السماري: الرواية ديوان كاشف للاحتقانات الفردية - غاية التعليمية
غاية التعليمية يكتُب.. المحلية أقرب طريق للعالمية... هذا ما أكده العديد من رواد الأدب، الذين يسير الأديب السعودي أحمد السماري على دربهم، حيث يغوص في أعماق البيئة السعودية، معبِّراً وكاشفاً عمَّا تموج به من قضايا، راصداً المشاعر الإنسانية وتبايناتها، من خلال أبطال رواياته المحملين دوماً بالحُب مع الخيبة، والكراهية مع الغربة، والمال مع الوحدة، والاختلاف الذي لا يحتمل، والصراع بين الأنا والآخر، ويتبدَّى ذلك في رواياته، خصوصاً رواية «ابنة ليليت»، الصادرة حديثاً.
«الجريدة» التقت السماري، الذي أكد ضرورة تعديل النظرة إلى الرواية التي وصفها بأنها ديوان يكشف الاحتقانات الفردية في المجتمعات، متحدثاً عن البيئة الإبداعية بالسعودية، ومسيرته الأدبية، وأعماله، وأبطال رواياته، وإلى نص الحوار:
اخر الاخبار العاجلة عبر غاية التعليمية أخبار محلية ودولية، وكذلك أخبار الر ياضة وخاصة كرة القدم يلا كورة و يلا شوت اليوم.
• عن منشورات «رامينا» في العاصمة البريطانية (لندن)، صدرت لكم أخيراً رواية «ابنة ليليت»، ما أهم القضايا التي تتمحور حولها أحداث الرواية؟
- هي رسالة مباشرة وقوية من امرأة تمرَّدت على منطقة أمانها، التي يحرص معظمنا على عدم كسرها، وتمرَّدت على العُرف والتقاليد وقانون الأسرة غير المكتوب، وتمرَّدت على الظلم الذي وقع عليها، مُستخدماً الإسقاط الرمزي لليليت، ليس المقصود بذلك أسطورة زوجة آدم الأولى وتمردها، لكن بالترميز الحداثي لليليت كامرأة لا يمكن السيطرة عليها، فتحوَّلت من صورتها الشريرة السابقة إلى امرأة قوية، حتى أضحت رمزاً أسطورياً للحركة النسائية العالمية مُحمَّلة بمضامين الحُرية والمساواة بين الرجل والمرأة، بل في بعض الحالات المتطرفة بتفضيل المرأة على الرجل.
وتعكس الرواية بجرأة ووضوح واقع المجتمع السعودي والمجتمعات العربية، والتحديات التي تواجهها، سواءً فيما يتعلق بالطبقات الاجتماعية، أو القضايا النسائية، أو التحولات الثقافية والاجتماعية التي تشهدها في واقعها ومستقبلها.
المحلية والعالمية
• برأيك، هل الإغراق في المحلية يحقق للمبدع طموحه في الانتشار والشهرة؟
- المحلية هي أقرب طريق إلى الانتشار والشهرة العالمية. وللوصول للعالمية لابد من خصائص متميزة في العمل الأدبي أو الفني تجعله قادراً على البروز، بحيث ينتقل من حدود الاستمتاع المحلي إلى آفاق العالم الواسع بلغاته وثقافاته المتعددة. لذلك، تبدو لي أن العالمية تبدأ من الأصالة المحلية مع التجديد الذي ينبع من الأصول والجذور والتراث.
الأدب يحمل قوة تأثير لا تُضاهى... والكتابة الروائية أهم أدواته
• هناك مَنْ يؤكد أن الرواية السعودية ظهرت في السنوات الماضية عبر واجهتين، فيما عُرف بـ «الأدب الاستسهالي» الذي شجعته دور النشر التجارية، والثانية «المتن الأدبي المميز الذي قاده كُتاب بأنفسهم»... ماذا تقول حول هذه الإشكالية؟
- ظاهرة الأدب الاستسهالي موجودة في كل زمان، وفي كل فن من فنون الأدب، وأعتبرها ظاهرة طفيلية طبيعة تنمو في غياب الكتابة الجيدة، وتتواجد مصاحبة لاتساع دائرة الاهتمام من المجتمع بهذا الفن، وجذبه لمزيد من المحبين والعاشقين، والبقاء دائماً للأفضل.
ديوان العرب
• هناك مَنْ يرى أن الرواية تفوقت على الشعر وأخذت مكانه في الانتشار والجماهيرية، لكن من وجهة نظرك هل تستطيع أن تأخذ مكانه ودوره كرافعة معنوية وتنويرية للشعوب؟
- نعم، من المؤيدين بأن الرواية أصبحت «ديوان العرب» بعد أن كان الشعر ديوانهم في الماضي. فقد قام الخطاب السردي، كما يقول د. عبدالله إبراهيم، ممثلاً بالرواية، بتمثيل لأحوال المجتمعات العربية، بما في ذلك الحريات، والهويات، ومصائر المنفيّين، والمهجَّرين، والنساء، وأصحاب الرأي، وضحايا الحروب الأهلية، فضلاً عن ضحايا الاستبداد السياسي والاجتماعي والديني، وهم كثر. فإن لم تكن الرواية هي السجل الشامل لذلك، فأين هو ذلك السجل الذي نجد فيه كل ذلك؟ يلزمنا تعديل النظرة إلى الرواية بترحيلها من كونها نصاً مغلقاً إلى خطاب تعددي منشبك بالخلفيات الحاضنة له. إنها فعلاً «ديوان العالم» نتلمَّس فيه ما يثير الهلع في النفوس عن الجماعات القبلية والمذهبية والعرقية، وهي «ديوان» كاشف للاحتقانات الفردية في المجتمعات.
