غاية التعليمية

خليفة الوقيان يقدم قراءة نقدية لكتاب «لا يكتب التاريخ مرة واحدة» لعبدالرحمن الإبراهيم - غاية التعليمية

خليفة الوقيان يقدم قراءة نقدية لكتاب «لا يكتب التاريخ مرة واحدة» لعبدالرحمن الإبراهيم - غاية التعليمية

غاية التعليمية يكتُب.. اطلعت على كتاب الأخ الكريم د. عبدالرحمن الإبراهيم «لا يكتب التاريخ مرة واحدة»، الذي يضم مقالات عدة. ويقول في مقدمة الكتاب: «إن في هذا الكتاب مقالات متنوعة منشورة في العديد من المواقع المتخصصة والمجلات العلمية المختلفة في فترات تباعدت أزمنتها، إلا أن موضوعاتها اجتمعت على مزيتين، إحداهما أنها كُتبت بقلم ناقد فاحص، لم يقف عند حدود مجرد النقل والوصف. وثانيها: أنها قد تخللتها محاولات لإعادة قراءة التاريخ الكويتي والخليجي بشكل ومنهج مباين للمتاح من الأدبيات العربية». (1) ويقول في نهاية المقدمة: «أسعد برأي القراء وملاحظاتهم ونقدهم، فالنقد البناء يثري العلم، ويوسع الآفاق، ويقوّم الاعوجاج... لذا أرجو ممن يجد خللاً أو لديه نقد أو تصحيح ألا يتردد في التواصل عبر البريد الإلكتروني». (2) واستجابةً لطلب د. الإبراهيم، فسأبدي بعض الملاحظات المنهجية عن مقالته ذات العنوان «نسبة الأعيان إلى البلدان في التاريخ الخليجي بين المناهج والأيديولوجيا... العلماء المهاجرون من نجد نموذجاً»، لأنه تعرّض لوجهة نظري تجاه نسبة عثمان بن سند إلى الكويت أو إلى البصرة بصورة تقتضي الرد الموثق، إذ إنه يسعى لنفي نسبته إلى الكويت.

اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.

تعرّض الإبراهيم لموضوع نسبة السيد عبدالجليل الطبطبائي إلى أكثر من بلد، وأشار إلى وجهة نظري في هذا الموضوع بصورة مشوهة، واقتباسات مبتورة مقتطعة من سياقها، فضلاً عن مخالفته ما ورد في عنوان مقالته «العلماء المهاجرون من نجد نموذجا»، حيث إن عثمان بن سند والسيد عبدالجليل الطبطبائي لم يكونا ممن هاجروا من نجد، وهناك أخطاء أخرى للباحث الكريم تقتضي الرد عليها وتفنيدها.


كتاب الدرّة الثمينة في مذهب عالم المدينة نظم العشماوية

وحيث أني لا أزال أفضّل التعامل مع القلم والورق، فستكون ملاحظاتي في صورة رد منشور، متاح لكاتب المقالة، مؤلف الكتاب، وللقراء الذين اطلعوا على آرائه فأصبح من حقهم الاطلاع على ردود من أشار إليهم، أو انتقد أعمالهم. وسيتضمن ردي، أو ملاحظاتي، إشارات إلى الأخطاء المنهجية التي وقع فيها الكاتب العراقي د. عماد عبدالسلام رؤوف فيما كتبه عن سيرة عثمان بن سند، لأن د. الإبراهيم اختاره لإعجابه بمنهجه كما يبدو، إذ قال: «هذا ولا يمكن تجاوز ما كتبه المؤرخون العراقيون في التاريخ الحديث في التراجم، لصلة العراق جغرافيا وثقافيا بالجزيرة العربية، ولعلي أختار ما كتبه د. عماد عبدالسلام رؤوف في كتاب (التاريخ والمؤرخون العراقيون في العهد العثماني)». (3)

اعتراضات د. الإبراهيم

سأعرض فيما يلي آراء د. الابراهيم بشأن ما ذكرته عن عثمان بن سند والسيد عبدالجليل الطبطبائي كاملة، غير مبتورة من سياقها، ثم أورد ردي عليها.

يقول د. الابراهيم: «فهل مولد عثمان بن سند في الكويت يجعله كويتيا حتى قبل أن تُسمى الكويت كويتا؟» (4).

ويقول: «كتب عثمان بن سند اسمه كالتالي على كتابه (سبائك العسجد:) (عثمان بن سند البصري)، وتجد هذا الاسم على جميع النسخ المنسوخة عن المخطوط، وحتى المحقق منها» (5).

ويقول مكررا مقولته بأن عثمان بن سند سمى نفسه بالبصري: «ولعل السبب هو محاولة إيجاد عمق ثقافي للدول المؤسسة حديثا» لذا ما انتقد به الوقيان من وصف الطبطبائي (بالبصري) نجد عثمان بن سند يصف نفسه طوعاً بالبصري، كما جاء في كتابه (سبائك العسجد) المطبوع في الهند 1315 هجري» (6).

يقول الإبراهيم: عُرف عن الكويت منذ تأسيسها كثرة الأميين فيها. ولعل الدليل على ذلك أن أول مدرسة نظامية أسست في الكويت كانت المباركية عام 1911م

ويقول: «عودا على صراع الكويتيين حول نسبة الطبطبائي إلى الكويت الحديثة نجد الوقيان يحاول إضعاف انتساب الطبطبائي إلى الكويت من خلال بعض الشواهد التي لا تدل على ان علاقته بالكويت كانت علاقة كبيرة، مثل ما ذكره في كتابه (القضية العربية)». يقول الشاعر مشيرا إلى تعلقه بالزبارة:

هواي زباري ولست بكاتم

هواي ولا مصغ للاح وعاتب (7)

ويحاول في موضع آخر من الكتاب ان يكمل نقده فيقول: تشير معظم المصادر العراقية إلى أن اسم الشاعر هو عبدالجليل البصري، نسبة إلى مدينة البصرة التي ولد فيها... أما في كتابه «الثقافة في الكويت»، فيقول: ان عثمان بن سند كان موضع خلاف بين الباحثين من حيث نسبته إلى الكويت أو العراق. وكان الطبطبائي محل خلاف بين الباحثين كذلك في نسبته إلى العراق وقطر والبحرين والكويت. وهذا الأمر مألوف بسبب عدم وجود قيود على التنقل. (8)

ويقول د.الابراهيم. وقد حاول أحد أحفاد عبدالجليل الطبطبائي، محمد الطبطبائي في تحقيق ديوان «روض الخل والخليل» إثبات وجود وأثر جده في الكويت من خلال نسبة مسجد في الكويت لجده عبدالجليل الطبطبائي على الرغم من أن الذي بني المسجد ينتسب إلى أسرة مختلفة هي العبدالجليل.


