غاية التعليمية

جيل «تيك توك» يستعيد الكلاسيكيات - غاية التعليمية

جيل «تيك توك» يستعيد الكلاسيكيات - غاية التعليمية

غاية التعليمية يكتُب.. من سارة جيه ماس في «محكمة العرش والورود» إلى ريبيكا ياروس في «اللهب الحديدي» مروراً بكولين هوفر «عظام القلب»، هناك العديد من الروائيين المعاصرين الذين صنعوا شهرتهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعيّ، بالذات خلال العقد الأخير من خلال تطبيق «تيك توك» وتسنمّوا لذلك مواقع في أعلى قوائم بيع الكتب في الغرب، رغم أن أعمالهم، بشكل عام، لا ترقى إلى مستوى الأدب الرفيع، وتكون عادة متخمة بالتنانين والجنيّات والألفاظ البذيئة والكثير من العواطف الجياشة، وموجهة غالباً إلى الشباب من صغار السن والمراهقين.

اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.

على أن ثمة ديناميّات جديدة أثارت انتباه الناشرين وأصحاب المكتبات في بريطانيا خلال العام الماضي، إذ قفزت نسخة شعبيّة زهيدة الثمن من «الليالي البيضاء - 1848»، وهي رواية قصيرة وغير شهيرة من أوائل أعمال الأديب الروسيّ فيودور دوستويفسكي (1821 - 1881)، إلى المستوى الرابع على قائمة أكثر مبيعات كتب الرواية المترجمة إلى الإنجليزيّة في المملكة المتحدة للعام 2024، بعد أن تجاوز عدد النسخ المباعة منها حاجز الخمسين ألف نسخة، وهو أمر غير مسبوق، رغم أن طبعة «بنغوين» هذه موجودة في التداول منذ عقود ضمن سلسلة شعبية زهيدة الثمن من الكلاسيكيات، وتبيع كميات جيدة لكن محدودة كل عام.

دوستويفسكي

وانسحب هذا الاهتمام المستجد بدوستويفسكي على أعماله الأخرى، فشهدت مكتبات بريطانيا طلباً متزايداً على رواياته الأطول والأشهر والأكثر نضوجاً مثل «الأخوة كارامازوف - 1880» (1056 صفحة)، و«الجريمة والعقاب - 1868» (720 صفحة)، هذا بالإضافة إلى أرقام قياسية لمبيعات النسخة المجلدة الأغلى ثمناً من «الليالي البيضاء» (10 جنيهات إسترلينية مقابل 3 جنيهات للنسخة ذات الغلاف الورقي)، وكل ذلك بينما اتجهت المؤسسات الثقافيّة الغربيّة عموماً إلى إهمال الأدب والفنون الروسيّة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

ويقول خبراء صناعة النشر في المملكة المتحدة بأن ليس في الأمر سر بقدر ما هي تلك القدرة العجائبيّة لوسائل التواصل الاجتماعي الحديثة مثل «تيك توك» و«إنستغرام» على إشهار الأشياء والأشخاص والأماكن والكتب أيضاً. ويبدو أن «الليالي البيضاء» بالذات أثارت اهتمام بعض المؤثرين الشبان في فضاء «بوك توك» على «تيك توك» بالنظر إلى طبيعة مشاعر الحب الكثيفة التي تعالجها، بالإضافة إلى قصرها اللافت - أقل من ثمانين صفحة - فانتقلت كالحمى من مؤثر إلى آخر، ومن صفحة لأخرى، حيث عرضت عشرات المراجعات والاقتباسات ولقطات مزاجية للكتاب بجوار فناجين القهوة وقرب المدافئ مع خلفيات من الموسيقى حتى أصبحت «ترنداً» أو تياراً عاماً واسعاً وفق ثقافة مواقع التواصل.

لكن جاذبية الرواية تجاوزت مسألة الحب لتجد لها أصداء لدى شبان الجيل الجديد الذين وجدوا في بطليها نموذجاً يمكن التماهي معه، حيث يخلق الكثير منهم شخصيات بديلة خيالية من ذواتهم يضفون عليها بعداً رومانسياً مثالياً يهربون إليه من واقعهم الصعب في عصر الرأسماليّة المتأخرة.

