزات الملح 25-30%».
في الواقع، كلما ازدادت ملوحة المياه كان أداء دوناليلا سالينا أفضل في إنتاج الكاروتينات، وهي عناصر غذائية مهمة وتُعد المسؤولة عن الألوان الزاهية مثل الأحمر والبرتقالي والأخضر في كثير من الفواكه والخضروات.
وبذلك في عام 2016 عندما كانت ملوحة مياه أورميا مرتفعة ارتفاعًا غير اعتيادي، ازدهرت الطحالب باللون القرمزي الساطع، وزاد من حدة التأثير وجود البكتيريا الملحية، وهي مستعمرات تتغذى على الملح وتستخدم صبغة حمراء لامتصاص ضوء الشمس بوصفه مصدرًا للطاقة.
لكن هذا ليس المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، فهذه الطحالب مسؤولة عن بعض من أكثر المسطحات المائية ذات الألوان الملفتة في العالم، من بحيرة هيلير ذات اللون الوردي الفاتح في أستراليا إلى بحيرة ريتبا ذات اللون الوردي في السنغال.
ولكن بينما تشير هذه الألوان الوردية النابضة إلى استمرار الأمور كالمعتاد في البحيرات الأخرى، كانت بالنسبة لأورميا بمثابة إشارة لشيء أكثر خطورة.
كيف تبدو بحيرة أورميا الآن؟
قد يكون السبب في تغير لون بحيرة أورميا مرتبطًا بالطُحالب والبكتيريا، لكن لم يكن أي من هذين العنصرين غريبًا على البحيرة، ومن الواضح حدوث شيء آخر عام 2016، فما هو؟
للأسف قد تكون الإجابة محبطة بقدر ما هي متوقعة، فقد اختفت مياه بحيرة أورميا بشكل شبه كامل بحلول عام 2016 نتيجة للتأثير المدمر لتغير المناخ وسوء إدارة الموارد. وبحسب دراسة توريان لبيانات من عدة أقمار صناعية لتتبع كيفية تغير أورميا:
«ينخفض حجم البحيرة بمعدل مثير للقلق، إذ يبلغ 1.03 كيلومتر مكعب سنويًا … كشفت صور الأقمار الصناعية عن فقدان مساحة المياه بمعدل متوسط قدره 220 كيلومترًا مربعًا سنويًا، ما يشير إلى أن البحيرة فقدت 70% من مساحتها تقريبًا على مدى 14 سنة خلت».
فهل نجت بحيرة أورميا أم جفّت إلى الأبد؟ لا يمكن إجابة هذا السؤال بعد. ففي السنوات الأخيرة، بدا الأمر وكأن الأمور تتحسن للبحيرة، خاصة بعد الاحتجاجات الوطنية على تدهور صحتها، إذ جعلت الحكومة استعادة أورميا أولوية سياسية. وبدأت الحكومة بتنفيذ إصلاحات زراعية تهدف إلى تقليل استخدام المياه، وكذلك مشاريع هندسية لتحسين مرافق الصرف الصحي وتطوير البنية التحتية لاستجرار المياه من مصادر قريبة.
وكان للطبيعة أيضًا دور في ذلك، إذ أسهمت الأمطار الغزيرة في عامي 2018 و2019 في تضاعف كمية المياه في البحيرة على مدار عامين.
ولكن، وبنفس السرعة التي عاد بها الأمل، يبدو أنه قد نفد مرة أخرى. وبحلول خريف 2023، لم تعد أورميا سوى مسطح ملحي جاف ضخم، وهي الآن تحتضر على جهاز الإنعاش.
وقد صرح كاوه مدني بوصفه مدير جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة لمجلة فوربس قائلاً: «إننا نشهد مأساة تحدث أمام أعيننا … لقد ناضل الكثيرون لاستعادة البحيرة على مر السنين، لكن إيران تعاني من إفلاس مائي، وستستمر المشكلة في التعاظم إذا استمرت السياسات على حالها».
