تفاهة الشر - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. لنتخيّل المشهد التالي، أنه في أحد الأيام خلال السنوات الخمسين الماضية، في غرفةٍ معتمة داخل أحد السجون - سيئة السمعة - التابعة للنظام السوري السابق، يجلس ضابط متوسط الرتبة يتفحّص قائمة الأسماء.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
لا يسأل عن سبب وجود أولئك المعتقلين، ولا يهتم بمعرفة ما إذا كانوا مذنبين أم أبرياء. وظيفته واضحة: الموافقة على جولة الاستجواب المقبلة، التي من المرجّح أنها ستتضمّن أساليب تعذيب معتادة أو جديدة، وضمان سير العملية «بسلاسة»، ثم الانتقال إلى المهمة التالية.
بعد سنوات طويلة وبطيئة، سوف يسقط نظام آل الأسد، وسيُسأل هذا الضابط كيف استطاع الإشراف على تعذيب آلاف المعتقلين بشكلٍ منهجي. قد يهزّ كتفيه ويقول ببساطة: «كنتُ فقط أنفّذ الأوامر».
عندئذٍ، سيعرف من كان قد اطلع ولو قليلاً على كتابات المفكّرة الألمانية حنة آرنت أنه أمام تجسيدٍ آخر لمفهومها الشهير عن «تفاهة الشرّ»، الذي ابتكرته في عملها على تغطية محاكمة الألماني أدولف آيخمان، المسؤول عن تنظيم عمليات الترحيل إلى معسكرات الاعتقال في ألمانيا النازية.
حجزت حنة آرنت مكاناً متقدماً لها لدى محلّلي الواقع السوري في العقد الأخير، حيث اهتم عدد من المفكّرين والمثقفين السوريين بأعمالها لفهم بنية النظام السوري السابق وممارساته.
شكّلت مفاهيمها حول الطغيان والشمولية و«تفاهة الشرّ» والعنف، وغيرها، إطاراً فكرياً مهماً لتحليل الاستبداد وآلياته في سورية.
وبينما سعت آرنت إلى فهم الأنظمة الشموليّة في القرن العشرين، وجد مثقفون سوريون في كتاباتها أدوات نظرية تمكّنهم من تفكيك البنية السلطوية التي حكمتهم عقوداً، وتمنحهم رؤية أعمق لما تعنيه الدولة القمعية في سياقهم الخاص.
وربما كان الكاتب والباحث السوري ياسين الحاج صالح من أوائل الكتّاب الذين استعانوا بآرنت في السياق السوري، واستخدموا عدستها لفهم الواقع المعقّد في سورية.
حنّة آرنت (1906-1975) هي مفكرة سياسية ألمانية - أميركية من عائلة يهودية، اشتهرت بتحليلها لأنظمة الحكم الشمولي (التوتاليتارية) وفهمها لطبيعة السلطة والشر في العصر الحديث.
يعد كتابها أصول الشمولية (1951) من أبرز الدراسات حول الأنظمة الاستبدادية، حيث قارنت فيه بين النازية والستالينية، وسعت إلى تفسير كيف تتحول الدول الحديثة إلى أنظمة شمولية تُخضع الشعوب بالكامل عبر مزيج من الأيديولوجيا، والبيروقراطية، والعنف المنهجي.
وتميّزت آرنت بأنها ظلّت مفكرة مستقلّة، إذ فصلت نفسها عن المدارس الفكرية والأيديولوجية، وأولت حرية التفكير أهمية مطلقة. وشكّلت في ذلك مصدر إلهام للكثير من المفكّرين والكتّاب الساعين إلى الاستقلالية الفكرية.
في كتابها «حنة أرنت... حيوات نقديّة»، تقول الأكاديمية الأميركية سامانثا روز هيل: «تُظهر لنا آرنت كيف نفكّر في العالم من جديد، كيف نحرّر أنفسنا من تقاليد الفكر السياسي الغربي، كيف نتحمّل مسؤولية أفعالنا، كيف نفكر نقدياً من دون الخضوع للأيديولوجيا. فقط عندما نفعل هذا، تقول، سنتمكن من حب العالم».
* جوي سليم
كُنا قد تحدثنا في خبر تفاهة الشر - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
أخبار متعلقة :