الدكتور أحمد الخطيب... القلب الكبير - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. ينهض العظماء من المفكرين الأحرار بمجتمعاتهم، يوقدون للتاريخ أحداثه الجِسام، مُوجهين مساراته، ومحدِّدين الأهداف ونُبل الغايات، يخلقون الوعي بالضمائر، ويُنيرون العقول بالمعرفة، يرجّون طواحين المقاومة بكل أزمنة الرجعيات السائدة، والدكتور الراحل أحمد الخطيب ونحن في ذكرى رحيله الثالثة هو أحد هؤلاء العظماء الذين رُزئنا بفقدهم قبل سنتين، فقد عاش بيننا حاملاً لواء الوحدة الوطنية والقومية، عابراً به الحدود إلى آفاق العالم العربي والعالمي، مناضلاً ومؤسساً مع رفاق دربه «حركة القوميين العرب» كمظلة جامعة لكل القوى الوطنية الحُرة المشرئبة أعناقها لنيل استقلالها والتخلص من مستعمريها الجاثمين على أرواحها قبل أرضها.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
اطلع الخطيب على دقائق الأسرار، وفكَّك خيوط العلاقات والأحداث المتشابكة، والمتناقضة أحياناً، من خلال علاقاته الممتدة مع العديد من الشخصيات النافذة بكل مشاربها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وزوَّدنا بخلاصات تجاربه وشذرات حِكمه التي ضمنها في كتابه القيِّم (ذكريات العمل الوطني والقومي)، مورثاً للأجيال القادمة منهاجاً وطنياً وإنسانياً يحتذى.
تدين الحياة الديموقراطية في الكويت، وقَبْلها إنهاء معاهدة الحماية البريطانية للكويت المؤرخة عام 1899م، إلى الجهود الوطنية للمطالب الشعبية التي قادتها حركة القوميين العرب، بتوجيه من قيادييها، أمثال الدكتور أحمد الخطيب، وجاسم القطامي، وأحمد السقاف، ويوسف إبراهيم الغانم، وغيرهم من الوطنيين الأحرار، وصولاً لنيل دولة الكويت استقلالها عام 1961م، وقيام لجنة الدستور في المجلس التأسيسي، بمشاركة من يعقوب الحميضي ممثل الحركة القومية، بوضع الدستور الأساسي للدولة.
لقد ألقى الدكتور الخطيب على عاتقه المسؤوليات المنوطة به في حركة القوميين العرب منذ انقضاء عقد الأربعينيات من القرن التاسع عشر، تلك الحركة الفتية التي تكالبت عليها القوى الرجعية والاستعمارية مع الهزيمة المدوية للعرب عام 1967م، وتراجع مكانة القوى المدنية التقدُّمية واليسار العربي عموماً، لتحتل محلها القوى الإسلامية المحافظة، وبداية ظهور شعار «الإسلام هو الحل».
لا شك في أن حركة القوميين العرب جزء مُعتبر وأساسي من مشروع النهضة العربية الداعية للتغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ومن أهم التيارات السياسية الراديكالية التي قاومت المعوقات التاريخية، الداخلية والخارجية، للنهضة العربية، وأكدت أن الانتماء المحلي ليس أقدس وأجَلّ من الاعتزاز بالانتماء القومي العروبي، كما أن هذه القومية العربية التي يدعو لها أحمد الخطيب ورفاقه لا صلة لها بالعنصرية العرقية والدينية والطبقية، نافيةً التمايز والتباين بين طوائف الشعوب العربية، مع تقديرها للدور الحضاري للأقليات الدينية والعرقية في الحواضر العربية، مشددةً على كبح طغيان الأكثرية أو تفرُّدها بالسُّلطة، وتهميش الأقليات، فالقومية العربية تشمل بمظلتها المسيحيين والأكراد والدروز والأرمن والشركس وسواهم من الأقليات، تستوعب كل هؤلاء ضمن التاريخ واللغة المشتركة، فهي لا تمثل بأي حال أي نوع من العنصرية والفاشية، وضربت مثلاً عملياً بانتخاباتها حينما تمثلت فيها شتى الانتماءات العرقية والدينية والطبقية على امتداد فروعها بالوطن العربي.
أدرك د. الخطيب، بفكره الوقاد وخبرته العملية، أن القوى البرجوازية العربية أضحت عائقاً ومثبطاً اجتماعياً لتقدُّم القوى الشعبية وطبقاتها العاملة، قبل أن تكون رافداً وضامناً لشروط النهضة العربية، وأن الشعوب العربية تخلَّصت من النظام الإقطاعي والاحتلال العثماني والاستعمار الإنكليزي والفرنسي، لكنها أخفقت وانقسمت سياسياً واقتصادياً، مُفسحةً المجال للقوى المتخلفة من البرجوازية التقليدية والعائلات الأرستقراطية ولضباط الانقلابات العسكرية بتسلُّم زمام القيادة، متحالفةً مع النظام الإمبريالي العالمي، لضمان مواقعها بالسُّلطة.
هضم الخطيب مفاهيم السياسة، وكشف أساليب ومؤامرات النظام العالمي الرأسمالي الإمبريالي ولغته المبهمة، مدركاً الفرق بين استغلال مبادرات وفرص السلام العربية - الصهيونية، وبين السقوط في وحل الاستسلام ومعاهدات التبعية، فهو وإن كان مناضلاً داعياً للسلام، إلا أنه لم يتخلَّ يوماً عن خيار المقاومة والكفاح، والإصرار بحق الأمة العربية باسترجاع وتحرير أراضيها المحتلة، مروراً بإقليم الخليج العربي أيام الاحتلال الإنكليزي، وصولاً إلى المطالبة بتحرير التراب الفلسطيني الذي طال أمده.
يدين تاريخ الحركة الوطنية بالكويت لنضال د. الخطيب، فبعد تخرُّجه عام 1952 كأول طبيب بالكويت شارك مبكراً في إنشاء الأندية الثقافية والرياضية، وساهم بتشكيل الرابطة الكويتية، وتبوأ رئاسة لجنة الأندية الكويتية، وكان همزة الوصل بين الطبقات الشعبية والعمالية وبين الطبقة التجارية، راصاً الصفوف، وموحداً لجهود المطالب الشعبية بالعدالة الاجتماعية، وضمان الحريات، واستكمال مبادئ الديموقراطية المؤسسة على الدستور وشرعية الحُكم.
كان د. الخطيب صلد الإرادة، يتحدَّث بلا إطناب أو تكلّف، لم يبحث يوماً عن الأوسمة والنياشين ووجاهة المناصب، وهب للعمل الوطني جلّ وقته، مُتجرعاً مرارته وهمه... كل ذلك لإصلاح واقع المجتمع المحلي، الذي كان يعاني تبعات التخلف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
* الأمين العام للمنبر
الديموقراطي الكويتي
كُنا قد تحدثنا في خبر الدكتور أحمد الخطيب... القلب الكبير - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
أخبار متعلقة :