كتاب الدرة الثمينة نظم العشماوية

ولم يتوقف الأمر عند هذه النقطة كما يذكر الوقيان في كتاب «القضية العربية» بل عجز محمد الطبطبائي عن إيجاد بيت واحد لجده في مدح الكويت فلم يستطع». (9)

الرد على اعتراضات د.الإبراهيم الشيخ عثمان بن سند والسيد عبدالجليل الطبطبائي

سوف أبدأ بالاعتذار من القارئ بسبب اضطراري إلى الاستشهاد بنصوص طويلة مما قاله د. الإبراهيم حتى أمكنه من بسط آرائه وانتقاداته كاملة غير منقوصة، أو مبتورة من سياقاتها، كما فعل في عرض ما قلته. ثم أقوم بالرد عليه قال د. الابراهيم: «فهل مولد عثمان بن سند في الكويت يجعله كويتيا حتى قبل أن تسمى الکويت كويتا؟» (10).

وأقول: لماذا لا يكون مولد عثمان بن سند في الكويت، ووجوده فيها نحو أربعة عقود من عمره البالغ نحو ستة عقود، وتأليفه كتاباً عن أحد وجهائها، أحمد بن رزق، وذكره أميرها الشيخ عبد الله بن صباح الأول، وتجوله معه في خور عبد الله، وترجمته لبعض الشخصيات الكويتية في كتاب سبائك العسجد، واهتمام علماء الكويت بمؤلفاته، مسوغاً لنسبته إلى الكويت، مثلما نسبه البصريون إلى البصرة، والنجديون إلى نجد، والزبيريون إلى الزبير، والإحسائيون إلى الأحساء؟

أما قول د. الإبراهيم: «قبل أن تُسمى الكويت كويتًا»، فهل يُعقل ألا يعرف الباحث، وهو المتخصص في التاريخ، أن الكويت عُرفت باسمها قبل أن يُولد عثمان بن سند، إذ ذكرها بهذا الاسم الرحالة السوري مرتضى بن علوان، حين مر بها في عام 1709م، ومن المؤكد أنها عُرفت بهذا الاسم قبل مرور مرتضى بن علوان بها.



وثمّة مصادر عديدة تشير إلى أن الكويت أسست في عام 1613م (11). أما قوله إن السبب – أي سبب عدِّ عثمان بن سند كويتيًّا، وعدِّ الأستاذ خالد سعود الزيد السيد عبد الجليل الطبطبائي كويتيًّا – هو محاولة إيجاد عمق ثقافي للدول المؤسسة حديثًا، فالرد عليه: لو أننا أردنا إيجاد عمق ثقافي لبلدنا، لفعلنا مثلما يفعل كثير من إخوتنا العرب، الذين ينسبون آثار الحضارات القديمة إلى دولهم التي نشأت، واكتسبت أسماءها الحالية في القرن العشرين.

كان بإمكاننا أن نتحدث عن آثار حضارة العُبيد، ودلمون، والإغريق وغيرها، المنتشرة في مواقع عديدة من بلادنا: جزيرة فيلكا، جزيرة عكاز، الصبية، كاظمة... إلخ، ولكننا لم نفعل ذلك. وكنتُ قد قلتُ في كتاب الثقافة في الكويت: «أما حضارة الإنسان منذ العصر البرونزي، وآثار حضارة دلمون وغيرها القائمة في أرض الكويت، فلن ننسبها إلى تاريخنا الثقافي الحديث، ونمدّ من خلالها عمر ثقافتنا آلاف السنين، كما فعل كثير من الباحثين في أقطار عربية أخرى، ذلك أن تلك الآثار تعود إلى أمم خلت، منها من نَمُتُّ إليها بنسب، مثل صُنَّاع حضارة دلمون، وإن كنا لا نمثل الامتداد الثقافي لهم، بسبب وجود فجوات تاريخية طويلة بيننا وبينهم، ومنها ما يُنسب إلى أمم أخرى، كالإغريق الذين مروا ببلادنا، أو أقاموا فيها حيناً من الزمن في حقب سالفة، ومن بينهم من اندمجوا مع السكان الأصليين في جزيرة فيلكا، وتعربوا، في رأي بعض كبار المؤرخين»(12). غير أننا لا نريد أن نعتسف الحقائق، ونستسلم لمغريات مدّ تاريخنا الثقافي آلاف السنين، ونحن نؤرخ للثقافة في كيان حديث نشأ في القرن السابع عشر (13).

يُضاف إلى ذلك أنني لم أستعر علماً مهمّاً في مجال الشعر، هو السيد عبد الجليل الطبطبائي، وأُضيفه إلى تاريخ الحركة الشعرية في الكويت، على الرغم من وجود باحثين كويتيين لهم كل الاحترام عدّوه شاعراً كويتيّاً، وكنتُ أرى خلاف ذلك، فإقامته في الزبارة والبحرين امتدت نحو أربعة عقود، كان خلالها في ظل آل خليفة، وكان له دور ثقافي وسياسي مهم في البحرين، وصل إلى حدّ أنه وقع نيابة عن الشيخ سلمان بن أحمد، والشيخ عبد الله بن أحمد، شيخي البحرين، معاهدة الصلح المشترك بين بريطانيا وإمارات الخليج العربي، أما الكويت فلم يُقم فيها سوى السنوات العشر الأخيرة من عمره.



