الشعبي: تأويلات قانونية تضر بالفنانين.. و"مفارقات" الإبداع تتطلّب الهيكلة - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. اختتمت النقابة المغربية لمهن الفنون الدرامية مؤتمرها الوطني الثامن، الذي جمع مهنيي المسرح والسينما والتلفزيون وفنون أخرى، بتوصيات تدافع عن “تحقيق العدالة الاجتماعية والمهنية، لجميع العاملين في هذا المجال الحيوي”.
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
وتشبّثت النقابة بضرورة “تبني مقاربات قانونية وتنظيمية هيكلية، تضمن تطوير القطاع واستدامته والرقي به إلى مستوى يحرره من النظرة التجزيئية والخلط، والتصنيف ضمن الثانوي من درجات التنمية والتحديث في السياسات العمومية، وفي الوعي الجماعي للمهنيين وللمسؤولين والجماهير، بما يليق وتوجهات المملكة نحو مكانة دولية (…) وبتوجهها نحو مصاف القوى الإقليمية المتطلعة إلى التنمية المستدامة، والعدالة الشاملة، والحضور الدبلوماسي والسياسي والثقافي المتكامل”.
في هذا الحوار تلتقي هسبريس بالكاتب المسرحي والصحافي الحسين الشعبي، الرئيس الجديد للنقابة الوطنية لمهنيّي الفنون الدرامية، وتسأله حول وضع المهنيين، وتصوره لإعادة هيكلة قطاع الفنون بالبلاد، وأولويات عهدته الأولى.
ما قراءتكم، بوصفكم قيادة جديدة لنقابة الفنانين، لوضع المشتغلين بالمهن الفنية في البلاد؟.
الوضع العام للمشتغلين بالمهن الفنية، ولاسيما الفنون الدرامية، يتسم بعدة مفارقات على المستوى القانوني والتنظيمي، من حيث طبيعة الشغل والعلاقة مع المشغلين؛ رغم أن “قانون الفنان والمهن الفنية” حسم في هذا الأمر بشكل واضح ونهائي.
فالفنانون المشتغلون تحت صفة “فنان مستقل” لا يخضعون لتبعية شغلية، لكونهم يشتغلون لحسابهم الخاص، كالمؤلفين والتشكيليين مثلا؛ لأنهم من أجل إنجاز أعمالهم يشغلون أنفسهم بأنفسهم، ولا يحتاجون لمشغل، وبالتالي ينبغي أن تكون لهم الحقوق والواجبات نفسها التي تتوفر عليها الفئات الشبيهة، من عامة المواطنين المشتغلين في مجال التجارة والخدمات؛ لذا يمكن اعتبار وضعهم من الناحية القانونية واضحا ولا لبس فيه.
أما الفنانون الذين يشتغلون لصالح مشغل فوضعيتهم تفترض أن تكون عقودهم عقد شغل دائمة أو مؤقتة قطعا وليس اختيارا، بحكم القانون، لأنهم في عملهم توجد قرينة التبعية لمشغل، وهذا هو جوهر قانون الفنان، الذي أولا يضع التمييز ما بين الفئتين، ثم يقنن العلاقة ما بين أجير ومشغل، وهؤلاء يشكلون الأغلبية الساحقة في كل المجالات والأصناف الفنية، ولاسيما فناني العروض وفناني الأداء، كالممثلين، والمغنين، والعازفين، والراقصين، وفناني السيرك، والتقنيين، والإداريين، المرتبطين بفنون العرض ومن شابههم. أي كل المهن الفنية التي تحتاج إلى مؤسسة مشغلة كالفرق المسرحية ومقاولات الإنتاج.
كل هؤلاء يعتبرون في نظر القانون بمثابة “أجراء بعقود محددة المدة”، والمشكل القائم اليوم هو أن الدولة ومؤسساتها ومقاولات الإنتاج لا تعترف لهؤلاء الفنانين بصفة “الأجير”، ضدا على المنطق والواقع والقانون، وهي وضعية يمنحها لهم “قانون الفنان والمهن الفنية” ووضعيتهم المهنية، بل حتى تعريف الأجير كما هو متعارف عليه دوليا، بما في ذلك تعريف قانون الشغل المغربي، ينطبق عليهم. هنا تكمن المشكلة الحقيقية، التي لها تبعات منها أن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي يرغب الفنانون الأجراء في الوصول إليها مسدودة في وجوههم، ومن ذلك على سبيل المثال إدماجهم كالممثلين في مرسوم خاص بتنزيل الحماية الاجتماعية للفنانين إثر صدور قانونين وهما:
“القانون رقم 98-15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا” الصادر في 13 يوليوز 2017؛ و”القانون رقم 99-15 99 بإحداث نظام للمعاشات لفائدة فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا” الصادر بتاريخ 21 دجنبر 2017.