میاه قوس قزح
بينما كان تغير لون بحيرة أورميا بمثابة علامة تحذيرية، توجد بحيرات كثيرة حول العالم تتمتع بألوان مذهلة، وكما هو الحال مع أورميا، يعد شط الجريد في تونس بحيرة ملحية مغلقة على وشك الاختفاء التام، وفيه تكون مستويات المياه غالبًا حمراء قانية، وقد نتوقع أن يكون سبب اللون القرمزي هو نفس نوع الطحالب الموجودة في أورميا، لكن السبب الحقيقي أبسط بكثير، فهو الملح. وبحسب أطلس أوبسكورا:
«شط الجريد (غالبًا) هو سهل هائل يتميز بمناخ صحراوي قاسي، ويفتقر تمامًا إلى الموارد الطبيعية، وحتى المياه العذبة … وعند القيادة عبر الطريق الرئيسي، من المستحيل ألا تتوقف وتستمتع برواسب الملح الملونة بألوان قوس قزح وبالمسطحات الصغيرة التي تحتوي على الماء حتى في أكثر أيام الصيف جفافًا … وعلى غير المتوقع، يتفاوت لون المياه المالحة من الأخضر الفاتح إلى الوردي الهادئ والبرتقالي الزاهي».
وبالمثل، يمتاز نهر بيتسيبوكا في مدغشقر بلون مشابه، ولكن هذه المرة بفضل صدأ الحديد، وبحسب شرح مرصد الأرض التابع لوكالة ناسا:
«تصف الخرائط التاريخية لمدغشقر التربة الرملية والطينية حول نهر بيتسيبوكا بأنها (أراضٍ حمراء) … وكانت الخرائط تصف التربة الغنية بأكاسيد الحديد التي تتشكل في المناخات الاستوائية نتيجة التحلل الكيميائي للصخور الغنية بالحديد».
ولكن في نيوزيلندا نجد النقيض لذلك، فحمام الشيطان نال اسمه المشؤوم باستحقاق، فلون الحوض المشابه للهلوسة يعود إلى وجود الكبريت، ما يجعل رائحة المياه حتى شيطانية، أضف إلى ذلك أن المياه حمضية قليلًا ودرجة حرارتها مشابهة للحمام الدافئ. إنه بالفعل واحد من العديد من المظاهر الحرارية الأرضية الموجودة في تيكيتيري، التي تعرف أيضًا باسم بوابة الجحيم، وهي واحدة من أكثر الأماكن برودة، وهو أمر يثير الكثير من التساؤلات.
وعلى الجانب الآخر من المنطقة، تصل حرارة المياه في بركة المنحدرات المتبخرة إلى 120 درجة مئوية، وهي درجة حرارة كافية لتسبب حروقًا خطيرة للإنسان، وهذا ممكن لأن المياه تتفجر أحيانًا لترتفع أكثر من ثلاثة أمتار في الهواء.
وربما حمام الكبريت هو الأقرب لوصف الجحيم، إذ تبلغ درجة حرارته 98 درجة مئوية ولونه أصفر ساطع وحموضته أقل من 2 ph، والقفز في هذه البركة يشبه السباحة في حمام ضخم مليء بحمض المعدة المغلي.
ومع إن كل هذه الأماكن قد تبدو شديدة الحرارة على الورق، فإن تيكيتيري تتمتع بسمعة صحية أكثر، وما تزال هذه المنطقة ملك للسكان الأصليين (قبيلة نجاتي رانجيتاوريري الماوري). إذ يقول موقع المنطقة الإلكتروني: «لقد عالجت مياه تيكيتيري وطينها الأجساد التي عانت ويلات في المعارك لقرون … إنه أكثر من مجرد طين أو بخار، إنه مكان للإلهام».
اقرأ أيضًا:
كيف يمكن أن تنقذ المستنقعات المالحة الأرواح في المستقبل؟
الأمر لم يعد سرًا، أكثر من نصف بحيرات العالم بدأت بفقدان مياهها
ترجمة: سلیمان عبد المنعم
تدقيق: مؤمن محمد حلمي
مراجعة: محمد حسان عجك
المصدر
كُنا قد تحدثنا في خبر الدماء الحمراء في أورميا: سر تغير لون البحيرة - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
أخبار متعلقة :