ويقول د. الإبراهيم: «لذا، ما انتُقد به الوقيان من وصف الطبطبائي بالبصري، نجد عثمان بن سند يصف نفسه طوعًا بالبصري، كما جاء في كتابه سبائك العسجد». لم أفهم المقصود بكلمة «انتقد» غير المشكولة، فهل هي «أنتَ قد» أو «انتُقِد»؟ وفي كل الأحوال، لم أصف الطبطبائي بالبصري، واسمه يرد لديَّ هكذا: «السيد عبد الجليل الطبطبائي»، وليس «البصري»، ثم إنني رجحت انتسابه للبحرين للأسباب التي أشرتُ إليها. ولستُ أدري كيف يسمح الباحث لنفسه بتحريف النصوص وتأويلها بعيداً عن مقاصدها (14).

كان لابد أن أقوم بتحقيق اسم السيد عبدالجليل ما دمتُ أترجم له، كما فعلتُ مع عثمان بن سند. وقد أحصيتُ الأسماء التي ذكرتها المصادر، ولم أكتفِ بالاطلاع على غلاف كتاب له، فقلتُ: «تشير معظم المصادر العراقية التي اطلعتُ عليها إلى أن اسم الشاعر هو السيد عبد الجليل البصري، ويتفق معها في التسمية صاحب فهرس الأعلام، وصاحب أعيان القرن الثامن عشر. ولربما أُشير إليه أحياناً باسم السيد عبد الجليل، كما جاء في تاريخ الكويت، وصفحات من تاريخ الكويت، ومن هنا بدأت الكويت، وكذلك ديوانه طبعة بومباي، وطبعة البحرين، وطبعة دمشق. وقد يُشار إليه باسم عبد الجليل الرفاعي، وعبد الجليل بن السيد ياسين الشافعي، أما اسمه الكامل فهو: السيد عبد الجليل السيد ياسين بن إبراهيم بن طه بن خليل بن صفي الدين الطباطبائي الحسني» (15).

وقد ترك د. الإبراهيم كل هذا التحقيق العلمي للأسماء العديدة التي سُمي بها السيد عبد الجليل، وتعلّق بـ«البصري»، الاسم الذي ذكرته مصادر عراقية، ولم أعتمده فيما كتبتُ عنه، على الرغم من أن الانتساب للبصرة ليس سُبَّة، فهي بلد العلم والعلماء.

أما الشق الثاني من الجملة، وهو «نجد عثمان بن سند يصف نفسه طوعًا بالبصري»، فردي عليه هو أن د. الإبراهيم يكتفي - كما يبدو - بالاطلاع على أغلفة مؤلفات عثمان بن سند، ولا يدخل إلى متنها، ليتعرف على الاسم الذي يعرف به المؤلف نفسه، ويذكر اسمه. وقد حققتُ أشهر الأسماء التي أُطلقت عليه، وهي: الوائلي، والفيلكاوي، والفيلكي، والبصري، والنجدي، وقلتُ: «ولعل التسمية الصحيحة له، هي التي يختارها هو، ويذكرها في مؤلفاته، وهي (عثمان بن سند) فحسب». وهذا الاسم هو الذي يتكرر في خطب مؤلفاته أو في ختامها (16).

يقول في نهاية كتابه سبائك العسجد: «يقول موشي بروده، وناظم قلائده وعقوده... الملتجئ إلى كرم الصمد، عثمان بن سند، وفقه الله في القول والعمل». ويقول في ختام كتابه أصفى الموارد من سلسال أحوال الإمام خالد: «تم كتابة وتبييضاً من يد أفقر الورى، عثمان بن سند، لأربع خلون من جمادى الآخرة من شهور سنة 1234 هجرية».

ويقول في كتابه «الدرة الثمينة في مذهب عالم المدينة» - (نظم العشماوية): وبعد، فالمشهور بابن سند عثمان ذو الذنب الذي لم يعدد.. ويقول في كتابه: «نظم العمروسي الموسوم بأوضح المسالك على مذهب الإمام مالك» وبعد، فالمعني بابن سند عثمان، عوفي من عيون الحسد....


كتاب نظم العمروسي أوضح المسالك على مذهب الإمام مالك

كما أن ناسخ الكتاب التزم بالاسم الذي اختاره المؤلف لنفسه، إذ قال: هذا كتاب نظم العمروسي الموسوم بأوضح المسالك على مذهب الإمام مالك للإمام العالم العلامة الحبر البحر الفهامة الأديب الأريب الضارب مع الأقدمين بأوفر نصيب من جد في طاعة الله واجتهد الشيخ (عثمان بن سند) سقى الله... ومن المحققين لبعض كتب ابن سند من ذكره باسم (عثمان بن سند الوائلي الفيلكاوي) مثل الأستاذ عبدالرحمن راشد الحقان. الذي حقق كتابه (الدرة الثمينة في مذهب عالم المدينة، وثمة من أعاد نشر كتابه (سبائك العسجد في أخبار أحمد نجل رزق الأسعد) مع الالتزام بالاسم الذي اختاه المؤلف لنفسه، وهو(عثمان بن سند)، ومنهم الأستاذ عادل محمد الزنكي.. وفيما يلي صور لما توافر لدي من مؤلفات عثمان بن سند، وفي مقدمتها كتابه (سبائك العسجد)، الذي استشهد به د. الإبراهيم غير مرة، إذ يتبين أنه لم يسم نفسه في ذلك الكتاب البصري... وكذلك الحال فيما يتعلق ببقية مؤلفاته مثل: أصفي الموارد والدرة الثمينة، وأوضح المسالك... أما الأسماء التي يضعها النساخ أو الناشرون للكتب فلا تعد بديلاً للاسم الذي اختاره المؤلف لنفسه. وثمة محققون التزموا بالاسم الذي اختاره المؤلف..