حينما شرعت الدولة ومؤسساتها في الاشتغال على تنزيل وتطبيق هذين القانونين لم تنتبه إلى أنهما يعنيان المؤلفين في القطاع الفني، لأنهم هم المستلقون الذين يشتغلون لحسابهم الخاص، واعتبرت جميع الفنانين “مستقلين غير أجراء” على عكس ما ينص عليه “قانون الفنان والمهن الفنية”. والحال أن معظم الشغيلة الفنية أجراء والأقلية فقط مستقلون كما سلفت الإشارة. لذا فالفنانون الأجراء غير معنيين بهذين القانونين، لأن عملهم يفترض وجود قرينة “تبعية” مباشرة وواضحة لمشغل، وبذلك فهم يشتغلون لصالح مقاولات إنتاج، وليس لحسابهم الخاص، وبالتالي ليسوا مستقلين.
ما أثر هذه القراءة القانونية، التي تعتبرونها غير سليمة، على مهنيّي الفنون المشتغلين بشكل غير مستقل؟.
أمام هذا الوضع أصبح الأجير الذي ينبغي أن تقتطع اشتراكاته من المنبع بمساهمة المشغل مطالبا بالمساهمة وكأنه يمتلك سلعة يبيعها لزبون متى شاء. وبالمناسبة فالمضحك المحزن أن الممثلين يقدمون فاتورات؛ بمعنى أن الأجير أصبح مستقلا والمشغل أصبح زبونا، وهذا أمر خطير لأن الممثل مثلا أصبح مطالبا بأداء اشتراكاته شهريا، سواء اشتغل أو لم يشتغل، في حين أنه عليه أن يؤدي فقط حينما يشتغل، والأكثر خطورة أنه أصبح مطلوبا منه أن يفي بالتزاماته مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في الملفات التي يقدمها المشغل للدعم، وهذا معناه أن مسؤولية التصريح به من قبل المشغل بعد أن يشتغل تحولت إلى عبء على عاتق الفنان الذي عليه أن يدفع قبل الشغل… أي منطق قانوني هذا حين تتحول مسؤولية المشغل في التصريح بأجيره إلى مسؤولية أجير يصرح بنفسه، وحين يتحول الشغل إلى سلعة والمشغل إلى زبون؟.
لقد نبهت القيادة النقابية، طيلة هذه السنوات الخمس الأخيرة، إلى صعوبة مواصلة الخلط بين صفتي “الأجير” و”المستقل”، وضرورة إعادة النظر في بطاقة الفنان المهنية لأنها سبب المشكل في صيغتها الحالية، وما أكثر ما نبهت نقابتنا للضرر الذي سيلحقه هذا الحيف بعدد هائل من فئات الفنانين… وسبق للنقابة أن تحاورت، في هذا الشأن، مع مسؤولين بوزارة الثقافة والاتصال، ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية، ومؤسسة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والمديرية العامة للضرائب، وعقدت عدة ورشات ومنتديات بمشاركة خبراء وطنيين وأجانب، للتحسيس بهذا الإشكال القانوني؛ لكن المسألة بقيت عالقة إلى اليوم. وهي بالمناسبة ستسيء لصورة بلد بكامله، حيث سيبدو أنه تنعدم فيه الخبرة إلى درجة عدم التمييز بين الأجير والمستقل في الحقل الفني. كما أن ذلك سينم عن سوء فهم لأهداف قانون الفنان والمهن الفنية، الذي يشكل هذا التمييز جوهره لإلحاق كل فئة بالقوانين ذات الصلة وأهمها قانون الشغل.
