ملكة الصحراء.. الرياض تطور عمراني وحضاري عبر التاريخ - غاية التعليمية
وشهدت الرياض خلال تاريخها توافد عدد من الرحالة الذين وثقوا كثيراً من المعلومات المستمدة من المشاهدات اليومية فكانت على فترات من التاريخ محط رحال المستكشفين والمبعوثين والدبلوماسيين الذين زاروا الجزيرة العربية رغبة في التعرف على جوانبها الجغرافية والاجتماعية والسياسية، إذ نتج عن هذه الزيارات ظهور عديد من المؤلفات التي وصفت جزءاً كبيراً من طبيعة الحياة في الرياض.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
أطول مدة
وصف الرحالة البريطاني هاري سانت جون فيلبي «عبدالله فيلبي»، الرياض وصفاً دقيقاً في مذكراته ومقالاته من خلال زياراته العديدة التي زار فيها الرياض، وهو القائل: «رغم كل ما شهدته المدينة من توسع في العمران ومن تطور في البناء الحضاري وتنوع وتغير في النسيج الاجتماعي، فقد ظلت محافظة على الثوابت التي قامت عليها متمسكة بالقيم الاجتماعية المتوارثة والأخلاق العربية والإسلامية المتأصلة في نفوس سكانها»، ولم يكن فيلبي أول أوروبي تسحره الرياض فتغريه بالكتابة عنها، وإنما سبقه إلى ذلك عديد من الأوروبيين، أما فيلبي الذي زار الرياض لأول مرة في مهمة سياسية، وذلك في الـ30 من نوفمبر 1917، ومكث بها سبعين يوماً وهي أطول مدة يمكثها سياسي بريطاني وأطول مدة يمكثها أجنبي أوروبي في الرياض على وجه العموم، فما أعتقد أنه كان يدور في خلده أن تنشأ بينه وبين هذه العاصمة هذه العلاقة التي امتدت طوال ثلاثة وأربعين عاماً.
ولم يكن شغف فيلبي بالرياض أكثر من التأثير السحري الذي تركه في نفسه صاحب الرياض الملك عبدالعزيز، وظل ذلك التأثير متوهجاً في نفسه منذ أن عرف الملك عبدالعزيز لأول مرة، وظل إلى حين وفاة الملك عبدالعزيز في عام 1953.
انعكس إعجاب فيلبي غير المحدود بشخصية الملك عبدالعزيز على مستقبل حياته السياسي، فضحى بمستقبله بوصفه واحداً من أذكى الساسة البريطانيين وأمهرهم في المنطقة على الإطلاق، وذلك في سبيل إخلاصه وإعجابه وحبه للملك عبدالعزيز، وبالتالي انعكست على توظيف قدراته.
تطور المدينة
وفي كتاب «الرياض كما رآها فيلبي»، يقول مترجم ومقدم الكتاب الدكتور محمد بن عبدالله آل زلفة: اقتصرت في ما سأقدمه للقارئ في بلادي بشكل خاص، وللقارئ العربي بشكل عام على ما كتبه عبدالله فيلبي عن مدينة الرياض عاصمة الدولة السعودية، أو ملكة الصحراء كما يسميها فيلبي. ومع أنه لا يكاد يخلو كتاب أو مقالة مما ألفه أو كتبه فيلبي إلا وللرياض فيه ذكر، لكنه خص هذه المدينة التي أحبها بوصف خاص في كتابين من كتبه، وبمقالة مستقلة، وعلى فترات تاريخية وكأنه بذلك قد عمد إلى رصد تطور المدينة التاريخي والعمراني والحضاري حسب التطور السياسي والاقتصادي للبلاد التي هي عاصمتها وانعكاسات هذه التطورات الأخيرة على تطور المدينة العاصمة.