وحتى في حال افتراض تسمية نفسه بـ(البصري) فهذا الأمر لا يغير من حق الباحثين الكويتيين في نسبته للكويت للمسوغات التي يذكرونها، ولا يقتضي الأمر نفي نسبته إلى الكويت لمجرد وجود صفة أو لقب البصري في نهاية اسمه لدى بعض ناشري كتبه، فهناك أسر كويتية كريمة تحمل أسماء مدن غير كويتية، مثل: الحساوي والبغدادي والبهبهاني والنجدي والمصري، فهل نقول عنهم إنهم اختاروا طوعاً تلك الأسماء فهم غير كويتيين قياساً على ما ذكره د. الإبراهيم عن عثمان بن سند؟ ويقول د. الإبراهيم بعد ذكر نسبة محمد الطبطبائي مسجد العبدالجليل لجده، ولم يتوقف الأمر عند هذه النقطة كما يذكر الوقيان في كتابة «القضية العربية بل عجز محمد الطبطبائي عن إيجاد بيت واحد لجده في مدح الكويت».

يقول الإبراهيم: كتب عثمان بن سند اسمه كالتالي على كتابه «سبائك العسجد - عثمان بن سند البصري» وتجد هذا الاسم على جميع النسخ المنسوخة عن المخطوط، وحتى المحقق منها

لم أقل في مدح الكويت، بل قلت عن الكويت والأمانة العلمية تقتضي من الباحث الالتزام بالنص المقتبس، الذي يشير إلى مصدره. وهذا القول جاء ضمن مقالة من حلقتين نشرتها في جريدة القبس الكويتية بتاريخ 1 و2012/4/2م وهي تتضمن نقداً لتحقيق د. محمد الطبطبائي لديوان، (روض الخل والخليل)، للسيد عبدالجليل، ثم استشهدت بها في كتاب (القضية العربية في الشعر الكويتي) كنت أرى عدم وجود ضرورة لتغيير الحقائق والتواريخ لإثبات حب السيد عبدالجليل للكويت، فلو لم يكن يحبها لما اختارها وطناً له، ولأسرته الكريمة بعد اضطراره الخروج من البحرين في العام 1842م - كما يقول بسبب الأحداث التي أشار إليها في ديوانه.

وسوف أذكر فيما يلي الجملة التي اقتطع د. الإبراهيم جزءاً منها، ووظفها لغير الغرض الذي جاءت من أجله. قلت في نقد تحقيق الديوان:

(حاول أحد أحفاده، وهو د. محمد عبدالرزاق الطبطبائي أن يجد له بيتاً واحداً عن الكويت فلم يستطع، فاستعار أبياتاً من قصيدة للشريف الرضي، ورد فيها اسم «كاظمة»، كان السيد عبدالجليل قد قام بتشطيرها فنسبها لجده، وفاته أن البيت الذي ذكرت فيه كاظمة من نظم الشاعر العباسي الشريف الرضي.

يقول د. محمد الطبطبائي في المقدمة التي كتبها لديوان. «روض الخل والخليل» للسيد عبد الجليل لقد وردت الكويت، وحنينه لها، والتي لا يهنأ إلا بها، حيث قال عندما كان على شاطئ الفرات:

وهل أبيت وداري عند «كاظمة»

قرير عين بعين بين أزهار

لم أنس جيرتنا ومترع المنحنى (كذا)

داري وسمار ذاك الحي سماري

تضوع أرواح نجد في ثيابهم

فهاج شوقي لمغنى فيه أوطاري (17)

وهذا القول لا يقصد به الانتقاص من قدر الشاعر السيد عبدالجليل، بل القصد هو نقد تحقيق د. محمد للديوان، وبيان الأخطاء التي شابت تحقيقه ويعود د. الإبراهيم مرة أخرى إلى الاقتباسات المبتورة من سياقها بالصورة التي تتفق مع قناعاته المسبقة، أو بسبب التوجيه الآيديولوجي الذي انتقده. يقول: «نجد أن الوقيان يحاول إضعاف انتساب الطبطبائي إلى الكويت من خلال ذكر بعض الشواهد التي لا تدل على أن علاقته بالكويت كانت علاقة كبيرة، مثلما ذكره في كتاب القضية العربية، يقول الشاعر مشيراً إلى تعلقه بالزبارة:

هواي زباري ولست بكاتم

هواي ولا مصغ للاح وعاتب (18)

وأقول في الرد على هذا الزعم: ورد هذا البيت من الشعر خلال توثيق سيرته منذ الولادة حتى الوفاة

وسوف أبين فيما يلي السياق الذي جاء فيه هذا البيت قلت: وإذا ما اتجهنا إلى قطر فسوف نرى القطريين ينظرون إليه بصفته واحداً من شعرائهم. إذ جاء في مقدمة ديوانه (هذا ديوان السيد عبدالجليل الطبطبائي القطري الموطن، وصاحب الديوان من شعراء البادية. ولد في قرية الزبارة، وعاش فيها روحاً من الزمن، وتزوج فيها، ثم تعرضت الزبارة لاعتداء عن طريق البحر فرحل فيمن رحلوا وسكن العراق الجنوبي فترة من الزمن، فتغنى بالشعر في ذكر أحبابه حيث يقول:

ففارقت طيب العيش بعد فراقها

ولا ساغ لي يوماً لذيذ المشارب

وذكر محب الدين الخطيب خلال عرضه لسيرة حياته أنه وعندما كان في السابعة والعشرين من عمره كان متوطناً الزبارة... واتفق أن تغيب عنها في الشمال لتعهد مصالح له، وترك في بيته بقطر أهله وولده فوقع عليهم الحصار من سلطان بن سعيد إمام عمان، ويقول الشاعر مشيراً إلى تعلقه بالزبارة:

هواي زباري ولست بكاتم

هواي ولا مصنع للاح وعاتب

ويتبين من هذا الاقتباس أن الذي استشهد بهذا البيت هو محب الدين الخطيب في سياق ترجمته لحياته، وكان لابد من عرض وجهة نظره ضمن ما ذكرته المصادر عن سيرة السيد عبدالجليل، ويتبين من هذا التوضيح مدى تعسف الباحث في تحريف الكلم عن مواضعه، ولي أعناق النصوص حتى تتفق مع رؤية مسبقة لديه للانتقاص من جهود الآخرين.