هذه وظيفة قانون الفنان والمهن الفنية، وبدون هذه الوظيفة ليست له أي وظيفة أخرى، وعدم تطبيقه أو السعي إلى تعديله للتستر على التناقض الحاصل، أي اعتبار كل الفنانين مستقلين، كما يتم الترويج لذلك حاليا، سيخلق مشكلا حقوقيا كبيرا، لأن هذا يعني تزوير صفة غير موجودة في الواقع، مع خروج عن مفردات وتعاريف قانون الشغل المتعارف عليها دوليا، وبالتالي سد المجال أمام الفنانين في حقهم في الحد الأدنى للأجر، وعقود الشغل، والعدالة الضريبية، والحقوق النقابية، ومنها حق الإضراب وحق الولوج للمفاوضة الجماعية، إلى آخره. لأن المنطق يقول: كيف ستكون هذه الحقوق ممكنة في غياب مشغل هو موجود قانونا ووضعا، لكنه مغيب بسبب سوء فهم قانون الفنان والمهن الفنية وعدم القدرة التقنية على تنزيله؟.
هذه النقطة شكلت محورا رئيسا في مداولات مؤتمرنا الوطني الثامن المنعقد بداية هذا الشهر، وخلصنا إلى مخرجات وخلاصات سنعتمدها في حوارنا الاجتماعي مع المسؤولين الحكوميين لعلنا نتوافق على حل نهائي منصف وعادل في ما تبقى من الولاية الحكومية الحالية، وإلا سنضطر مكرهين للمرور للسرعة الثانية قبل انتظار الحكومة القادمة، لأن ما قدمته النقابة في هذا الباب لا يمثل رأيا ولا مزاجا، بل حلولا قانونية معتمدة على القانون المقارن نظرا لجدة الموضوع.
والسرعة القصوى وإن كانت ستكون طويلة الأمد ينبغي أن تعتمد على الاجتهاد القضائي، لأنه ليست كل الدول لها قانون للفنان، بل قانون الفنان يوجد فقط في الدول التي لها تأخر في حل الوضعية القانونية الخاصة للفنانين، ومنها المغرب الذي ربح نقطا كثيرة على مستوى النص القانوني، وفشل تقنيا في تنزيله في نصوص تنظيمية. قانون الفنان والمهن الفنية يشكل عصارة اجتهادات قضائية امتدت لما يفوق قرنا، وكلها نوازل بدت للقضاة غريبة، والحق أن الكثير من المسؤولين تبدو لهم بعض الاقتراحات الوجيهة غريبة، لغياب الخبرة المتخصصة في مجال تعتبره منظمة العمل الدولية من المهن غير النمطية Atypiques، والدستور المغربي في فصله السادس والعشرين يقر بذلك.
-استحضر شعار المؤتمر الثامن خصوصية مهن الفنون التي تستوجب الانتباه إليها في التنظيم. ما أسس إعادة هيكلةٍ عادلة للقطاع في تصور مكتبكم الجديد؟.
نعتقد في النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية أن أي هيكلة عادلة للقطاع الفني، ولاسيما الفنون الدرامية، لن تستقيم ما لم يتم الأخذ بعين الاعتبار بخصوصية مهنة الفنان، ومراعاة طبيعتها اللانمطية، كما نؤكد على ذلك دائما. فمهنة الفنان بطبعها تعتبر في كل الوثائق الدولية، ولاسيما وثائق منظمة اليونسكو ومنظمة العمل الدولية، بمثابة مهنة المخاطر (Métiers à Risques) لأن الفنان الأجير يشتغل وفق عقد محدد المدة، وفور ما تنتهي مدة العقد يلجأ الفنان للبحث عن عقد آخر، أي عن شغل آخر، وهذا الأمر لا يتأتى دائما؛ وبالتالي فقد يشتغل لمدة وينقطع عن الشغل لمدة أخرى؛ إذن فالدخل الفني يكون بطبعه محدودا ومتقطعا وغير قار، لكنه في الوقت نفسه قد يكون مرتفعا. هذا يعطي مفهوما للهشاشة الفنية التي لا تعني الفقر، بل عدم انتظام الدخل، وتوقع قيمته المالية غير قابلة للاحتساب في الزمن، ما يجعله يحتاج تقنيات خاصة في احتساب الحماية الاجتماعية مبنية على التمييز بين العمل الجسدي والعمل الفكري، وهذا منصوص عليه في قانون الفنان والمهن الفنية.