وتحكي «الليالي البيضاء» قصة شاب مجهول الهوية شديد الحساسية، ويعيش في عالم من الأحلام في رأسه ويتأسف لأنه «يبدو لي في مثل هذه الأوقات أنني غير قادر على العيش في الحياة الواقعية، إذ وكأنني فقدت كل لمسة، وكل غريزة للتعامل مع الواقعي والحقيقي». ثم يحدث أن يلتقي صدفة في إحدى الليالي بينما كان يتمشى على أحد جسور مدينة سانت بطرسبرغ بفتاة تدعى ناستنكا، فيتجاذبان أطراف الحديث عن الحياة والآلام والآمال. الشاب وحيد لدرجة الألم، والفتاة تعاني من إهمال رجل تحبه كان عاد من موسكو مؤخراً ولم يبادر للاتصال بها كما وعد. ويلتقي الشاب (الراوي) بناستنكا في ليليتين متتاليتين بعدها ويقع في حبّها على الرغم من احتجاجاتها على أنه يجب أن يراها صديقةً فحسب. لكن مشاعر الشاب الوحيد كانت قد خرجت عن السيطرة بعد ذلك اللقاء غير المعتاد لأرواح معذبة فيقول لنفسه: «لقد فُتحت في رأسي آلاف الصمامات. ويجب الآن أن أطلق هذا النهر من الكلمات، وإلا سأختنق حتى الموت»، فيما تبدأ الفتاة رويداً رويداً في التيقن من أن حبيبها قد تخلى عنها وتنجرف في خيالاتها إلى تصور كيف يمكن أن تكون مع صديقها الجديد بدلاً منه، لكن حبيبها يعود إليها في اليوم التالي، فتتخلى عن الرّاوي.

كافكا

لقد تغيّر العالم بعد الإنترنت، إذ أصبحت المواقع مثل «تيك توك» بفيديوهاته القصيرة مصدر معلومات أساسياً لجيل الشباب، حيث ثلثا مستخدميه تقل أعمارهم عن 35 عاماً، وثلثهم ولدوا بعد عام 2000، ويعتبر ستون بالمائة منهم أن «بوك توك» - على منصة «تيك توك» حيث يشارك القراء توصيات أدبية موجزة وعفوية - قد ساعدهم على اكتشاف الكتب وشغف القراءة. ولا ترقى الفيديوهات القصيرة إلى مستوى النقد الأدبي المتعمق، ولا يبدو معظم المؤثرين مهتمين بذلك، إذ إن التعليقات القصيرة الموجزة تحوز غالباً اهتماماً أوسع بكثير ومشاهدات مليونيّة، بينما يتجنب معظم المتابعين المطولات والخطب العصماء.

دوستويفسكي ليس الكاتب الكلاسيكي الوحيد الذي نجح في إثارة اهتمام جيل مواقع التواصل الاجتماعي، إذ قبل «الليالي البيضاء» تمتعت «رسائل فرانز كافكا إلى ميلينا - 1952» بانتشار مفاجئ العام الماضي بعد تحوله إلى ترند على «تيك توك»، وهناك تالياً اقتراحات من المؤثرين الذين تحدثوا عن «الليالي البيضاء» لمتابعيهم للعبور تالياً إلى أعمال في ذات المزاج للروسيّ أنطون تشيخوف، والنمساوي راينر ماريا ريلكه، والنرويجي كنوت هامسون.

وبالطبع، يتابع الناشرون الغربيّون هذه الظواهر المستجدة بدقة، ويستجيبون لها، حيث يعدون المزيد من العناوين «القصيرة» المرشحة للانتشار من بين الأعمال الأدبيّة الكلاسيكيّة بطبعات للجيب ذات أغلفة مؤثرة، وبأسعار زهيدة نسبياً مع كفاءة عالية في طبع المزيد من النسخ في حال تضاعف الطلب بشكل مفاجئ.

كُنا قد تحدثنا في خبر جيل «تيك توك» يستعيد الكلاسيكيات - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.

أخبار متعلقة :