التقليل من شأن الكويت ثقافيا

لا أدري لماذا يصر د. الإبراهيم على التقليل من شأن الكويت في مجال الثقافة والعلم. يقول: (عُرف عن الكويت منذ تأسيسها كثرة الأميين فيها. ولعل الدليل على ذلك أن أول مدرسة نظامية تأسست في الكويت كانت المباركية في عام 1911م) (19).

إن عدم وجود مدارس تسمى نظامية في القرون الأولى لتأسيس الكويت لا يعني عدم وجود التعليم، وشيوع الأمية. بماذا يفسر الباحث وجود العدد الكبير من علماء الدين والقضاة والشعراء والكتاب والمؤرخين، وربابنة السفن العابرة للمحيطات، المحيطين بعلوم البحار والفلك، والتجار الذين انشأوا المكاتب التجارية في آسيا وأوروبا، والمثقفين الذين انشأوا مؤسسات المجتمع المدني الثقافية والاجتماعية، مثل الجمعية الخيرية العربية ومكتبتها 1913م، والمكتبة الأهلية 1922م، والنوادي الأدبية في الكويت 1924م، وفي الهند وعدن في الوقت ذاته، وذوى الوعي السياسي المبكر، الذين طالبوا بإنشاء مجلس الشورى عام 1921م، والذين كان لهم حضور في الحركة العربية السيرية عام 1935م.


كتاب أصفى الموارد

كل هؤلاء وأولئك تعلموا، وأقاموا علاقات ثقافية واقتصادية وسياسية مع الآخر. وبنوا وطنا احتل مكانة مميزة في المنطقة، أشاد به الرحالة والزوار الأجانب. حدث ذلك قبل أن ينشأ ما سمي التعليم النظامي، وقبل دخول القرن العشرين، فلماذا نشيع ثقافة عدم الثقة بالنفس، ونستسلم لثقافة الاستعلاء التي يشيعها بعضهم عن دول الخليج والجزيرة العربية.

من جهة أخرى فإن قول الباحث الكريم «عُرف عن الكويت منذ تأسيسها كثرة الأميين» رأي غير علمي، فما معنى ذلك الفعل المبني للمجهول «عُرف»، وإلى متى يستمر هذا التوصيف للكويت، أي منذ تأسيسها؟ فإن لم يحدد الزمن فالجملة تعني أن الحالة مستمرة حتى الآن.

وحتى في حال شكوى بعض الأدباء من شيوع الجهل، فالشكوى ينبغي أن تقرأ في حدود أدبيات مرحلة الصراع الفكري الذي شهدته الكويت في مطلع القرن العشرين بين تيار الغلو الديني الذي مثله الشيخ عبدالعزيز العلجي والشيخ أحمد الفارسي وأنصارهما من جهة، والتيار الإصلاحي، الذي مثله الشيخ عبدالعزيز الرشيد والشيخ يوسف بن عيسى والشاعر صقر الشبيب وغيرهم، ثم تيار التنوير الذي مثله عيسى القطامي وعبداللطيف النصف وخالد الفرج وسيد مساعد الرفاعي وأحمد خالد المشاري وحجي جاسم الحجي، وسليمان وخالد العدساني وأحمد بشر الرومي وغيرهم من جهة أخرى.

فالشكوى من الجهل يُقصد بها الجهل في فهم منطق العصر لدى المتأثرين بتيار الغلو الديني، ولا يقصد بها الإصلاحيون والتنويريون أن المجتمع أمي، كما فهمها د. الإبراهيم.

وأحسب أن وصف الشيخ يوسف بن عيسى بأنه أحد العلماء التنويريين غير دقيق، فهو والشيخ عبدالعزيز الرشيد من العلماء الإصلاحيين.

بين د. الإبراهيم ود. عماد رؤوف (20)

وصف د. الإبراهيم مقالاته بأن موضوعاتها اجتمعت على ميزتين إحداهما أنها كتبت بقلم ناقد فاحص، وثانيهما أنها تخللتها محاولات لإعادة قراءة التاريخ الكويتي والخليجي بشكل ومنهج مباين للمتاح من الأدبيات العربية.

ولأن الباحث ناقد فاحص فقد توقعنا منه أن يتصدى للمغالطات والأخطاء التي شابت ما كتبه د. عماد عبدالسلام رؤوف عن سيرة عثمان بن سند، وعن فيلكا، بدلا من الإعجاب بمنهجه في كتابه «التاريخ والمؤرخون العراقيون في العهد العثماني»، وتوجيه الانتقاد إلى من تصدى لمغالطاته، فضلا عن انتقاده المؤرخين الكويتيين الرواد، الذين قدموا لنا مادة ثرية نفيسة قبل افتتاح الجامعة، ثم إنهم لفرط تواضعهم اختاروا لمؤلفاتهم مسميات دالة على محتواها، وأنها لا تستغرق التاريخ كله، فالأستاذ سيف الشملان سمى كتابه «من تاريخ الكويت».

يقول الإبراهيم: فهل مولد عثمان بن سند في الكويت يجعله كويتياً حتى قبل أن تسمى الكويت كويتاً؟

كما سمى برنامجه التاريخي التوثيقي المهم في التلفزيون «صفحات من تاريخ الكويت»، أما الشيخ يوسف بن عيسى فكان اسم كتابه «صفحات من تاريخ الكويت»، وقال في مقدمته «هذه نبذة يسيره من تاريخ الكويت، ألفتها لأبناء المدارس»، أما الأستاذ راشد الفرحان فقد سمى كتابه «مختصر تاريخ الكويت»، وأعده وهو طالب، وكان هدفه وضع بديل للكتب الرخيصة التي كان ينشرها بعض الإعلاميين الذين يزورون الكويت.