وبما أن القانون لا يشرح، لأنه ليس نصا نظريا، فالكثير من المسؤولين لا يحسنون قراءة النص القانوني ويبدو لهم احتساب اقتطاعات الفنان غير ممكن، والحل السهل طبعا هو اعتبارهم الأجير مستقلا، ليصبح قانون الفنان والمهن الفنية بالنسبة لهم قانونا معرقلا، عوض أن يعتبروه مساعدا لأن تسميته الفرنسية أكثر دقة Loi sur le statut de l’artiste .. تعني “قانون حول وضعية الفنان”.. من ثمة فإن هذا القانون يساعد على حل وضعية خاصة بناء على مبادئ قانون الشغل.. هذا الوضع اللانمطي يعد من أهم خصوصيات المهن الفنية إن لم نقل أهمها على الإطلاق. ولا ينبغي أن يتبادر إلى الذهن بأن هذا الوضع سلبي وأن له بديلا آخر، بل هو وضع يعيشه سائر الفنانين في العالم، لكن ستكون له تداعيات سلبية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للفنان، ما لم تتم هيكلة القطاع بشكل قانوني، وبمقاربة حقوقية، تعتبر مراعاة خصوصية مهنة الفنان حقا أساسيا وليس امتيازا، حيث يتعين أن ينعم مهنيو الثقافة والفنون بالولوجية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية التي تشمل كافة المواطنات والمواطنين المشتغلين في قطاعات أخرى منظمة ومهيكلة.
ولا أخفيك أن هذه المقاربة هي المفتاح الوحيد لحل باب الهيكلة بشكل عقلاني وشامل، لأن قانون الفنان لن يضمن التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلا بعد أن يضمن أولا تحقيق الولوجية لهذه الحقوق. ولذلك إن لم تُفهم خصوصية المجال لن يتم تنزيل قانون الفنان والمهن الفنية بشكل سليم. من ثَم جاء شعار مؤتمرنا الوطني الثامن “خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة”؛ لإعادة طرح المسألة، وإنضاجها، والسير نحو تمكين القطاع من هيكلة منصفة وعادلة، وتمتيع الفنانين بظروف شغل جيدة وملائمة، وبالحق في العيش الكريم، وبالحد الأدنى من الكرامة.
ما أولويات نقابة الفنانين خلال عهدتكم؟.
بالطبع سنواصل الأوراش الهامة التي أطلقتها القيادة النقابية في الولاية السابقة، سواء ما تعلق بمسألة الحماية الاجتماعية للفنانين، التي لن نحيد عنها قيد أنملة لأننا نعتقد أن أطروحتنا على حق لأنها تستند للخبرة، أو ما تعلق باستكمال تنزيل النصوص التنظيمية لقانون الفنان والمهن الفنية، أو ما تعلق بمواصلة الترافع حول إعادة تنظيم المكتب المغربي لحقوق المؤلف… وغيرها من الأوراش المفتوحة.
كما سنواصل التمسك بالمقاربة التشاركية مع السلطات الحكومية الوصية على المجال أو ذات الصلة ببعض قضايانا، سواء في قطاع الثقافة أو قطاع الاتصال، أو قطاع الصحة والحماية الاجتماعية، أو قطاع الاقتصاد والمالية. وسنواصل كذلك العمل التنسيقي والوحدوي مع حلفائنا من نقابات وهيئات مهنية فنية داخل وخارج المغرب.
والأهم كذلك أن نشتغل على ترجمة خلاصات ومقررات مؤتمرنا الوطني الأخير وإخراجها إلى حيز الوجود، مع ما يستتبع ذلك من ضرورة توحيد اللحمة النقابية، وتنشيط الحياة الداخلية للنقابة، وتعزيز صفوفها بالمزيد من الانخراطات، والاهتمام بالفروع، وفتح فروع جديدة. كل ذلك في إطار احترام مقتضيات القانون الأساسي والقيم والمبادئ التي تنص عليها الوثيقة التوجيهية الصادرة عن المؤتمر الوطني، خدمة لمهنيي الفنون الدرامية ببلادنا والقطاع الفني بشكل عام.
كُنا قد تحدثنا في خبر الشعبي: تأويلات قانونية تضر بالفنانين.. و"مفارقات" الإبداع تتطلّب الهيكلة - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
أخبار متعلقة :