وتغطي مقالات ثلاث، فترات تاريخية مهمة من تطور تاريخ البلاد والعاصمة فإنها كما يأتي:
المقالة الأولى
وهي بعنوان «عاصمة الوهابيين Capital Wahhabi» نشرت ضمن كتابه المعنون قلب جزيرة العرب «Heart of the Arabian» والمنشور في لندن عام 1922، وهو من أوائل ما كتبه عن الجزيرة العربية. وهي أول مقالة يقوم بها فيلبي عن مدينة الرياض خلال زيارته الأولى لها في نوفمبر 1917، وقد مكنه الوقت الكافي من إقامته في المدينة الذي استمر لمدة سبعين يوماً من أن يقوم بمسح شامل للمدينة شمل مساحتها وأسوارها ومبانيها ومساجدها وبساتينها وطرقاتها، وهي دراسة وصفية امتازت بالدقة إذ استخدم الآلات الحديثة في القياسات، وقياسات الاتجاهات مثل البوصلة وغيرها، مع أنه لم يستغن عن استخدام الوسائل التقليدية لقياس المسافات أحيانا مثل الخطوات والباع وغير ذلك.
إضافة إلى ذلك قام فيلبي بوضع خرائط جديدة لمدينة الرياض، وهي أحدث خرائط لها منذ أقدم خريطة وضعت لها من قبل الرحالة بلجريف الذي يعد أول من وضع خارطة لمدينة الرياض وخارطة لقصر الحكم فيها مع توضيح بعض التفاصيل الدقيقة للمدينة وللقصر وللمسجد الجامع الذي كان أول من قدم وصفاً متكاملاً له من حيث البناء وسعة استيعابه للمصلين.
ويعد فيلبي رائد الكتابات المفصلة عن مدينة الرياض والمتابع بشكل دقيق ومفصل مراحل تطورها ونموها منذ السنوات الأولى لعهد الملك عبدالعزيز- طيب الله ثراه- الذي أعاد للرياض مجدها وعزها، وإلى السنوات الأخيرة من عهد الملك سعود ـ يرحمه الله ـ الذي شهدت الرياض في عهده دخولها عالم العصر الحديث.
المقالة الثانية
وهي بعنوان «الرياض ملكة الصحراء Riyadh, the queen of the desert» نشرت ضمن كتابات فيلبي المعنون «حاج في بلاد العرب» طبع في لندن الطبعة الثانية عام 1946.
كتبت هذه المقالة أو الدراسة المطولة في عام 1931. ولم يقتصر الحديث فيها على مدينة الرياض، وإنما كان حديثاً شاملاً عن تطور مجريات الأحداث في المملكة، وعن شخصية الملك وعن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي مرت بها البلاد خلال تلك الفترة وانعكاساتها على ما سواها من الأحداث.
وتحدث عن الحكومة وجهازها الإداري، وعدم رضا الملك عن أداء ذلك الجهاز في ظل التطورات السياسية المحلية والعربية والدولية التي أصبحت المملكة ممثلة في شخص قائدها جزءاً فاعلاً في التفاعل مع تلك التطورات المتسارعة، في الوقت الذي ظل الجهاز الإداري وبقيادته التنفيذية على وضعهم التقليدي في تسيير الأمور، وعدم التفاعل مع المستجدات بما يتناسب مع ظروف المرحلة، وترك كل الأمور على كاهل الملك في اتخاذ كل القرارات تجاه كل القضايا، ولم يكن ذلك الجهاز يملك القدرة على إبداء الرأي والمشورة بالشكل الذي يخفف عن كاهل الملك كثيراً من همومه المرتبطة بهموم أمته ووطنه. وقدم فيلبي لأولئك المحيطين بالملك صورة حية تعكس طبيعة كل من أولئك المستشارين وسلوكهم. كما قدم فيلبي وصفاً كاملاً لحياة الملك الخاصة في عاصمة ملكه، وجدولاً يومياً دقيقاً لعمل الملك منذ ساعات الفجر الأولى، وإلى حين ذهابه للنوم. وهذه الجزئية من حياة الملك عبدالعزيز التي قدمها فيلبي تعد من أندر ما كتب عن هذا الجانب في حياة الملك، يرحمه الله.