أما الشيخ عبدالعزيز الرشيد فكتابه «تاريخ الكويت» لا يزال عمدة في بابه، وليس بإمكان أي مشتغل في التاريخ أن يتجاوزه أو يستغني عن العودة إليه، كما قدم الأستاذ عبدالله الحاتم مادة قيمة جليلة النفع في توثيقه للبدايات في كتابه «من هنا بدأت الكويت».

أما الأخطاء التي شابت ترجمة د. عماد رؤوف لسيرة عثمان بن سند فسوف أشير فيما يلي إلى أمثلة منها: يقول في مقدمة تحقيقه لكتاب عثمان بن سند «مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود»: ولا نملك معلومات ما يوضح (كذا) زمن هجرته فيلكا، وما كان عليه من العمر يوم فعل ذلك. ومن المحتمل أن تكون هجرته هذه ضمن نزوح جماعي قامت به بعض فروع قبيلته إلى البر المقابل، أعني بلاد الاحساء إبان ذلك العهد، واستمر في العهود التالية (21).

وهذا القول المرسل لا يستند إلى مصادر معلومة، فهو يقر بأنه لا يملك معلومات توضح زمن هجرة ابن سند من فيلكا، تم يتوقع أن تكون الهجرة ضمن نزوح جماعي قامت به فروع من قبيلته دون أن يبين سبب هذا النزوح الجماعي المفترض، الذي لم يقل به أحد من قبل، وقوله هذا يوحي بأن موطن قبيلة عنزة هو جزيرة فيلكا، وأن حضورها في الجزيرة كبير بدليل أن فروعا منها غادرتها إلى البر المقابل، ولعله لا يعلم أن فروعا من أسرة «السند» لم تغادر جزيرة فيلكا إلا حين قام النظام العراقي بغزو الكويت في عام 1990م.

والمحقق د. عماد يعد الأحساء البرّ المقابل لجزيرة فيلكا، التي يقول هو عنها إنها تفصلها عن اليابسة خمسة عشر ميلا، على حين تبعد الأحساء عنها مئات الكيلومترات. ويبدو أنه لا يريد أن يذكر أن البر المقابل الجزيرة فيلكا هو مدينة الكويت.

أما قوله «إبان ذلك العهد والعهود التالية»، فلم يبيّن العهد أو العهود التي يقصدها.

أما جزيرة فيلكا التي أنجبت العالم الكبير عثمان بن سند، ومن سبقوه، ومن جاؤوا بعده من العلماء والربابنة والفنانين، فيقول عنها: ولم تكن فيلكا قد أنجبت حتى ذلك الحين إلا زرّاعا وصيادين غاصة (كذا) يزرعون بهدوء بساتين جزيرتهم، ويصطادون السمك واللؤلؤ من حولها، لا يكادون يسمعون من أخبار العالم إلا لماما، وهم الذين تفصلهم عن اليابسة خمسة عشر ميلا، لا تقطعها السفن، وجلّها سفن صيد إلا لسبب يتعلق ببيع يتحصل لدى غاصتها من لؤلؤ، وعند صياديها من سمك (22).

يقول الإبراهيم: نجد عثمان بن سند يصف نفسه طوعاً بالبصري كما جاء في كتابه «سبائك العسجد» المطبوع في الهند 1315 هجرية

هل يُعقل أن تأتي هذه المعلومات المرسلة المغلوطة، والأسلوب الإنشائي، المعتمد على الخيال من باحث أكاديمي، وكأنه يتكلم عن«جزر الواق واق» أخطاء فادحة في التاريخ والجغرافيا ومعرفة مغاصات اللؤلؤ، البعيدة عن جزيرة فيلكا، وكيفية بيع اللؤلؤ.

وجزيرة فيلكا التي يستهين بها د. عماد، أو يجهل تاريخها أنجبت قبل مولد عثمان بن سند بنحو قرن من الزمن علماء عرفنا منهم الشيخ مسيعيد بن أحمد بن مساعد بن سالم، الذي نسخ «الموطأ» للإمام مالك عام 1094هـ و1682م، ومهمة النساخ في القرن السابع عشر لا يُستهان بها.

وقد بيّن المحقق الشيخ محمد بن ناصر العجمي ما قام به الشيخ مسيعيد، إذ يقول: «وقد نسخت بخط أنيق مشكول، اعتنى بها ناسخها.. وقد جعل نص الكتاب في إطار بالخط الأحمر، كما أنه حلّاه ببعض الحواشي.. وألحق به ما فاته من بعض الكلمات أو السطور، وذكر في أول المخطوطة، وقبل العنوان بعض الفوائد والفضائل حول الموطأ، ثم ذكر أنه برواية يحيى بن يحيى الليثي عن مالك.. وأشار إلى ما اشتمل عليه «الموطأ» من الكتب ابتداء بالصلاة (23).

أُنشئت في الكويت مؤسسات المجتمع المدني الثقافية والاجتماعية مثل الجمعية الخيرية العربية ومكتبتها عام 1913والمكتبة الأهلية 1922 والنوادي الأدبية 1924

وما قام به الشيخ مسيعيد لم يكن نسخا للمخطوطة فحسب، بل هو تحقيق لها أيضا، مما يدل على وجود بيئة علمية في فيلكا مكّنته من الوصول إلى درجة عالية من الإتقان في عمله العلمي. وإذا كان د. عماد، وربما د. الإبراهيم أيضا يستغربان وجود بيئة ثقافية في الكويت يمكن أن تنجب عثمان بن سند، ومن هم في مستوى علمه، فماذا يمكن أن يقولا عن وجود الشيخ مسيعيد ومجايليه في فيلكا قبل مولد عثمان بن سند بنحو قرن من الزمن، ثم وجود من جاؤوا بعده ممن وصلتنا بعض المخطوطات التي قاموا بنسخها، مثل الشيخ عبدالله بن على بن سعيد بن بحر، الذي نسخ الرسالة الفقهية لأبي زيد محمد بن عبدالله بن أبي زيد القيرواني عام 1138هـ - 1726م، وكذلك نسخ كتاب الأربعين لمحيي الدين يحيى النووي عام 1156هـ - 1743 م، أي قبل أن يولد عثمان بن سند.