خبرات وتجارب
• في ضوء تجربتك الإبداعية، إلى أي حدٍّ أنت مَدين لحياتك الشخصية فيما تقدم من أعمال روائية؟
- تتيح لي الكتابة الروائية الفرصة للتعبير عن أفكاري ومشاعري بطريقة سردية مستجلباً فيها القدرة الإبداعية، ويمكن أن تكون وسيلة لفهم الذات والآخرين. كتابة الروايات تتيح للكاتب استكشاف مشاعر وتجارب متعددة قد لا يواجهها في حياته اليومية، لكن تترسخ في وجدانه من خلال مشوار حياته وتجاربه مع الآخرين.
ويجتهد كاتب الرواية، كما يقول الأديب هيثم حسين: «فإنه يخلق فرصة لإلهام الآخرين»، وقد يسهم في تغيير نظرة شخص ما للحياة، أو يمنحه الأمل في لحظة صعبة.
الأدب يحمل قوة تأثير لا تُضاهى، والكتابة الروائية أهم أدواته. من خلال السرد والخيال يمكن للكاتب أن يعكس مشاعر الفرح والحزن، والحُب والخسارة، والأمل واليأس. هذا الانعكاس يُمكِّن القراء من الشعور بأنهم ليسوا وحدهم في تجاربهم، وأن هناك آخرين يشاركونهم نفس المشاعر والتجارب.
وفي الرواية، بينما يتابع القارئ حياة الشخصيات ويشاركها في تحدياتها وانتصاراتها، يربط ذلك بتجاربه الشخصية، ويجد تأكيداً لمشاعره وأفكاره الخاصة. هذا التمثيل الدقيق المتخيّل للحياة يمنح القارئ لحظات للتأمل والتفكير في حياته الخاصة ومستقبله.
الأدب الاستسهالي ظاهرة طفيلية تنمو في غياب الكتابة الجيدة
تحفيز النفس
• برأيك، إلى أي حدٍّ تستطيع الرواية الاستجابة للظروف الاجتماعية والقضايا السياسية والثقافية المعقدة التي تربك الإنسان المعاصر وتقلقه؟
- الرواية، وفق رأيي، هي دعوة لاستكشاف جانب إبداعي قد يكون مخفياً داخل كل فرد، وهي وسيلة لتحفيز النفس والآخرين، لإيجاد الجماليات المخبوءة في الكلمات، والغوص في حيوات الآخرين مسرجين القلم إلى عوالم خيالية قد لا نستطيع الوصول إليها في واقعنا. كما يجب التأكيد على أن التحليق في الخيال ملح الكتابة الروائية، وعلامتها الفارقة، ونبعها المتجدد.
عتبات النص
• العناوين الجاذبة تُعد عتبات النص الأدبي التي تستقبل المتلقي وتثير دهشته وإعجابه، كيف تختار عناوينك عادةً؟
- لدي عادة شخصية في هذا الأمر، أضع عنواناً مؤقتاً في بداية كتابة الرواية، وبعد الانتهاء منها ومراجعتها يبرز أمامي عنوانها النهائي، وقد يتطلب الأمر بعض الاستشارة من المقربين.
• الرياض ببيئتها وسرودها الاجتماعية والفكرية والجغرافية المختلفة تشكِّل مفتاحاً لتجربتك في الكتابة والحياة، ما الذي توفره البيئة للكاتب حتى يكون قادراً على تأثيث عالمه التخيلي الجميل وتقديم نص أدبي خالص الإبداع والدهشة؟
- هناك مقولة ذائعة الصيت قالها الناقد المجري جورج لوكاش: «الرواية ابنة المدينة»، وأحسب أن لوكاش لم يقصد أن المدينة هي وحدها فضاء الرواية، لكنه قصد، كما أظن، أن نشوء المدينة وصيرورتها، هما اللذان اقتضيا ظهور هذا الجنس الأدبي.
• ماذا عن أحدث مشاريعك الأدبية؟
- أعكف على كتابة رواية جديدة تختلف عن رواياتي السابقة، قنطرة، والصريم، وابنة ليليت.
كُنا قد تحدثنا في خبر السماري: الرواية ديوان كاشف للاحتقانات الفردية - غاية التعليمية بأستفاضة، ويمكنك تصفح جميع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن عبر موقعنا غاية التعليمية الالكتروني.
أخبار متعلقة :