كما قدم وصفاً شيقاً لحياة القصر، والحياة الأسرية للملك عبدالعزيز إضافة إلى ما قدمه عن المدينة وضواحيها وبساتينها ومساجدها وقصورها ومقابرها، وحياة الناس الخاصة والعامة فيها.
المقالة الثالثة والأخيرة
هي آخر مقالة أو دراسة كتبها فيلبي عن هذه المدينة التي أحبها، وقضى بها سنوات طويلة من حياته، شهدها وهي تخرج من أسوارها، وتتوسع في مساحتها، وتدخل إليها الوسائل العصرية، وتتبنى أنماطا معمارية مختلفة غير ما ألفتها على مدى تاريخها.
ويزحف البناء على حساب المزارع والبساتين لمواجهة النمو المتزايد في عدد سكانها، وتشهد تطوراً عمرانياً حديثاً لاستيعاب المباني الحكومية الضخمة، وذلك بعد أن تطورت الإدارة، وتحولت من إدارات تقليدية في شكلها وفي أدائها قبل استحداث مجلس الوزراء وتشكيل الوزارات الحديثة، ونقلها إلى العاصمة الرياض، ورغبة القيادة السياسية في أن تكون الرياض عاصمة عصرية بها كل مقومات المدينة الحديثة.
عوامل عدة
ساعد على قيام كل هذا عوامل عدة: أولها عقلية الملك عبدالعزيز المتفتحة، ففي عهده تم ربط العاصمة بما حولها من المدن والعواصم بوسائل الاتصالات الحديثة مثل الهاتف ثم بناء مطار في عاصمة الصحراء لأول مرة، ثم توج انفتاحها على الخليج العربي بواسطة سكة حديد هي الأولى والوحيدة في المملكة بفضل عقلية هذه الشخصية الفذة الذي سبق زمانه في قوة التحدي والتغلب على الصعاب والطموح الذي لا حدود له، وهي صفات لا يملكها إلا القادة المؤسسون الكبار، والملك عبدالعزيز هو طراز فريد وضع الأسس وأنار بنور عقليته المتفتحة الطريق لمن خلفه من أولاده.. أما العامل الثاني فهو تدفق عوائد البترول في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ومساهمتها في بناء العاصمة وتحديثها.. أما العامل الثالث فهو رغبة القيادة السعودية الجديدة بزعامة الملك سعود الذي كان لأسفاره إلى كثير من بلدان العالم التأثير الكبير على تطلعاته بأن يرى عاصمة بلاده وقد بلغت مصاف العواصم الحديثة، فقاد مسيرة التطوير بشكل مذهل وتغيرت خارطة المدينة الحضارية وانتقل سكانها من حياة الجماعة Community إلى حياة المجتمع Society، وأصبحت عاصمة تستقطب فئات سكانية مختلفة تنتمي إلى خلفيات ثقافية واجتماعية مختلفة أيضاً، وأصبحت عاصمة بكل مواصفات المدينة العصرية، فأسست بها مدينة طبية كبيرة هي مجمع مستشفى الشميسي ليحل محل المستوصف الوحيد القديم. وخرجت من إطار التعليم التقليدي إلى عصر التعليم الجامعي إذ أسست بها جامعة الملك سعود عام 1377هـ -/1957م أول جامعة في المملكة وكلية الملك عبدالعزيز الحربية فأصبحت مدينة استقطاب يؤمها كل طالب علم أو رزق أو طالب استشفاء. وتوسع إطار نطاقها العمراني بشكل لا يضاهيه إلا ما شهدته مع بداية منتصف السبعينيات الميلادية. أو ما يسمى عصر الطفرة الاقتصادية في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز.