ولا يتّسع المجال لذكر مزيد من النساخ والمؤلفين الأوائل مما يدل على وجود بنية ثقافية أسهمت في تكوين عثمان بن سند وغيره.

ويفتقر د. عماد إلى الدقة في الإحالة إلى المصادر، ومن الشواهد ما يتعلّق بموضوع استقرار عثمان بن سند في البصرة، يقول «استقر به المقام في البصرة، وذلك في حدود عام 1204هـ - 1789م، ويحيل إلى مصدره في ذلك القول، وهو كتاب «أصفى الموارد من سلسال أحوال الإمام خالد لعثمان بن سند (24) ولدى العودة إلى ذلك المصدر نجد ابن سند يتحدث عن أستاذه البيتوشي، الذي التقى به في الأحساء أو هجر البحرين، إذ يقول عنه، وعن سماعه منه، ومشاركته إياه في شرح الشافية في الصرف وسمعت»شرح سقط الزند«عام ألف ومئتين وأربع من الهجرة (25).

فالذي يشير إلى حدوثه عام 1204هـ هو سماعه لـ»سقط الزند» من البيتوشي في الأحساء، وليس نزوله هو البصرة، بمعنى الاستقرار فيها، أما سفره إلى البصرة وغيرها من المدن في ذلك العام للالتقاء بالعلماء، فهو أمر ممكن الحدوث، ويتفق مع طبيعته في التنقل بين الأمصار.

«هل يعقل ألا يعرف الباحث أن الكويت عرفت باسمها قبل أن يولد عثمان بن سند إذ ذكرها بهذا الاسم الرحالة السوري مرتضى بن علوان عام 1709؟»

ويشير د. عماد إلى أن ابن سند كان يدرس عدة أعوام في الجامع الكوازي والمدرسة المحمودية، ثم يجمع سنة 1217 هـ - 1794م بين المحمودية والمدرسة الخليلية (26).

وفيما يتعلق بجمعه بين المحمودية والخليلية عام 1217هـ - 1794م، فهذا الرأي غير صحيح، فتاريخ جمعه بين المدرستين كما ذكر محمد بهجة الأثري هو عام 1227هـ - 1812، ثم إن عام 1217 للهجرة يعادل عام 1802- 1803م، وليس عام 1794م كما ذكر المحقق د. عماد (27).

وهكذا يتبين أن المحقق د. عماد غير دقيق في نقل ما تذكره المصادر التي يحيل اليها. ويبدو أن التاريخ الأرجح لنزول عثمان بن سند البصرة، بمعنى الاستقرار فيها هو عام 1220هـ - 1806/1805م، وفق رواية نعمان الآلوسي ومحمد بهجة الأثري (28).

بم يفسر الباحث وجود العدد الكبير من علماء الدين والقضاة والشعراء والكتاب والمؤرخين وربابنة السفن العابرة للمحيطات والمحيطين بعلوم البحار والفلك؟

ويروي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن السند عن أخيه محمد أن قريبهما عثمان وُلد في جزيرة فيلكا، ونشأ في الكويت، وقرأ على الشيخ عبدالله الشارخ.. وسافر من الكويت إلى البصرة سنة 1217 هـ (29) م 1803/1802.

ويقول د. عماد عن تاريخ استقرار ابن سند في بغداد: بيد أن أمرا جدّ بعد سنة 1233هـ 1816م اضطره إلى مغادرة البصرة نهائيا، تاركا أهله ليستقر في بغداد حتى آخر حياته» (30) ثم يقول في موضع آخر من الكتاب نفسه (مطابع السعود): «وصلت إليه رسالة من داود باشا يطلب منه القدوم إلى بغداد، فامتثل للأمر، ودخلها في 12 ذي الحجة 1241هـ 1825/م (31)، فأي التاريخين نعتمد لاستقراره في بغداد؟



ويقول د. عماد: كان من حسن طالع الجزيرة أن يولد في يوم من أيام سنة 1180 هـ/ 1766م طفل دعي «عثمان»، وكان أبوه يدعى سند من رجال قبيلة عنزة العدنانية التي تقيم في فيا في نجد وسواحلها ثم يحيل إلى ما قاله الشيخان محمد وعبدالله آل سند بقوله: أورد الشيخان... نسب عثمان بن سند على النحو الآتي، عثمان بن محمد بن أحمد بن راشد. (32)

عدم وجود مدارس نظامية في القرون الأولى لتأسيس الكويت لا يعني عدم وجود التعليم وشيوع الأمية

والحقيقة ان الشيخ عبدالله السند نقل عن أخيه محمد ان الاسم هو (عثمان بن سند) وليس عثمان بن محمد، إذ قال: كان سند بن محمد له ابن اسمه عثمان ولد في جزيرة فيلكا. ونشأ في الكويت، وقرأ على الشيخ عبدالله الشارخ، وسافر من الكويت إلى البصرة سنة 1217 هـ. (33)

وقد نقل المحقق د. عماد الخطأ في الاسم عن مصدرين وسيطين كما قال هما:

علماء نجد خلال ثمانية قرون، وإمارة الزبيربين هجرتين، إذ انهما نقلا رواية الشيخ عبدالله السند بصورة مغلوطة، ولم ينتبها إلى قوله: كان سند بن محمد له ابن اسمه عثمان، فظنا ان محمد والد لعثمان. وهو في الحقيقة والد لـ (سند)، وكان على المحقق ان يعود إلى المصدر الأصيل، کتاب عبدالله عبدالرحمن السند «من مائدة النبوة» بدلا من الاعتماد على المصادر الوسيطة التي نقلت عنه.

