غاية التعليمية

الدبلوماسية الرقمية: أداة العصر الحديث لتشكيل العلاقات الدولية - غاية التعليمية

الدبلوماسية الرقمية: أداة العصر الحديث لتشكيل العلاقات الدولية - غاية التعليمية

غاية التعليمية يكتُب.. في عالم يتغيَّر بوتيرة سريعة، بفعل التحوُّلات التكنولوجية، قد يكون المجال مُتاحاً لتطوير مفهوم الدبلوماسية الرقمية كإحدى أهم الأدوات الحديثة التي يمكن أن تستخدمها الدول لبناء وتوطيد العلاقات الدولية.

اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.

بدأ استخدام الدبلوماسية الرقمية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي أدركت أهمية استغلال الإنترنت كوسيلة لتعزيز نفوذها العالمي، ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت هذه المنصات أداة رئيسية في التواصل بين الدول والشعوب، بل امتدت لتصبح ساحة للتفاوض غير المباشر بين الحكومات في بعض الأحيان.

فلم تعد الدبلوماسية مقتصرة على اللقاءات التقليدية في الغرف المُغلقة والسفارات، بل أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية ميداناً رئيسياً للحوار والنقاش، وأصبحت الدول والمنظمات الدولية مقتنعة بتحقيق عدة أهداف من خلال الدبلوماسية الرقمية، وذلك تحت سقف العناوين الرئيسية التالية:

• التعبير عن المواقف، إذ صار شائعاً أن تقوم الجهات الحكومية المختصة والمنظمات الدولية باستخدام التكنولوجيا الرقمية كوسيلة لإطلاق المواقف وتوضيح السياسات، من خلال نشر معلومات دقيقة وبيانات صحافية ومحتوى رسمي يعكس اتجاهاتها وسياساتها الداخلية والخارجية.

• مقاربة الأزمات والتواصل السريع، ففي وقت النزاعات والأزمات والكوارث توفر الدبلوماسية الرقمية وسيلة سريعة وفعَّالة لنقل المعلومات والتصريحات الرسمية، وتجنب انتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة التي قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع.

• تحسين الصورة عالمياً، والترويج للثقافات الوطنية، إذ تركِّز الحكومات على استخدام المنصات الرقمية لتعزيز صورتها أمام المجتمع الدولي، والارتكاز عليها كوسيلة فعَّالة لتعريف العالم بالثقافة والتراث الوطني، ولعرض المبادرات الإنسانية والتنموية، مما يعزز من جاذبية الدولة كوجهة سياحية أو استثمارية.

• تعزيز اللقاءات الافتراضية، حيث تستخدم منصات التواصل لتنظيم فعاليات افتراضية تجمع القادة والمسؤولين من مختلف دول العالم في بيئة رقمية واحدة، للمشاركة في نقاش مسألة معينة، أو عقد لقاء جامع بجدول أعمال محدَّد.

• التواصل مع الشعوب بشكل مباشر، حيث لم يعد الحوار الدولي مقتصراً على النخب السياسية، بل أصبح بإمكان المواطنين العاديين التعبير عن آرائهم وتفاعلهم مع المواقف السياسية المختلفة، وهذا يتيح للأجهزة المختصة في الدول فرصاً لفهم أعمق للرأي العام الداخلي والخارجي، وتعديل سياساتها بما يتماشى مع التطلعات والمستجدات.

وفي هذا الإطار قامت كثير من الدول بإطلاق حسابات رسمية على منصات التواصل الاجتماعي للتفاعل مع مواطنيها في الداخل والخارج، وللترويج لمصالحها الاقتصادية والثقافية.

كما استخدمت الدبلوماسية الرقمية لغايات سياسية بحتة، وأبرز مثال على ذلك ما قامت به الولايات المتحدة عام 2011، حيث استخدمت الجهات المختصة فيها منصة تويتر (إكس حالياً) للمتابعة والتواصل مع الشباب العربي خلال موجة الربيع العربي، مما أتاح للحكومة الأميركية التعرف على تطلعات الجيل الجديد في الشرق الأوسط، والتفاعل معهم بشكل مباشر.

وفي الجانب العربي، تلفت تجربتا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة فيما يخص تعزيز حضورهما الرقمي، من خلال إطلاق حملات تُلقي الضوء على تطلعاتهما المستقبلية وواقعهما المبشر، ويشمل ذلك الإضاءة على المشاريع التنموية والوجهات السياحية، وتوضيح مساهمات كل منهما في القضايا الإنسانية والتنموية على مستوى العالم.