ولكن رغم كل ما شهدته المدينة من توسع في العمران ومن تطور في البناء الحضاري وتنوع وتغير في النسيج الاجتماعي، فقد ظلت محافظة على الثوابت التي قامت عليها متمسكة بالقيم الاجتماعية المتوارثة والأخلاق العربية والإسلامية المتأصلة في نفوس سكانها.
وادي البطحاء
يقول فيلبي: لقد شيدت مدينة الرياض على منصة منخفضة من الصخور الجيرية المنحدرة إلى أدنى من كافة أطرافها من هضبة مركزية يقف في أبراجها، وفوق المنازل المحيطة، مجموعة مباني القصر الملكي. ويضيف في وصفه لمدينة الرياض: أياً ما كان الأمر، فقد كانت المدينة المسورة في بداية عهدي بها ذات أبعاد تبلغ 700 ياردة من الشمال إلى الجنوب "693 مترا"، ونحو 650 ياردة من الشرق إلى الغرب "594 مترا". وهي محاطة ببساتين أشجار النخيل الرائعة من كل جوانبها عدا الجزء الشمالي الشرقي حيث يمتد السور الشرقي على طول طرف وادي البطحاء، بينما يتاخم الجزء الشرقي من السور الشمالي تلك المقبرة الكبيرة التي يرقد فيها كل من الإمام تركي، الذي قام بتبني الرياض عاصمة للدولة بعد أن تم تدمير الدرعية على يد إبراهيم باشا عام 1818م، وحفيده سعود بن فيصل، في قبريهما. وفي اتجاه الشمال من المقبرة يقع شريط طويل آخر من بساتين النخيل الغنية، في الوقت الذي تنتشر فيه أيضا مزيد من البساتين من الجانب الأيسر، أو الشرقي لضفة وادي البطحاء، وتسير في عمق معقول باتجاه الشرق، بينما هناك شريط من الأرض الخالية تقع أكثر بعدا في اتجاه الجنوب على ضفة الوادي نفسه، حيث تم تخصيصها لتشكيل مقبرة ملكية جديدة عند وفاة الإمام فيصل في عام 1865م. وباسثناء بعض المساكن القليلة والمتفرقة والمتوسطة الحال، على وجه التحديد قصر الشمسية الخاص بحفيد فيصل، سعود الكبير والواقع على بعد ميل من المدينة، وسط بساتين النخيل المحيطة، لم تكن هنالك أية مساكن لأهالي مدينة الرياض خارج المدينة المسورة نفسها.
خضرة الحدائق
وعن عهد الملك سعود، قال فيلبي: إن الملك سعود نفسه هو الذي مهد الطريق إلى تحديث عاصمته وتطويرها عندما قام بتشييد قصره الصيفي ومنتجعات الناصرية لكن من المحتمل أنه لم يعد تلك المحاولة أكثر من كونها تجربة للتمهيد والتحضير لأشياء أعظم من ذلك. ويجب الاعتراف بأن أجمل مجموعة من المباني في الرياض الجديدة هي مجمع قصر الناصرية الجديد، كما يشاهد من مكان مرتفع يقع في الطرف الشرقي من حديقته ذات الأشجار الطويلة. وقد كانت المادة المستعملة دائما هي الخرسانة المائلة إلى اللون الرمادي، والتي كانت تنسجم بسهولة مع خضرة الحدائق، وتعطي انطباعاً بأنها نوع من الحجر الرملي. وفي الوسط كانت تقع كتلة القباب المسطحة التي تشكل قصر إقامة الملك الذي تحف به الحدائق الغناء، وتزينه البحيرات الاصطناعية والأشجار المزهرة. وعند واجهته اليسرى يقع الديوان الملكي (الذي يضم مكاتب السكرتارية وصالة المقابلات، وصالة الطعام)، وكذلك الجامع الكبير والمتحف، بينما تقع في الواجهة اليمنى قصور النساء.
كُنا قد تحدثنا في خبر ملكة الصحراء.. الرياض تطور عمراني وحضاري عبر التاريخ - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
أخبار متعلقة :