ولدى ذكر مؤلفات عثمان بن سند قال د. عماد عن «الدرة الثمينة والواضحة المبينة في مذهب عالم المدينة»، وهي منظومة في فقه الإمام مالك، ذكر الشيخ محمد بهجة الاثري ان منها نسخة في خزانة كتب العلامة نعمان الآلوسي. ولم نقف عليها في الفهرس... كما لا وجود لها في مكتبة الأوقاف ببغداد. (34)

ترك الإبراهيم كل هذا التحقيق العلمي للأسماء العديدة التي سمي بها عبدالجليل وتعلق بـ «البصري» الاسم الذي ذكرته مصادر عراقية ولم أعتمده فيما كتبت عنه

والحقيقة ان «الدرة الثمينة» هي «نظم العشماوية»، التي نسخها راشد بن عبداللطيف بن عيسى بن احمد، الذي يبدو انه من سكان جزيرة فيلكا، وقد آلت هذه المخطوطة إلى الملا عبدالقادر السرحان مختار جزيرة فيلكا واحد فقائها، وقام الاستاذ عبدالرحمن راشد الحقان بتحقيقها ونشرها. (35)

وقد اشار ابن سند إلى تسميتها بالدرة الثمينة بقوله:

«سميته بالدرة الثمينة في مذهب العالم للمدينة»

وبعد، فإن قيام الباحثين الكويتيين بنسبة عثمان بن سند إلى الكويت لا يصادر حق البصريين في نسبته إلى البصرة، فتنقل العلماء والأدباء بين الأمصار أمر مألوف في الزمن الذي وجد فيه. عثمان بن سند والسيد عبدالجليل الطبطبائي وغيرهما.

وما أود بيانه في هذه المقاله هو الرد على من ينكرون على الباحثين الكويتيين حقهم في التعريف بعلماء ولدوا في الكويت، وعاشوا فيها شطرا كبيرا من أعمارهم فضلا عن الرد على المغالطات التي يقع فيها بعض الباحثين، ثم انني لست الباحث الوحيد، الذي اضاف ابن سند إلى التاريخ الثقافي للكويت، فقد تناوله بالبحث كل من حمد السعيدان وخالد سالم محمد وعدنان الرومي، وعبدالمحسن الجارالله الخرافي، وعبدالرحمن الحقان، وعادل محمد الزنكي... وغيرهم

الحواشي والهوامش

1 - عبدالرحمن الإبراهيم - لا يكتب التاريخ مرة واحدة - ص 7

2 - المصدر السابق - ص 16

3 - المصدر السابق ص 335

4 - المصدر السابق ص 340

5 - المصدر السابق ص 2 ح 246

6 - المصدر السابق ص 341-340

7 - المصدر السابق ص 339 - 338

8 - المصدر السابق ص 339

9 - المصدر السابق ص 340-339

10 - المصدر السابق ص 340

-11 - انظر: محمد بن عثمان بن صالح: روضة الناظرين عن مآثرعلماء نجد وحوادث السنين

.2ط7/1 و.ج. ج سلدانها - ترجمة وتعليق د. فتوح الخترش: التاريخ السياسي للكويت في عهد مبارك ص-

2ط 11

عبدالعزيز الرشيد: تاريخ الكويت - ص 29 - ط 2

محمد خليفة النبهاني: التحفة النبهانية 126/6

12 - انظر: جواد على: مجلة المجمع العلمي العراقي - م 31 ج 3 ص 207 يوليو 1980م.

13 - د. خليفة الوقيان - الثقافة في الكويت - بواكير - اتجاهات - ريادات (ص 18، ط 6)

14 - انظر: خالد سعود الزيد: أدباء الكويت في قرنين (44/1، ط 2)

د. خليفة الوقيان: القضية العربية في الشعر الكويتي (ص 26 ط 2)

15 - انظر: القضية العربية في الشعر الكويتي (ص 23 ط 2)

16 - الثقافة في الكويت - (ص 333 -334)

17 - انظر: ديوان الشريف الرضي - تحقيق د. إحسان عباس (517/1)

18 - القضية العربية في الشعر الكويتي ص26

19 - التاريخ لا يكتب مرة واحدة (ص 262)

20 - ذكر د. عماد رؤوف في مقدمة تحقيق كتاب (مطالع السعود)... أن السيدة سهيلة تولت نسخ الكتاب، وأنه قام بمتابعة المؤلف فيما أورد من معلومات تاريخية وبلدانية، وشرح ما غمض وكتابة المقدمة، لذلك ستكون ملاحظاتنا موجهة إليه وحده دون السيدة سهيلة. وسوف تقتصر الملاحظات على ما جاء في المقدمة فقط.

21 - مطالع السعود ص 8

22 - المصدر السابق ص 7

23 – «الموطأ»، للإمام مالك بن أنس - نسخه الشيخ مسيعيد بن أحمد بن مساعد بن سالم. أعده للنشر الشيخ محمد بن ناصر العجمي.

24 - انظر: مطالع السعود ص 11

25 - عثمان بن سند: أصفى الموارد من سلسال أحوال الإمام خالد - ص 102

26 - مصالح السعود ص 15

27 - انظر: الثقافة في الكويت ص 327 - 332

28 - انظر الثقافة في الكويت ص 324 ط 6

29 - عبدالله عبدالرحمن السند: من مائدة النبوة ص 193-192

30 - مطالع السعود: (ص 19)

31 - المصدر السابق (ص 20)

32 - المصدر السابق (ص 7 ح 3)

33 - من مائدة النبوة (ص 194- 193)

34 - مطالع السعود (ص 25)

35 - انظر: عبدالرحمن راشد الحقان: الدرة الثمينة في مذهب عالم المدينة (ص 17- 13) والثقافة في الكويت (ص 74 – ط 6)

كُنا قد تحدثنا في خبر خليفة الوقيان يقدم قراءة نقدية لكتاب «لا يكتب التاريخ مرة واحدة» لعبدالرحمن الإبراهيم - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.

أخبار متعلقة :