تربويون ينظرون إلى "الواجبات المنزلية" بين التحديات والفوائد التعليمية - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. تشكّل الواجبات المنزلية واحدة من المواضيع التي تثير الجدل بين الأسر والأساتذة، حيث يرى البعض أنها تعزز التعلم الذاتي، وتنمي الشعور بالمسؤولية لدى التلاميذ، وتساعد المتعلّمين على تثبيت المعلومات التي يتلقونها في المدرسة، فيما يعتبرها آخرون مجرّد عبء زائد يحدّ من وقت الراحة والأنشطة الأخرى المهمة لنمو الطفل، كاللعب والتفاعل الاجتماعي مع الأقران.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
بين هذه الآراء وتلك الأحكام، تُثار تساؤلات حول أهمية الواجبات المنزلية في السلك الابتدائي، والتحديات المادية والموضوعية المرتبطة بها، وأدوار الأستاذ والتلميذ والأسرة تجاه هذه الأعمال المدرسية المنزلية، وما إذا كانت للمشتغلين في قطاع التربية والتعليم أفكار ومقترحات لتطوير نظام الواجبات المنزلية حتى تكون أكثر فاعلية لتحسين العملية التعليمية.
تدخّل الأسر
نجاة يساني، مديرة تربوية بمدرسة ابتدائية، قالت إن “الواجبات المدرسية يمكن أن تكون وسيلة لتعزيز التعلم أو عبئا مرهقا، وذلك حسب نوعها وكميتها”، موضّحة أن “اختيار الواجبات بطريقة متوازنة يساعد التلاميذ على تثبيت التعلمات والتهيئة لها، مما يعزز استيعاب المفاهيم بشكل أعمق”، محذّرة في الوقت ذاته من أن “الواجبات الكثيرة أو الصعبة قد تؤدي إلى القلق والتعب، مما يجعل التلميذ يلجأ إلى الاعتماد على والديه في إنجازها”.
وأضافت يساني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “للواجبات دورا مهما في ترسيخ ما تم تعلمه داخل الفصل، كما تعزز الشعور بالمسؤولية وتنمي مهارات التركيز والانضباط لدى التلاميذ”، مشيرة إلى أن “مشاركة الآباء في متابعة الواجبات ضرورية، لكنها قد تتحول إلى تدخّل مفرط، حيث يحرص بعضهم على تصحيح كل الأخطاء، مما يفقد الطفل فرصة التعلم الذاتي”.
وأكدت المديرة التربوية ذاتها أن “اختلاف مواقف الآباء يؤدي إلى تباين في تأثير الواجبات على التلاميذ؛ فالبعض يرى أن كثرة التمارين ضرورية لتعزيز التعلم، بينما يعتبر آخرون أن التلميذ يحتاج إلى وقت للراحة والأنشطة الأخرى، وهذا التفاوت قد يخلق ضغطا على المؤسسات التعليمية، إذ يطالب بعض الأولياء بالمزيد من الواجبات، بينما يعترض آخرون على تكليف أبنائهم بمهام إضافية في المنزل”.
وأشارت نجاة يساني إلى أن “تدخل الأسر في إنجاز الواجبات أحيانا يجعل التلميذ يعتمد على الآخرين بدلا من تحمل مسؤوليته، مما يضعف حسه بالاستقلالية، كما أن بعض الآباء يصرون على أن تكون الإجابات صحيحة تماما، مما قد يؤدي إلى اصطدام بينهم وبين المعلمين حول دور الواجبات، خاصة عندما يصبح الهدف هو تحقيق نتائج مثالية بدلا من تعزيز التعلم التدريجي للتلميذ”.
وختمت المديرة التربوية توضيحاتها بالتأكيد أن “الحل يكمن في تحقيق توازن بين كمية الواجبات وطبيعتها، بحيث تكون مناسبة لمستوى التلميذ دون أن تتحول إلى عبء عليه أو على أسرته”، لافتة إلى “أهمية توجيه الآباء نحو دور داعم دون مبالغة، حتى يتمكن التلميذ من الاستفادة الحقيقية من الواجبات، مع ضرورة أن تتبنى المؤسسات التعليمية مقاربة مرنة تراعي الفروق الفردية وتنوع وجهات نظر الأسر”.
إيجابيات وسلبيات
جبير مجاهد، أستاذ باحث في الشأن التربوي، قال إن “للواجبات المنزلية إيجابيات عدة في العملية التعليمية التعلمية، أبرزها المساهمة في تعزيز التعلمات المكتسبة خلال الحصة الدراسية، وترسيخ المعلومات والمفاهيم التي يتلقاها المتعلم داخل الفصل، كما أنها تشكّل فرصة لتعميق المعارف، خاصة بالنسبة لبعض المواد الدراسية التي تحتاج وقتا طويلا لترسيخها، وتلعب دورا مهما في تربية المتعلم على الالتزام والاعتماد على النفس”.
وفي المقابل، أكد مجاهد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “سلبيات الواجبات المنزلية متعددة؛ فهي تشكل عائقا أمام راحة التلميذ، بل أصبحت تشكل ضغطا وإرهاقا له، خاصة إذا كانت كثيرة أو صعبة، ويتم إنجازها على حساب وقت راحة الطفل”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “هذا النوع من الواجبات المنزلية غالبا ما يعطي نتائج عكسية، إذ يعمد المتعلم إلى الاستعانة بمواقع إلكترونية أو أحد الأشخاص البالغين لإنجازها، وهو ما يجسد نوعا من التمايز الاجتماعي، خاصة إذا تم اعتمادها في التقييم”.