وهذا ما يقوم به منذ فترة الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية كأحد أهم أذرع السياسات الخارجية والتنموية لدولة الكويت، مما يؤكد أننا أمام فرصة كبيرة لتطوير الدبلوماسية الرقمية، في ظل تزايد الاهتمام الحكومي في الكويت بالتحوُّل الرقمي وتعزيز التواصل عبر الإنترنت، وخاصة أن لدى الكويت تجربة عريقة في الدبلوماسية التقليدية والوساطة لحل النزاعات الإقليمية، كما لديها التاريخ الحافل في العمل الإنساني والحضور المرموق على الساحة الدولية.

التحديات التي تواجه الدبلوماسية الرقمية

رغم المزايا العديدة التي توفرها الدبلوماسية الرقمية، فإنها تواجه تحديات كبيرة، نذكر منها:

• انتشار المعلومات المضللة، حيث يُشكِّل انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المغلوطة عبر الإنترنت تحدياً كبيراً أمام الدول في سعيها لتقديم صورة دقيقة لمواقفها وسياساتها، وخاصة في ظل تزايد الهجمات الإلكترونية، وعمليات التضليل التي تستهدف التأثير على الرأي العام.

• عدم السيطرة الحكومية على وسائل التواصل، إذ تُعد المنصات الرقمية أدوات فعَّالة، لكنها غير مملوكة للدول، مما يجعل من الصعب السيطرة على المحتوى المنشور والتحكم في الرسائل الدبلوماسية بشكل كامل، إضافة إلى إمكانية تعرُّض الحسابات للاختراق.

• الفجوة الرقمية، إذ ما زالت هناك فجوة كبيرة في استخدام الإنترنت بين الدول المتقدمة والدول النامية، مما يحد من وصول الرسائل الدبلوماسية الرقمية إلى شرائح واسعة من الجمهور في بعض الدول، وخاصة تلك التي تعاني ضعفاً في البنية التحتية الرقمية.

• عدم أهلية الكوادر البشرية، إذ إن الافتقار إلى المهارات الرقمية اللازمة يُبطئ من قدرة الجهات الدبلوماسية على مواكبة التحوُّل الرقمي، خصوصاً أن هذا المجال يتطلب مستوى عالياً من المعرفة، التي تشمل تقنيات توجيه الخطاب والرسائل، إضافة إلى الإلمام الكافي بالتقنيات الحديثة، مثل: تحليل البيانات، وإدارة المنصات الرقمية، والتعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي.

• الرؤية المحافظة، حيث توجد شريحة واسعة من الموظفين والمسؤولين وصُناع القرار لاتزال تفضِّل الطرق التقليدية في العمل الدبلوماسي، مُعلقةً رفضها على شمَّاعة المخاطر الأمنية أو التغيُّرات السريعة التي قد تفرضها التقنية الحديثة، وهذا ما يمثِّل عرقلة جدية وتحدياً ثقافياً وإدارياً لا يجوز التقليل من حجم تأثيراته السلبية.

المستقبل الواعد للدبلوماسية الرقمية

مع تقدُّم التكنولوجيا وظهور الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، من المتوقع أن تتطور الدبلوماسية الرقمية بشكل كبير في المستقبل، حيث قد يتضاعف لجوء الدول إلى استخدام التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة وتحديد اتجاهات الرأي العام بشكل أدق، مما يساعد في توجيه الرسائل الدبلوماسية بفاعلية أكبر.

علاوة على ذلك، من المتوقع أن تشهد الدبلوماسية الرقمية تعاوناً أكبر بين الحكومات وشركات التكنولوجيا الكبرى لتحسين سياسات التواصل، وتطوير أدوات لمكافحة التضليل الإعلامي وتعزيز الأمان الإلكتروني، مما يسهم في بناء نظام دبلوماسي رقمي أكثر شفافية وفاعلية.

في النهاية، يمكن القول إن الدبلوماسية الرقمية ليست مجرَّد إضافة جديدة للأدوات الدبلوماسية التقليدية، بل هي تحوُّل حقيقي في كيفية ممارسة الدول للعلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين.

ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو القدرة على إدارة هذه الأدوات بفاعلية، والتصدي للمخاطر المرتبطة بها، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة في عالم تتزايد فيه أهمية القوة الناعمة كأدوات رئيسية في تشكيل السياسات الدولية.

* كاتب ومستشار قانوني

كُنا قد تحدثنا في خبر الدبلوماسية الرقمية: أداة العصر الحديث لتشكيل العلاقات الدولية - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.

أخبار متعلقة :