وبخصوص المقترحات لتطوير نظام الواجبات المنزلية، قال جبير مجاهد: “أنا مع الواجبات المنزلية التي تمنح للتلميذ في حدود إمكانياته الذاتية، والتي لا تؤثر على راحته بالمنزل، وأن تكون مفيدة ومرتبطة بالأهداف التعليمية لتساهم في تطوير مهاراته، وأن يكون الهدف منها هو ترسيخ المعارف وليس تقييمها”.
أثر حاضر
إبراهيم الخرمودي، مفتش تربوي بالسلك الابتدائي، قال إن “الواجبات المنزلية تُعد جزءا أساسيا من العملية التعليمية، إذ تساهم في ترسيخ التعلمات وتعزيز قدرات المتعلم على البحث والاستكشاف؛ فهي تتيح له فرصة التفكير المسبق في الدروس المقبلة، مما يجعله أكثر استعدادا عند العودة إلى الفصل الدراسي، كما تعزز لديه منهجية التعلم الذاتي، التي تعد من الركائز الأساسية في تنمية الاستقلالية الفكرية لدى المتعلم”.
وأضاف الخرمودي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الواجبات المنزلية يمكن أن تلعب دورا مهما في بناء شخصية التلميذ، إذ تُساعده على اكتساب مهارات تنظيم الوقت وتحمل المسؤولية، غير أن الإفراط في تكليف المتعلمين بواجبات مكثفة، دون مراعاة نوعيتها ومدى تناسبها مع قدراتهم، قد يؤدي إلى نتائج عكسية”، موردا أنه “بدل أن تصبح وسيلة للتعلم، تتحول إلى عبء يثقل كاهل التلميذ، مما قد يؤثر سلبا على دافعيته ويحدّ من رغبته في التحصيل الدراسي”.
وأوضح المفتش التربوي أن “بعض المدرسين يعتمدون على إعطاء المتعلمين كميات كبيرة من التمارين، دون الأخذ بعين الاعتبار وظيفتها التربوية، مما قد يؤدي إلى عزوف التلاميذ عن إنجازها أو اللجوء إلى المساعدة الخارجية، وهذا ما يُضعف الهدف الأساسي من الواجبات، إذ يصبح تركيز التلميذ منصبا على إنجازها بأي وسيلة، بدل أن يكون التركيز على عملية التعلم نفسها، مما يفقده فرصة تطوير مهاراته التحليلية والتفكيرية”.
وأكد الخرمودي أن “الواجبات المنزلية ينبغي أن تُصمم بشكل يراعي الفروق الفردية بين المتعلمين، بحيث تكون مناسبة لقدراتهم، وتساهم في تعزيز مكتسباتهم، بدل أن تُثقلهم بتمارين قد تفوق مستوى استيعابهم، ومن الضروري أن يكون لهذه الواجبات بُعد تربوي واضح، بحيث تضيف قيمة إلى تعلم التلميذ، وتعزز مهاراته، بدل أن تتحول إلى مجرد واجب روتيني يُفرض عليهم دون فهم الغاية منه”.
تحقق التوازن
أشار المفتش التربوي نفسه إلى أن “إشراك الأسرة في دعم تعلم الأبناء أمر ضروري، لكن يجب أن يكون ذلك ضمن حدود معينة، بحيث لا يحل الآباء محل أبنائهم في إنجاز الواجبات”، موضحا أن “الهدف ليس الوصول إلى الإجابة الصحيحة فحسب، بل تمكين التلميذ من تطوير مهارات التفكير والاستقلالية. ولهذا، من الضروري توعية الأسر بأهمية ترك المجال لأبنائها ليحاولوا بأنفسهم، ويتعلموا من أخطائهم، بدل تزويدهم بإجابات جاهزة”.
ونبّه إبراهيم الخرمودي إلى أن “الضغط الزائد الناتج عن كثرة الواجبات قد يدفع بعض التلاميذ إلى النفور من التعلم، أو البحث عن حلول سريعة، مثل الاعتماد على دروس الدعم، التي قد تتحول في بعض الأحيان إلى تجارة قائمة على الكم بدل الكيف، وهذا ما يؤدي إلى انتشار ثقافة البحث عن النقاط عوض التركيز على التعلم الفعلي، مما يحدّ من تطور القدرات الفكرية للمتعلمين”.
وقال الخرمودي إن “تطوير ممارسات تقييم الواجبات المنزلية أمر ضروري لجعلها أكثر فعالية، بحيث ينبغي أن تكون ممتعة وسهلة الإنجاز، وألا تستغرق وقتا طويلا يؤثر على الزمن الاجتماعي للطفل؛ فالمتعلم بحاجة إلى وقت للراحة واللعب والتفاعل الأسري، وهو ما يُساهم بدوره في تطوير شخصيته وتعزيز قدراته على التعلم بطريقة متوازنة”.
وختم المفتش التربوي توضيحاته بالتأكيد أن “إصلاح إشكالية الواجبات المنزلية يتطلب مقاربة شاملة، تشمل تكوين المدرسين حول طرق تصميمها بشكل فعال، مع توعية الأسر بدورها الحقيقي في دعم تعلم أبنائها”، مشيرا إلى أن “المسألة لا تتعلق فقط بكمية التمارين، بل بجودتها ومدى مساهمتها في بناء مهارات التفكير والاستقلالية، مما يجعل التعلم أكثر عمقا وفاعلية”.
كُنا قد تحدثنا في خبر تربويون ينظرون إلى "الواجبات المنزلية" بين التحديات والفوائد التعليمية - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
أخبار متعلقة :